اقتصاد

العراق ما زال يدفع تعويضات حرب الكويت

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

" برميل دون قعر"
العراق ما زال يدفع تعويضات حرب الكويت

مازن الراوي من برلين: في خبر نشرته بعض وكالات الأنباء، لم يحظ باهتمام وتعليق كبيرين، جاء فيه؛ إن الأمم المتحدة سددت مبالغ أكثر مما هو مقرر لبريطانيين متضررين من إجتياح العراق للكويت. وقد ورد في الخبر المقتضب نصًا يقول: "من المفترض أن يعيد أكثر من مئة بريطاني إلى الأمم المتحدة جزءًا من مبالغ التعويضات التي حصلوا عليها بمقتضى القرار الذي ألزم العراق، إثر حرب الخليج بداية 1990 بتعويض أضرارهم. توصلت إلى ذلك تقصيات في الأمم المتحدة، كشفت أن اللجنة المعنية بالتعويضات سددت لهم مبالغ أكثر من مستحقاتهم. وقد أكدت وزارة الخارجية البريطانية ذلك أمس ( الجمعة 13 نيسان). وردت الأمم المتحدة حكومة لندن إستحصال المبالغ المذكورة من أصحابها. ويشمل من ستستحصل منهم المبالغ الإضافية التي استلموها 113 مواطنًا بريطانيًا".

هذا في ما يخص المواطنين البريطانيين، ولكن كم من المواطنين في بلدان الخليج وفي العالم، من أفراد ومؤسسات وشركات تقاضوا ويتقاضون من أموال النفط المستقطعة؟.

والواقع أنه لم يصرّح أو يكشف المتحدث في الأمم المتحدة عن حجم المبالغ التي حصلوا عليها أو التي يلزم إعادتها. على أية حال لم يحض الخبر المبتسرـ في الوضع الراهن الذي تتحدث فيه الدماء في العراق بدل الإهتمامات المالية ـ باهتمام كبير كما كانت تحضى به الأخبار إبان الحصار وضجة التعويضات ومكاسب الدول والشركات... كما لم تعلق الحكومة العراقية، المعنية بالدرجة الأولى، على الموضوع. ولكن الخبر يثير في الواقع سلسلة من التداعيات المؤلمة عن كسر ظهر العراق بالديون وتسديده حتى الآن، بعد حوالي 16 عامًا، مبالغ تقدر بالمليارات لما يسمى بتعويضات الحرب، فضلاً عن الديون المستحقة عليه بفوائدها.

مثل هذا الخبر الوجيز ينكأ جروحًا لم تندمل بعد، بل يشير إلى عمق المعاناة المستمرة لدى العراقيين. أي أن سقوط النظام الدكتاتوري لم ينه المحنة الإقتصادية التي لحقت بالجميع تقريبًا، فيما ترك النظام إرثًا اقتصاديًا ثقيلاً زادتها التمزقات الداخلية وحرب الإرهابيين وتصادم الفئات المتناحرة وغياب الوطنية والقيم والنزاهة بحيث تسرق وتهدر المليارات من الدولارات بينما العراق يقع في مستنقع آسن، كل يناضل بكل الطرق للحصول على لقمة عيشه.

لقد عانى العراقيون عقودًا من الزمن، منذ إستعدادات الدكتاتورية لشن الحروب، فأصبح معظم الشعب "بين الفراتين" يشحذ قوته. إنتهت الطبقة الوسطى تقريبًا، فيما قدِّر دخل الفرد بدولارين تقريبًا قبل الإطاحة بالدكتاتورية، ثمّ بلغت ذروة المأساة في صيف عام 1990 حينما اندفع جيش الدكتاتور صدام حسين واجتاح الكويت. بعد عام واحد إستطاعت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية من طرد القوات العراقية. وفي العام نفسهتشكلت في الأمم المتحدة لجنة تعويضات التي قررت تعويض كافة الجهات التي تضررت بالغزو العراقي، ومنذ ذلك الوقت العصيب يسدد العراق من معيشة أبنائه المليارات.

مما لا شك فيه، أن الخبر المنشور يؤكد بأن الأمم المتحدة ما زالت تقتطع من عائدات النفط العراقية وما زالت تعوّض المتضررين، الذين بالغوا بالتأكيد في وقته بتقدير حجم الأضرار التي لحقت بهم، ولم تفحص حقيقة إدعاءاتهم جهة قانونية. إن تعويضات حرب الخليج البالغة حوالى 56 مليار دولار دفع العراق من إيراداته النفطية حتى الآن ما يقدر بـ 21 مليار دولار. وتستقطع الأمم المتحدة في الوقت الحاضر نسبة 5 في المئة من العائدات لتسلمها للمتضررين، ويعني هذا أنه يدفع 1,5 مليار دولار من عائداته النفطية الحالية وهو بأمس الحاجة إليها بغية الخروج من مأزقه الحالي.

لا يستطيع أحد أن ينكر بأن البلاد تمر في محنة تهدد كيانها وتمزق نسيجها الإجتماعي. يتعثر العديد من المحاولات السياسية والعسكرية لجلب قدر من الأمن والإستقرار، ولكن في نفس الوقت تعم البطالة ويزداد خط الفقر ليشمل الجميع تقريباً. ويبدو أن الحالة السياسية والاقتصادية متلازمتين في جر البلاد إلى الهاوية. وبالتأكيد تتظافر الجهود الشيطانية لتخريب المنشآت النفطية من قبل الإرهابيين، ولسرقة النفط من قبل عصابات بعض المليشيات واللصوص للحيلولة دون توفير إيرادات نفطية بطاقة إنتاجية توفر الموارد لتساهم في إخراج العراق من محنته وتبدأ بتعمير خرابه.

في العام 1979، أي ما قبل الحرب ، كان العراق يملك فائضًا نقديًا يقدر بـ 40 مليار دولار. ولكن النفقات العسكرية لنظام الدكتاتور حسين بلغت من العام 1980 إلى العام 1985 حوالى 180 مليار دولار، وتزيد هذه 245 في المئة على إجمالي الإيرادات النفطية خلال تلك المدة البالغة حوالى 48,4 مليار دولار. لقد تمت تغطية العجز في الميزانية العراقية آنذاك عن طريق القروض التي بلغت حوالى 40 مليار دولار من بلدان الخليج وعلى رأسها السعودية والكويت، فيما بلغت القروض من البلدان الأخرى ومن البنوك بأكثر من 80 مليار دولار. وتقدر ديون العراق الموثقة بأكثر من 180 مليون دولار. وإجمالاًُ قدرت خسائر الحرب الحمقى التي شنتها الدكتاتورية بـ452 مليار دولار، وما زال العراق يئن ويتمزق تحتها.

من حسن الحظ أن معظم الدول، بمساع أميركية وأوروبية، أسقطت ديونها لتتيح في المجال تطور البلاد بعد الخلاص من الدكتاتورية وهي ما زالت تقدم المعونة لبناء العراق، إلاّ أن الإرث ما زال ثقيلاً، والخراب ما زال مستمرًا.

في أعوام التسعينات، سددت تعويضات سخية من أموال مبيعات النفط العراقي للمهجرين من الكويت وللمتضررين من الحرب ولعائلات القتلى والمفقودين، بعبارة أخرى تعويض كافة المتضررين. وقبل كل شيء، جرى تعويض سخي للمؤسسات وأصحاب الشركات والمالكين، وقد ذهبت أموال النفط العراقي في المرتبة الأولى إلى بلدان الخليج الغنية وإلى شركات النفط العاملة في المنطقة. وقد تحددت المطالب بحوالى 360 مليار دولار، فيما أعلنت الأمم المتحدة موافقتها الرسمية بـ 52 مليار دولار. لقد دفع العراق حتى الآن حوالى 21 مليون دولار. وربع هذا المبلغ تم تسديده بعد الإطاحة بنظام الدكتاتور صدام حسين. وتذهب في الوقت الحاضر 5 في المئة من الأموال التي يستحصلها العراق إلى صندوق الأمم المتحدة التي ما زالت تعوّض وتملأ البئر الذي لا يمتلئ ـ بئر المتضررين، وما زالت دول محيطة بالعراق تلوح بمبالغ التعويضات مثل سيف ديموقليس.

في العام 1998 إنتقد تقرير من داخل الأمم المتحدة إستمرار تسديد العراق بوتيرة عالية للتعويضات المفروضة عليه، وقال إن العراق يواجه مطالب ضخمة تثقل عليه، وليس في طاقته تلبية تلك. الكويت لوحدها تطالب العراق بتعويضات تصل إلى 180 مليار دولار، وهذا المبلغ يمثل في الحقيقة تسع مرات مجمل الإنتاج المحلي لدولة الكويت لعام 1989. في السنة الماضية طلبت الحكومة العراقية إنهاء التعويضات التي ترهق كاهلها إلاّ أن الجهات المعنية رفضت ذلك. أما الديون الرسمية لدول الخليج، فقد تضاعفت بسبب الفوائد المفروضة إلى أكثر من مرتين من سنة 1990 إلى سنة 2003 وليس حتى الآن في سماء إطفاء الديون وإنهاء التعويضات للدول الجارة والشقيقة سحابة تنذر بهطول المطر؟

هكذا يعاني العراق من عجز وركود وديون باهضة تشل قدرته على معالجة أوضاعه الداخلية، وهو يطلب المساعدة من كافة الأطراف بأن تعينه في موضوعة إطفاء الديون وإيقاف التعويضات. ومع أن الدول العربية والمحيطة بالعراق تجتمع بين وقت وآخر للنظر في المحنة العراقية وتتعهد بأن تقدم كل الدعم لإسناد التحول فيه إلاّ أنها لم تعلن حتى الآن إطفاء ديونها والتخلي عن التعويضات السخية التي أرهقت وما زالت ترهق كاهل الشعب العراقي الذي لم يقرر بدء حروبه، بل جعلته تلك الحروب والعنف الوحشي الدائر في البلاد أن يشحذ رغيفه اليومي بشلعان القلب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف