اقتصاد

الأسهم السعودية تتذيل قائمة 60 سوقا مالية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالحميد العمري من الرياض

تراجع ترتيب سوق الأسهم السعودية على مستوى أسواق المال العالمية إلى المركز الأخير (60) وذلك وفقا لتصنيف اتحاد البورصات العالمية لشهر أيار (مايو) الماضي الذي يراقب أداء وتطورات الأسواق المالية حول العالم. وجاء هذا المركز المتدني للسوق المحلية قياسا على النمو السنوي للمؤشر في الفترة من أيار (مايو) 2006 إلى الشهر نفسه من عام 2007.
في حين كانت السوق السعودية تحتل المرتبة 16 بنهاية عام 2005, ثم تراجعت عام 2006 إلى المركز 75 من بين 76 بورصة حول العالم, بانخفاض في المؤشر نسبته 54.3 في المائة.
وعلى مستوى القيمة الرأسمالية لسوق الأسهم السعودية تراجع مركز السوق المحلية من المرتبة 16 من بين 68 بورصة حول العالم بنهاية عام 2005 إلى المرتبة 24 بنهاية 2006 بخسائر رأسمالية فاقت 50 في المائة, وواصلت تراجعها في هذا الجانب إلى المرتبة 25 بنهاية أيار (مايو) 2007. ولا شك أن الهبوط القسري للسوق المالية المحلية لحقته آثار على عاتق الاقتصاد الكلي، بدأت تكشف عن وجهها وتحديدا فيما يتعلق بالدخل الحقيقي للأفراد المتاح للإنفاق. وتعيش سوق الأسهم المحلية حاليا حالة تذبذب شديدة تميل إلى التراجع في أغلب الأحيان.


في مايلي مزيداً من التفاصيل:


قصةٌ تُحكى ولا تُنسى
كم هو الفرق كبيرٌ جداً بين ما تُظهره بيانات وأرقام سوق الأسهم السعودية في منظورها العالمي اليوم، وبين بياناتها في المنظور نفسه في نهاية عام 2005؟! أليس البون شاسعا إلى حدود الذهول أن السوق المالية التي احتلت المرتبة السادسة عالمياً، بنمو مؤشر أسهمها أكثر من 103.7 في المائة على مستوى 76 بورصة حول العالم في عام 2005؟! هي ذاتها السوق المالية التي احتلت المرتبة قبل الأخيرة "المرتبة 75" بين 76 بورصة حول العالم بانخفاضٍ وصل إلى -54.3 في المائة. واليوم نشاهدها بمؤشرها المتراجع، تقف في السطر الأخير بين 60 سوقا حول العالم بخسارةٍ وصلت في نهاية أيار (مايو) 2007 إلى -33.1 في المائة! إنها قصةٌ تُحكى ولا تُنسى للسوق المالية التي تنازلت بقيمتها الرأسمالية الإجمالية عن المرتبة السادسة عشرة بين 68 سوقا حول العالم في نهاية 2005 بـ 646.1 مليار دولار أمريكي، لتتراجع في العام الذي يليه تماماً 2006 إلى المرتبة الرابعة والعشرين بخسارةٍ رأسمالية فاقت -50 في المائة، لتستقر عند 326.8 مليار دولار أمريكي، لتواصل تراجعها إلى المرتبة الخامسة والعشرين مع نهاية أيار (مايو) 2007 بقيمة رأسمالية إجمالية 313.0 مليار دولار، تخلل تلك الرحلة الأكثر مشقةً في عمر السوق المحلية طرح 26 شركة مساهمة بالتمام والكمال، بقيمةٍ رأسمالية مجتمعة عند الطرح ناهزت 5.0 مليار دولار أمريكي، استقطبت أكثر من 18.8 مليار دولار أمريكي، أي بنسبة تغطية فاقت 384 في المائة!
ما تقدّم أعلاه ليس تحليلاً بكل تأكيد، لا يتجاوز كونه قراءة مقارنة لما حدث في السوق المالية السعودية في أوسع دائرة ممكنة، لاستعياب ما حدث فيها، والوقوف من خلالها على أرضٍ صلبة تتيح لنا جميعاً دون استثناء إدراك أن سوقنا المالية مرّتْ بمنعطفٍ بالغ الصعوبة، وأن ما حدث سبقته إرهاصاتٌ ليس من السهولة بمكانٍ إخفاؤها، تطرقّتُ إليها في أكثر من مقال. أيضاً؛ لا شك أن ذلك الهبوط القسري والمروع للسوق المالية المحلية ستلحقه أو لحقته بمعنى أدق آثارٌ ثقيلة الوزن على عاتق الاقتصاد الكلي، بدأتْ تكشف عن وجهها القبيح في إطاراتٍ بالغة التعقيد، لعل أكثرها تعقيداً ما يمس الدخل الحقيقي المتاح للإنفاق بالنسبة للأفراد، الذي كما يبدو لم يكتف تهالك مصيرها في سوق الأسهم بثقل وطأته عليها، ليأتي التضخم في أسعار السلع والخدمات بعد غيبوبة طويلة الأمد، فأي حصارٍ هذا الذي يحاصر هذا "الراتب اليتيم"، أليست لياقته مهيأة للتلاشي بعد حين من الدهر قريب؟ أثر مطاردة الأقساط البنكية لهذا "الراتب"، والتي لا تكل ولا تمل حتى تستوفي نصيبها من أكتافه "غير الدسمة".

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها..

قديماً قالها شاعرنا الحكيم بمنطقٍ أدبي رفيع "ولرب نازلةٌٌَ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها، فرجت وكنت أظنها لا تفرج". واليوم أؤكدها هنا برؤية ممزوجةٌ بالاقتصاد وروح المال، السوق المالية السعودية ابتعدت كثيراً عن عواصف الخطر، وإن شهدت ربوعها بعض غبارها الأخير، واقتربت كثيراً من واحات الاستقرار والنماء الحقيقي المتئد الخطى. لقد زالت أغلب أورام التضخم في أسعار أصولها، ونضجتْ تماماً على موائد الاستثمار لمن أرادها له ولمستقبل مدخراته. ليس مبالغة على الإطلاق أن ننشد جميعاً هنا باطمئنان القلوب على مستقبل هذه السوق العملاقة، فعقلانية الأرقام والبيانات المالية المستنبطة من أعماقها تؤكد قبل ذلك أنها اليوم الأكثر جاذبية على مستوى أسواق العالم. وكما أننا قرأنا تلك الأرقام في إطارها العالمي عامي 2005 و2006، فإن قراءتها أيضاً في المنظور نفسه تكشف عن حقائق أخرى بالغة الأهمية، ويكفي أن نعلم أنها بمكرر ربحيتها الراهن تحتل المرتبة السادسة عشرة بين كل تلك الأسواق العالمية، التي تراوح مكررات ربحيتها بين 5.7 مكرر كأدنى رقم، و نحو 45.4 مكرر كأعلى رقم! هذا عدا الفرص الاستثمارية الواعدة التي تستوطن أغلب قطاعاته، على رأسها قطاعات البنوك، الصناعة، الأسمنت، الاتصالات، والتأمين.
أيها المستثمر الكريم؛ تتصاعد في أروقة الكيانات الاستثمارية العالمية وتائر السباق مع الزمن للمجيء إلى السوق المالية المحلية، منها ما حط رحاله، ومنها من سيكون قريباً جداً بيننا! اقتصادنا الوطني في قمّة زخمه، وسوقنا المالية بما أُدخل عليها من إصلاحاتٍ وتنظيماتٍ على يد هيئة السوق المالية في وقت وجيز، استغرقت عقوداً في أسواق أخرى، اقتربت بها كثيراً من مرحلة النضج بعد طفولةٍ تجاوزت عقدين من الزمن. ولأكون أكثر وضوحاً؛ إن عين المستثمرين "المؤسسات الاستثمارية العملاقة" في الخارج ترى في السوق المالية المحلية ما حجبته عن أعيننا في الداخل "أهوال" عام 2006، وأعاجيب ما مضى من عام 2007. إنهم يتطلعون إلى ما بعد 2007 بنظرة عقلانية متسلحة بواقعية الأرقام التي لا تكذب! وبيننا من ما زالت خسائره الفادحة يحجب ألمها ما يراه عياناً بياناً القادم من خلف الحدود؛ ولا يلام المرء منّا على ذلك، خاصةً وأننا فقط نحن السعوديين من اكتوى بنيران الانهيار ولا سوانا، ولكن هل تحمل تلك النظرة "النادمة" إلى الوراء حلاً أو حتى جزءاً منه؟! بالتأكيد الإجابة "لا". ليس هذا فحسب ما يدعوني إلى التفاؤل بالمستقبل القريب لانفراج "عقدة" السوق المالية المحلية، فهناك أسبابٌ أخرى أكثر وجاهة وأعظم تأثيراً تتقدم على ما سلف ذكره أعلاه، بل إنها تحديداً دون مبالغة تتقدم مرتكزات أولئك المتشوقين إلى دخول اقتصادنا وسوقنا من خارج الحدود. تتلخص تلك الأسباب في الفرص الواعدة التي تنتظر هذا الاقتصاد؛ على رأسها النتائج الإيجابية المرتقبة للإنفاق الاستثماري بصورةٍ غير مسبوقة على المشاريع الحيوية في العديد من القطاعات ذات الميزة التنافسية بالنسبة للاقتصاد السعودي، منها على سبيل المثال لا الحصر قطاعا البتروكيماويات والتعدين، والقطاع المالي بصورةٍ عامّة، ومجال الخدمات المالية بصفةٍ خاصة، وقطاع البناء والتشييد الذي تنتظره مهام ضخمة في المناطق الحضرية وداخل المدن الاقتصادية الجديدة، وقطاع النقل والخطوط الحديدية، وقطاع خدمات الإعلام والاتصال المتوقع نهوضها بصورةٍ أكبر تحت مظلة تطبيقات الحكومة الإلكترونية، هذا إضافة إلى التحول المرتقب في قطاع التعليم العالي، الذي يُنتظر أن تلتقي في أحضانه الموارد المالية الضخمة المحلية مع الكفاءات والخبرات الدولية القادمة من أعرق الجامعات العالمية. كل ما أُشير إليه سابقاً ليس إلا قطرةً في بحر الفرص الواعدة التي تنتظر هذا الاقتصاد المتوثب إلى الصعود، للخروج من مصفوفة الاقتصادات النامية، والدخول في ظلال العقدين القادمين إلى نادي الاقتصادات النابضة في العالم بمتانة قاعدته الإنتاجية. قد يُقال إن هذا كلامٌ صادر عن حالم في يقظته، يُمنّي النفس ويسليها جرّاء فداحة الخسائر الهائلة التي وقعت على أم رأسه! ويمكن أن يُقال غير ذلك الكثير والكثير مما لا يتفق مع الحديث "الحالم" أعلاه. لا ضرر في ذلك، فما حدث لنا ولسوقنا خلال الفترة 26 شباط (فبراير) 2006 إلى يومنا الراهن، وفي ظل عدم ظهور أية دلائل فعلية يمكن أن تّرى بالعين المجرّدة على أرض الواقع يبعث على البشرى، أعلم تمام العلم أن استقلال المرء بتفكيره عن وقع وتأثير "صدمة" محيطه، أمرٌ في غاية الصعوبة، ولكنه أمر غير مستحيل الحدوث! وفكرة تنفيذها أمرٌ في متناول اليد، فقط افصل "الفعل" عن "ردة الفعل"، ليس في مقدور أحدنا أن يُغير أو يوقف الفعل الأول، ولكن في مقدوره التحكم كلياً في استجابته وردة فعله.
هناك فرقٌ كبير بين الصورة الملتقطة للسوق في المنظور القصير وبين الأخرى في منظور الأجل الطويل! المؤشر العام للسوق اليوم "الأجل القصير" يتأثر لحظة بلحظة "سلبياً" بأثرين هما الأقوى والأثقل على كاهله؛ الأثر الأول: الآثار السلبية الناجمة عن عددٍ من المتغيرات التي طرأت على السوق في وقتٍ مضى؛ على رأسها توحيد توقيت التداول وفق موعده الراهن، الذي أثبتت التجربة السابقة "أكتوبر 2006- يونيو 2007" أن مجتمع المستثمرين من الأفراد صاحب الأكثرية في السوق بنسبة تفوق 90 في المائة، لم يستطيعوا التأقلم معه. أدّت وتؤدي تلك العوامل إلى تخفيض مستويات السيولة المدارة على تعاملاتها، انحدرت بها من فوق 25 مليار ريال إلى نحو ستة مليارات ريال اليوم، وجزء من هذه الصورة مبين في الجدول رقم (4) الذي يبين تراجع أحجامها خلال فترة الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2006 بأكثر من -47 في المائة! وهي نسبة كبيرة جداً إذا ما قورنتْ ببقية النسب المماثلة لبقية الأسواق العالمية "52 سوقا مالية". الأثر الآخر: ارتفاع صوت التوقعات المستقبلية السلبية فوق التوقعات الإيجابية، وذاك واضحٌ من الترقب الحذر لدى مجتمع المستثمرين الذي دائماً ما يسبق أية إدراجات للشركات المساهمة التي سبق طرحها للاكتتاب، أو إعلانات المالية ربع السنوية، فالغالب على تلك التوقعات أنها أقرب مسافةً إلى عدم التفاؤل منه إلى التفاؤل أو حتى حياديتها، ما يحدث أن أثر "أخبار" و"معلومات" المستقبل يتم إحضاره إلى تداول السوق اليوم بأضعاف جحمه الفعلي، والضغط عن طريقه على كاهل المؤشر العام للسوق.
ذلك باختصار واحد من أكثر الوجوه مشاهدةً في تعاملات السوق اليوم، فيما ستختلف النتيجة تماماً حينما يتم النظر إلى السوق ضمن دائرة أوسع، ومدى زمني أطول، أخذاً بالاعتبار كامل المتغيرات الاقتصادية والمالية والاستثمارية التي أشرتُ إلى جانبٍ منها أعلاه. وتلك النظرة التي يجب أن يعلو كعبها في السوق اليوم وغداً بالنسبة لمجتمع المستثمرين، ذلك إن أرادوا استعادة خسائرهم المفقودة بالدرجة الأولى، وتحقيق مصلحتهم ومصلحة السوق بالدرجة الثانية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف