اقتصاد

سوريا :السياسة النقدية والتضخم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سوريا :السياسة النقدية والتضخم

دمشق


إن السياسة النقدية في سوريا، والتي اتسمت بتعددية نظام أسعار الصرف الثابتة، أسعار فائدة صارمة وتحكم حكومي مباشر في النظام المصرفي، شهدت مؤخرا بعض التغييرات، والتي تستهدف الاتجاه نحو تحقيق مزيدا من المرونة والاستجابة لأوضاع السوق. ففي الوقت الحاضر، يرتبط سعر صرف العملة السورية بالدولار الأمريكي، ويوجد للعملة السورية سعرين للصرف، أحدهما ثابت مخصص لعمليات القطاع العام، والآخر مرن وهو مخصص لعمليات القطاع الخاص. إلا أن محافظ البنك المركزي السوري أعلن أنه مع بداية العام 2007 ، دخل سعر الصرف الموحد للعملة المحلية حيزالتنفيذ وهو مرتبط بسلة عملات ذات قيم مختلفة (44 في المائة يورو، 34 في المائة دولار و11 في المائة لكل من الجنيه الاسترليني والين الياباني). وتتحكم السلطة التنظيمية في عرض النقد، كما تقوم بإجراء تعديلات على الأدوات والتوجيهات الاقتصادية وغيرها. وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف، أعلنت السلطات النقديةَ السورية مؤخرا عن اتخاذها بعض الإجراءات لدعم الليرة السورية، مدفوعة من قبل الضغط الدولي على البلاد، إلى جانب محاولتها للحد بعض الشيء من السيطرة الواقعة على أسعار الصرف منذ عقود طويلة. وقد رفع البنك المركزي السوري سعر الأساس من 6.5 في المائة إلى 7 في المائة لتعزيز الادخار بالعملة المحلية، كما أصدر شهادات إيداع لأول مرة بسعر فائدة 9 في المائة.

ولدعم الليرة بشكل أكبر، تم تعويم الدولار بصورة محكمة عند سعر 51.8 ليرة سوري. وفيما يتعلق بالسيطرة على سعر الصرف، والمعمول به منذ الخمسينات، أعطت السلطات السورية مؤخراً الضوء الأخضر للسوريين لفتح حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية والتعامل بها. وفي الوقت الحاضر، أصبح بإمكان البنوك وضع أسعار صرف في حدود موضوعة من قبل البنك المركزي. وفي ذات الوقت أصبح بإمكان البنوك المحلية إصدار خطابات اعتماد لتصدير واستيراد ما يقارب 950 سلعة مختلفة، في قائمة تتضمن قرابة ربع إجمالي التجارة السورية. وكصفقة مالية، فإن الإجراءات التي أفصحت عنها الحكومة السورية تهدف بشكل واضح نحو تعزيز الليرة السورية وجلب المزيد من الدولارات إلى البلاد والبنوك السورية مما يزيد من احتياطيات العملة الصعبة.

في النظام السوري وعلى مدار الأعوام الخمس فيما بين العام 2001 والعام 2005، سجل عرض النقد (بمفهومه الضيق) من فئة (M1) نموا بمعدل سنوي مركب بلغت نسبته 13.15 في المائة، في حين حقق عرض النقد من الفئة (M2) (بمفهومه الواسع) نمو سنوي مركب بلغت نسبته 12.87 في المائة. وفي العام 2005، سجل عرض النقد من فئة (M1) نموا بنسبة 14.33 في المائة، وصولا إلى 688.3 مليار ليرة سوري، الأمر الذي يعزى لنمو العملة المتداولة بنسبة 15.7 في المائة، وصولا إلى 384.7 مليار ليرة سوري والنمو الذي حققته الودائع تحت الطلب بنسبة 12.7 في المائة، وصولا إلى 303.6 مليار ليرة سوري.

تراجعت الودائع لأجل والودائع الادخارية بنسبة 1.77 في المائة، وصولا إلى 316.9 مليار ليرة سوري في العام 2005، في حين سجلت الإيداعات بالعملات الأجنبية نموا بنسبة 51.7 في المائة لتصل إلى 91.5 مليار ليرة سوري. كما ارتفعت ودائع الاستيراد بنسبة 18.7 في المائة لتصل إلى 88.6 مليار ليرة سوري، وذلك في نهايِة العام 2005. ويعزى ذلك إلى تفضيل المستثمرين لعملية الاحتفاظ بأموالهم على صورة أصول يمكن تحويلها بسهولها إلى نقد. وقد نمت أشباه النقود بنسبة 8.6 في المائة لتصل إلى 497.9 مليار ليرة سوري في العام 2005 مقابل 457.6 مليار ليرة في العام 2004. وبنهاية العام 2005، بلغ عرض النقد من فئة ((M2 1,185.4 مليار ليرة سوري مسجلة بذلك نموا سنويا نسبته 11.9 في المائة.

تدل أرقام الحسابات النقدية للعام 2006 (وحتى سبتمبر)، وفقا للمكتب السوري للإحصاء، على زيادة عدد السكان بنسبة 3.5 في المائة، وهي أقل بكثير عن معدل النمو في العام 2005 والبالغ نسبته 11.9 في المائة. وهو ما يعتبر نتيجة مباشرة لانخفاض صافي الأصول المحلية التي نمت بنسبة 3.3 في المائة فقط في العام 2006، في حين وصلت إلى 10.7 في المائة في العام 2005. وقد ظلت معدلات الفائدة على الودائع الإدخارية في حدود 3 في المائة و5 في المائة.

يتأثر النظام النقدي في سوريا سلبيا بغياب الأسواق المالية مثل أسواق النقد ورأس المال، وقد يفسر هذا أيضا سبب تشكيل عرض النقد من فئة ((M1 لمثل هذه النسبة العالية من عرض النقد الإجمالي. لذلك وجب تأسيس أسواق مالية متكاملة تتسم بالشفافية وهيئات رقابية على درجة عالية من الكفاءة تقدم كافة انواع الأدوات المالية للمستثمرين التي تناسب احتياجاتهم وحساباتهم للعائد المتوقع مقابل المخاطرة المحتملة وهو ما يؤدي إلى تحسين الأداء الاقتصادي.

منذ العام 2001 تسارعت الضغوط التضخمية ووصلت لذروتها في العام 2005. وقد أظهر مؤشر سعر المستهلك زيادة كبيرة في الأعوام 2003، 2004 و2005 حيث ازداد بنسب 4.8 في المائة، 4.6 في المائة و7.9 في المائة على التوالي. وعلى الرغم من الدعم ومحاولات السيطرة على الأسعار، إلا أن ذلك لم ينجح في منع التضخم من التأثير على أسعار السلع وخدمات المستهلكين السوريين.

ترجع الزيادة التضخمية في العام 2005 إلى الزيادة الكبيرة في أسعار إيجارات العقارات السورية بنسبة 20.9 في المائة خاصة في ظل الزيادة في الطلب على الأماكن السكنية بعد هجرة المواطنين العراقيين لسوريا. كذلك ساهمت الزيادة في الطلب على التعليم، الثقافة والاحتياجات الأخرى مثل العلاج والأدوية، النقل والاتصالات، الوقود والإنارة والمياه في زيادة مؤشر سعر المستهلك.

وخلال الأعوام 2001 إلى 2005، شهدت الأرقام القياسية لأسعار التعليم، الثقافة والإيجارات ارتفاعا حادا. حيث قفز مؤشر الأرقام القياسية لأسعار التعليم والثقافة ليرتفع بمعدل نمو سنوي مركب بلغت نسبته 13 في المائة، بارتفاعه من 101 في العام 2001 إلى 165 في نهاية العام 2005. أما المكون الرئيسي الآخر لهذا القطاع فكان عامل الإيجارات، والتي شهدت أيضاً ارتفاعا حادا بلغ معدل نموه السنوي المركب 12.5 في المائة خلال الفترة الممتدة بين الأعوام 2001 إلى 2005. وقد أخذت الإيجارات في سوريا في الارتفاع على نحو كبير جدا منذ هجرة العراقيين إلى كل من دمشق وعمان. والجدير بالذكر أن التدفق الذي شهدته عاصمتي سوريا والأردن، أدى إلى تزايد الطلب على تأجير المساكن ما أدى بدوره إلى ارتفاع الإيجارات ارتفاعا كبيرا، وهو ما كان سببا في ازدهار القطاع العقاري في سوريا.

شهدت بعض القطاعات الرئيسة الأخرى زيادة في مؤشرات أسعارها خلال الفترة من 2001 إلى 2005 بما فيها العلاج والأدوية، النقل والاتصالات، الوقود والإنارة والمياه. حيث شهدت نموا بنسب بلغت 7 في المائة، 6 في المائة و5 في المائة على التوالي. والجدير بالذكر أن الزيادة في الأسعار يمكن أن ترجع أيضا إلى زيادة عدد سكان سوريا، زيادة أسعار الواردات والزيادة في إنفاق المستهلكين.

إلى جانب الأسباب الأخرى، فإن العوامل الرئيسية وراء هذا التضخم المرتفع تتركز في عدم توافر الأدوات الاستثمارية التي تؤدي إلى السيولة المتزايدة التي تقود الضغوط التضخمية في الاقتصاد. هذا بالإضافة إلى انخفاض الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي الذي حفز المواطنين على استبدال الليرة السورية بالدولار الأمريكي خوفا من أن يحدث انخفاض أكثر للعملة المحلية فتصبح الواردات أكثر غلاء، كما ساعدت على زيادة المعروض من الليرة السورية في السوق.

ومستقبلا، نتوقع أن تقوم الحكومةَ السورية بتبني سياسة نقدية مبادرة من شأنها المساعدة على شفط الأموال الفائضة من النظام النقدي. وسوف تؤدي عوامل مثل تزايد الطلب المحلي بسبب قوة الاستهلاك وقلة الاستيراد -إلى حد ما- إلى استمرار ارتفاع معدل التضخم. إلا أن القوانين الجديدة للحكومة والتي تضمن استقلالية البنك المركزي السوري وتعهدها باستخدام أسعار الفائدة للحفاظ على التضخم في حدود ضيقة محددة مسبقا ستساعد على تخفيف الضغط المتزايد على التضخم.

الحساب الجاري
تابع العجز التجاري في سوريا اتجاهه التصاعدي ليبلغ 78.07 مليار ليرة سوري في العام 2005، مسجلا زيادة هائلة نسبتها 82.2 في المائة مقارنة بالعجز المسجل في العام السابق والبالغ 42.8 مليار ليرة سورية. ويعزى هذا الارتفاع إلى الزيادة في قاعدة الواردات السورية بنسبة 29.14 في المائة لتصل إلى 502.3 مليار ليرة سوري، في حين ارتفعت الصادرات بنسبة 22.5 في المائة لتبلغ 424.3 مليار ليرة سوري. وترجع الزيادة في الواردات بشكل رئيسي إلى ارتفاع تكلفة الصادرات، بالإضافة إلى التأثير المتزايد لحجم الواردات. كما شهدت البلاد انخفاضا في عائداتها من الصادرات على الرغم من ارتفاع أسعار النفط الخام والذي يشكل الجزء الأكبر من الصادرات. وشكل النفط ومنتجاته قرابة 31.62 في المائة من إجمالي عائدات الصادرات السورية. وفي العام 2005، تصدرت كل من إيطاليا، فرنسا، تركيا، إسبانيا والمملكة العربية السعودية قائمة اكبر الشركاء التجاريين للصادرات السورية. إذ استحوذت إيطاليا وحدها على ما يقارب 21 في المائة من إجمالي عائدات التصدير للبلاد. ويعتبر كل من القمح، النفط الخام والتبغ من أهم المنتجات التي تم تصديرها من سوريا في العام 2005. أما من حيث الواردات السورية في العام 2005 فتشتمل غالبيتها على الوقود، الآلات ووسائل النقل، الأجهزة والمعدات، المواد الكيماوية والمنتجات ذات العلاقة بها، الأغذية، الحيوانات الحية، المشروبات والتبغ. وفي العام 2005، كانت إيطاليا، ألمانيا، تركيا، فرنسا، الصين وبلجيكا على قائمة الشركاء التجاريين للواردات السورية.

وفي إطار تحرير الاقتصاد السوري، تم تخفيض عدد من الرسوم الجمركية، كما ألغيت القيود غير الجمركية وفق الاتفاقيات الدولية السارية حاليا، مثل اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. ومن ضمن الاتفاقيات تلك التي تم توقيعها في 1 يناير من العام 2005، دخلت اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية حيز التنفيذ وتم إلغاء الرسوم الجمركية بين سوريا وبين جميع الدول الأعضاء بالمنظمة. بينما وقعت سوريا أيضا على اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين تركيا وبدأت المفاوضات من أجل اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي. كما تأثرت التجارة الخارجية لسوريا سلبا إلى حد ما بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها أمريكا في العام 2004 والتي تم تمديدها لأجل غير محدد في مايو 2005.

وفي العام 2005، تراجع فائض الحساب الجاري بنسبة 48.32 ليصل إلى15.7 مليار ليرة سوري من 30.4 مليار ليرة سورية في العام 2004. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع الميزان السالب للبضائع، الخدمات والدخل والذي سجل 13.98 مليار ليرة سوري. غير أن الزيادة في تحويلات العاملين والبالغة 22.9 في المائة قد دعمت إلى حد ما ميزان الحساب الجاري. علما بأن ميزان الحساب الجاري قد تراجع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.5 في المائة في العام 2004 مقابل 3.5 في المائة في العام 2003.

بيت الاستثمار العالمي "جلوبل"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف