اقتصاد

أزمة الغذاء والطاقة تلتف حول باكستان.. وتكاد تخنقها

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

اسلام اباد-علي مطر: تواجه باكستان هذه الايام نقصا حادا في الطاقة ويضاف اليه ارتفاع غير مسبوق باسعار المواد الاستهلاكية الاساسية وعدم توفر الدقيق والغذاء الاساسي للانسان العادي . فالبلد الذي يتم تسويقه على انه نمر اقتصادي بالمنطقة ويشهد احد اكبر معدلات النمو الاقتصادي السريع فيها يواجه هذ الايام اشد نقص في الكهرباء . التيار الكهربائي ينقطع لساعات طويلة ومجدولة على مدار اليوم بانحاء مدن باكستان وحتى بالعاصمة لدرجة ان باكستان اصبحت تنافس افغانستان في انقطاع التيار الكهربائي . وتواجه نقص الغاز والمواد الاستهلاكية مع ما يرافقها من ارتفاع مضطرد بالاسعار بشكل لولبي يتصاعد الى الاعلى وليس هناك من شيئ يعيده الى صوابه . الروبية الباكستانية نقصت مقابل الدولار بعد اغتيال بينظير بوتو وتدنت قيمتها امامه من 60 روبية للدولار الواحد الى 5ر62 روبية حاليا وهي الى تناقص قد يجعلها تصل الى 63 روبية بحلول موعد عرض الموازنة العامة في يونيو القادم .

انهيار العوائد الضريبة

وبالتزامن مع هذه الازمة فان الحكومة تواجه مشكلة اخرى بعد اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو واحداث العنف والتدمير والسلب التي اعقبتها - حيث استغل رجال العصابات موجة الغضب على اغتيالها ولبسوا لباس العنف السياسي ليسرقوا الشركات والبنوك ومن ثم يشعلوا النار فيها- المشكلة هي انهيار معدلات العوائد الضريبة لادنى مستوياتها وهو ما يضاعف الازمة ويضعف من قدرة البنك المركزي على دعم الروبية الباكستانية. فقد تسلم مكتب العوائد الضريبية المركزي مبلغ 4 بليون روبية حتى 31 ديسمبر 2007م مقابل 24 بليون روبية عن الفترة ذاتها من عام 2006 والتي تمتد من اول يوليو الى اخر ديسمبر. اعلن عن ذلك خاور خورشيد المتحدث الرسمي باسم المكتب والذي اشار الى ان الانخفاض كان اكثر في شهر ديسمبر 2007 والذي يعزى الى احداث العنف الاخيرة التي شهدتها البلاد.

نقص الجهد الكهربائي

تفيد التقارير الحكومية بان باكستان تواجه في الوقت الراهن نقصا في التيار الكهربائي يقدر بحوالي 2000 الى 3500 ميغا واط ونقصا قدره واحد بليون قدم مكعب من الغاز. يبلغ الانتاج الحالي من الكهرباء قرابة 7000 ميغا واط مقابل احتياج من الطاقة الكهربائية بقيمة 9000 ميغا واط في الساعات العادية وحوالي 000ر10 ميغا واط الى 500ر10 ميغا واط في ساعات الذروة. ويبلغ انتاج الغاز في الوقت الراهن 9ر2 بليون قدم مكعب مقابل احتياجات بقدر 4 بليون قدم مكعب. واكثر من يعانون من نقص الكهرباء والغاز هم المستهلكون الصناعيون والتجاريون في حين يواجه المستهلكون المنزليون الاثار السلبية لانقطاع التيار الكهربائي في ساعات مجدولة طويلة وتكون الازمة خانقة عندما تختلف اوقات قطع التيار بين سكان المنازل وبين مزوديهم بالخدمات المختلفة مثل الانترنت على سبيل المثال لا الحصر. كما انهم يعانون من نقص ضغط الغاز مما يقلل من التدفئة في هذا الجو القارس الذي شهد سقوط الثلوج للمرة الاولى منذ 28 عاما في باكستان بمدينتي اسلام اباد وراولبندي. باكستان ظلت تواجه نقص التيار الكهربائي صيفا وشتاء طوال السنوات السبع الماضية ولكنها ازدادت في هذا العام. ويعزى هذا النقص الى انه لم تقام مولدات طاقة جديدة ولم يتم انشاء سدود مائية اضافية لسد الثغرات الكثيرة في توليد الكهرباء بهذا البلد.
نقص الطاقة ادى الى اصابة قطاع الصناعة بالشلل تقريبا. فقد اضطر حوالى 300 معمل للنسيج الى اغلاق ابوابه بسبب نقص الطاقة بشكليها:- الكهرباء او الغاز وكل وحدة صناعية من هذه الوحدات تتوقع خسارة مالية قد تصل الى 10 مليون روبية شهريا بسبب النقص الحاد في توفير التيار الكهربائي والغاز. ومن المحتمل ان يخسر قطاع النسيج ما قيمته واحد بليون دولار من الصادرات في العام المالي الحالي بسبب ازمة الطاقة الراهنة. وهذا يعني ان الهدف الذي حددته الموازنة الباكستانية برفع قيمة الصادرات من قطاع النسيج الى 11 بليون دولار قد اصبح صعب المنال.
والحكومة تقف عاجزة عن تقديم الدعم لقطاع النسيج بسبب عدم توفر بدائل مناسبة للطاقة والنتيجة ان صناعة النسيج على حافة الانهيار ما لم تقم الحكومة الباكستانية بتقديم حلول مناسبة لنقص الطاقة.

احداث العنف والظلمة الداكنة

احداث العنف الاخيرة ساهمت في حدوث ازمة الطاقة وذلك لان المتظاهرين احتجاجا على اغتيال بوتو قد عمدوا الى مهاجمة محطات التزويد بالوقود في انحاء البلاد واحرقوا 34 منها في اقليم السند واقليم البنجاب وهو ما استدعى قيام الحكومة باللجوء الى فرض حظر على محطات الوقود وارغمتها على اغلاق ابوابها لمدة لا تقل عن ثلاثة ايام بينما قامت معظم هذه المحطات بغلق نفسها طواعية خشية من تعرضها لهجوم من المتظاهرين، واغلاقها لهذه المدة جعل محطات توليد الكهرباء في حالة يرثى لها لان لديها احتياطي من الوقود اللازم لتشغيلها يكفي لمدة يومين على الاكثر لذا فان تاخر وصول الوقود اليها لمدة اربعة او خمسة ايام في بعض الحالات قد عمل على التقليل من اداءها وبالتالي دخول البلاد في العتمة والظلمة الداكنة. المعضلة التي لم يتمكن واضعي السياسات الاقتصادية في باكستان من حلها هي ما كانوا يدركونه من البلد بحاجة الى الكهرباء والغاز بصورة متزيادة مع مرور كل عام ولكنهم احفقوا في ايجاد الحلول على الرغم من ان مؤشرات النمو الاقتصادي قد حافظت على ارتفاعها وتقدمها طوال السنين الخمس الماضية، وكانت النتيجة ان النمر الاقتصادي الجديد في منطقة جنوب اسيا قد سقط في الظلام الدامس ولم يعد يرى ما حوله.

ازمة الطاقة الباكستانية الى إزدياد

الكثيرون في باكستان انتقدوا قيام بينظير بوتو ابان حكومتها الثانية ( 93- 1996م ) بمنح شركات استثمار اجنبية رخصا لتوليد الطاقة في اطار القطاع الخاص ولو انها لم تفعل ذلك لكانت باكستان الان في ظلام كامل الا ان وجود هذه الشركات ادى الى تخفيف حدة مشكلة الطاقة التي تعاني منها باكستان حاليا. ويتوقع المراقبون الاقتصاديون ان باكستان ستواجه نقصا حادا في الوقود بنوعيه النفط والغاز في غضون العامين القادمين والتي من شانها ان تحد من النمو الاقتصادي لسنوات كثيرة قادمة. وطبقا للتقارير فان حاجة باكستان من الطاقة تتزايد بنسبة 7 % في كل عام.
ولدى تعليقه على ازمة الطاقة وقطع التيار الكهربائي فان مجيد عزيز رئيس غرفة تجارة وصناعة كراتشي قال ان ساعات قطع التيار الطويلة تؤثر سلبا على الانشطة الصناعية و التجارية وعلى الصناعات الرئيسية وعلى صغار التجار. وقال ان قطاع النسيج الذي يسهم بنصيب الاسد في قطاع الصادرات الباكستانية قد اصبح في حالة يرثى لها. بل انه قال انه لا يوجد هناك تحدي امام باكستان اكبر من التحدي الذي يشكله نقص الطاقة لان هذا النقص قد يؤدي الى ايقاف كل شيئ على نحو متزامن اذا لم يتم حله بصورة عاجلة. بعض الجهات الصناعية بدات تدرس امكانيات الاستفادة من طاقة الشمس باعتبار ان لدى باكستان مستويات عالية منها في معظم اشهر العام. وبعض اصحاب الوحدات الصناعية اخذوا يدرسون امكانيات توليد الطاقة التي يحتاجونها بانفسهم على ضوء الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الطاقة الكهربائية.
الاقتصاديون في باكستان يبنون امالا عراض على احتمالات توقيع اتفاقية مشروع الغاز الايراني - الباكستاني - الهندي والذي يمكن في حالة تنفيذه ان يزود الهند بـ 150 مليون متر مكعب من الغاز يوميا للهند و60 مليونا لباكستان. ويفيد الخبراء بان فاتورة استيراد النفط الباكستانية ازدادت بنسبة 7ر14 بالمائة في الشهور الخمس الاولى من السنة المالية الحالية التي تبدا من الاول من يوليو. فقد ازدادت قيمة واردات باكستان من النفط والمنتجات البترولية الى 768ر3 بليون دولار في الشهور الخمسة المنتهية في 30 نوفمبر مقارنة مع 284ر3 بليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي. ويتوقع الخبراء ان تستورد باكستان من البترول ومشتقاته بقيمة 8ر8 بليون دولار في العام المالي الحالي مقارنة مع 3ر7 بليون دولار في العام الماضي. كما ان مبيعات المواد البترولية التي تستخدم في انتاج الكهرباء قد ارتفعت بنسبة 9 بالمائة في بدايات العام المالي الحالي.

طاقة الرياح

احتياجات باكستان من الطاقة سترتفع بنسبة 48 بالمائة والى 80 مليون من المنتجات البترولية في عام 2010م وبدون ان يتم اتخاذ اي اجرءات فعلية لمواجهة المخاطر التي تشكلها هذه الاحتياجات كما ان الاعتماد على النفط المستورد من شانه ان يشكل ضغوطا على احتياطي العملات الصعبة لدى باكستان. يعتقد هؤلاء الخبراء ان باكستان بحاجة الى ان تتعلم من الاقتصاديات الكبيرة المجاورة لها اي الصين والهند واللتان تعملان على تنويع مصادر الطاقة وتحثان الخطى نحو العمل على توليد الطاقة من الرياح على سبيل المثال. حيث انه من المقرر ان تقوم الصين ببناء معامل لتوليد ما يزيد عن 5000 ميغاواط من طاقة الرياح. اما الهند فانها ستقيم بحلول عام 2010م معامل لانتاج 430ر1 ميغاواط من هذه الطاقة ومن المتوقع ان تضيف 5000 ميغاواط بحلول عام 2012م. باكستان بحاجة الى اقامة ما لا يقل عن عشرة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة وكذلك معامل تعتمد على الفحم لتوليد الطاقة وكذلك اخرى تستغل طاقة الرياح في السنوات العشر القادمة لتوليد قرابة 000ر20 ميغا واط من الكهرباء. ولكن مثل هذا الامر يتطلب استثمارات بقيم لا تقل عن بليون دولار في كل عام لبناء البنى التحتية وللحصول على التقنيات اللازمة لذلك.

الفساد هل له دور؟

لا تخلو باكستان من الفساد الذي لاحق الكثير من سياسييها واقطاعييها لدرجة ان 500 عائلة باكستانية هي المتنفذة في شؤون البلاد وهو امر كثر تواتره في الاحصائيات الدولية ولا يمكن استبعاده كسبب من اسباب ازمة الطاقة وغياب الامن الغذائي الذي اتضحت بعض امثلته الاخيرة من نقص الطحين من السوق الباكستانية والاسعار الباهظة للمواد الاستهلاكية الاخرى. سعر كيلوجرام الطحين الواحد كان في عهد حكومة نواز شريف الثانية ( 96- 1999م ) اقل من 6 روبيات اي واحد على عشرة من الدولار. اما قبل اعلان حالة الطوارئ في نوفمبر الماضي فانه اصبح 25 روبية اي اقل من نصف دولار بقليل ليصبح الان اكثر من خمسين روبية اي انه باضافة عشر روبيات اخرى يصبح دولارا كاملا والمفارقة ان باكستان منتجة للقمح.... ولكن وسائل الاعلام الباكستانية مليئة برفض الحزب الحاكم سابقا في باكستان والموالي للرئيس مشرف ترشيح رئيس الوزراء السابق شوكت عزيز لمقعد برلماني ما جعله يغادر باكستان بصمت الى لندن ومنها سيتوجه الى دافوس لحضور منتدى دافوس الاقتصادي بدعوة خاصة ومنها الى السعودية ومن ثم الى دبي لتاسيس شركة استثمارية خليجية تقوم بالاستثمار في مشاريع بدول العالم الثالث وفي مقدمتها باكستان. تشيع مصادر اعلامية انه تسبب قبل مغادرته في ازمة الطحين عندما قام في اواخر الصيف بتصدير كميات كبيرة منه رغما عن علمه بان ذلك سوف يسبب نقصا في السوق المحلية وقام بعد ذلك باستيراد كميات كبيرة من الطحين لسد النقص الحاد منه ولكن سعر الاستيراد كان مرتفع جدا مما جعله بعيد عن متناول الكثيرين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف