اقتصاد

مسؤولية الحكومات عن إنقاذ الأسواق المالية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

فضل بن سعد البوعينين
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه وسائل دفاعية ذاتية تساعده على مواجهة الأمراض، ومكافحة الجراثيم؛ ومع ذلك فلمضادات الجسم الذاتية مقدرة محدودة لا تستطيع تجاوزها، لذا يضطر الطبيب إلى إعطاء المريض مضادات حيوية لمواجهة بعض الأمراض، ثم ينتقل إلى العلاج الكيميائي أو أشعة الليزر في بعض الحالات الخطرة، وربما استدعى الأمر تدخلاً جراحياً عاجلاً.

الاقتصاد أيضاً يمتلك مضاداته الحيوية الذاتية، كجسم الإنسان، وهو قادر في الدورات الطبيعية، على تجاوز المتغيرات الطارئة والتكيف معها دون تدخل خارجي؛ أما في الأزمات الحادة، والكوارث فأمر التدخل الخارجي يصبح ملزماً، ولا جدال فيه، على أساس أن نصف الأضرار تتسبب بها الأزمة، والنصف الآخر يحدث نتيجة هلع المستثمرين والمودعين.

بعد تفاقم أزمة الرهن العقاري وتسببها في كوارث شاملة تحسر بعض المسؤولين الأمريكيين على تفويتهم فرصة التدخل التي كانت سانحة لهم مطلع العام 2007 وعارضها بعض خبراء الاقتصاد النظريين أو ربما (المستنفعين). (لو) أن السلطات المالية الأمريكية تدخلت لتطويق الأزمة منذ ظهور بوادرها الأولى لكانت في مأمن من إفلاس غالبية البنوك وشركات التأمين واضطرارها دفع 700 مليار لمنع انهيار الاقتصاد.

لن أتعمق في شرح التفاصيل، ولكن أحاول أن أقتطع ما يمكن أن يستفاد منه محلياً، وما يمكن أن يكون حجة لمؤيدي التدخل الحكومي على معارضيه.

حذر المستثمر الأمريكي ذائع الصيت (وارن بوفيت) المشرعين الأمريكيين من أنه في حال عدم التوصل لاتفاق حول خطة الإنقاذ المقترحة، فإن الأمة ستواجه (أكبر انهيار مالي في تاريخ أمريكا). في الجانب الحكومي دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش ومرشحي الرئاسة الأميركية (باراك أوباما) و(جون ماكين) أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت لصالح الخطة.

أكد ماكين على خطورة الوضع، وقال: (إذا فشل مشروع قانون الإنقاذ المالي في الكونجرس ثانية فإن الأزمة الحالية ستتحول إلى كارثة). أما أوباما فأكد أنه (بدون تحرك من الكونجرس لإنقاذ وول ستريت فستفقد ملايين الوظائف وتسقط البلاد في ركود طويل ومؤلم). التحليل الاقتصادي الواقعي، الضغط السياسي، الشحن الإعلامي، وتجربة الإنهيار القاسية أدو إلى إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي خطة إنقاذ المصارف البالغة قيمتها 700 مليار دولار لتثبيت القطاع المالي في الولايات المتحدة. المرشح الديمقراطي باراك أوباما أعلن أن الأزمة المالية (ليست فقط أزمة وول ستريت بل أزمة أمريكية)؛ ونقول إنها أزمة عالمية فجرتها السياسة المالية الأمريكية غير المسؤولة.

رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو دعا إلى (تعاون أوثق) بين الحكومات الأوروبية لمواجهة الأزمة المالية على أساس أنه السبيل الوحيد لإعادة الثقة إلى الأسواق. أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فقد وجه انتقادات حادة إلى النظام الرأسمالي العالمي، وتعهد بحماية اقتصاد بلاده من تبعات الأمة المالية في الولايات المتحدة، وهو تعهد حكومي مباشر بالتدخل من أجل حماية الاقتصاد من تبعات الأزمة الأمريكية. الرئيس ساركوزي دعا إلى عقد قمة رباعية اليوم السبت مخصصة لمناقشة الأزمة المالية وتنسيق الجهود لحماية أموال المودعين.

على مستوى البنوك المركزية، اتخذت البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة خطوات منسقة فيما بينها لتزويد البنوك بقروض لغرض تأمين السيولة النقدية في النظام البنكي. الحال نفسه انطبق على الصين، روسيا، اليابان التي تدخلت لدعم أسواقها المالية.

وبعد، فهل من الأجدى لسلطاتنا المالية المحلية التدخل لحماية السوق المالية من تبعات الأزمة الأمريكية، أم أن الأمر ما زال تحت السيطرة!!، ولا خوف من انعكاسات الأزمة الأمريكية التي أرعبت وهزت جميع الأسواق العالمية؟!!.

باختصار شديد، لا مناص من التدخل المباشر لحماية الاقتصاد والسوق المالية، والبحث الجدي عن مخرج آمن يحفظ أموال المستثمرين ويضمن الاستقرار للأسواق المحلية. الحكومة مسؤولة عن حماية أسواقها من تبعات الأزمات الحادة، وإعادة الثقة للمستثمرين؛ وكل من يقول عكس ذلك أنصحه بمراجعة تحركات رؤساء، وزراء، خبراء المال والاقتصاد، وبرلمانات الدول الأوروبية، الأمريكية، والآسيوية في تعاملهم مع الأزمة المالية الأمريكية. لا يمكن أن يكونوا هم المخطئين، وفيهم العباقرة المجربون، في الوقت الذي نجزم فيه بصحة موقفنا الذي نعتقد فيه بسلامة سوقنا المالية، وقدرتها على مواجهة الأزمة العالمية دون تدخل!!.

سوق الأسهم بلغت الحضيض، وتبخرت فيها أموال المستثمرين دون سبب مباشر منهم، لذا لا مناص من دعم السوق وحمايتها من شظايا الأزمة الأمريكية التي توشك أن تنهي ما تبقى من سوق الأسهم السعودية.

القطاع المصرفي السعودي

مهما قيل عن الأزمة الأمريكية وتداعياتها على مستوى بنوك العالم، أجزم بأن البنوك السعودية ما زالت في مأمن من مخاطر التعثر العالمية، يدعمها في ذلك ملاءتها المالية العالية، جودة قروضها المحلية، ورقابة مؤسسة النقد العربي السعودي المحيطة بأدق التفاصيل. قد تكون هناك خسائر في استثماراتها في السوق الأمريكية، إلا أنها تبقى قوية، وآمنة بإذن الله، وربما كانت الملاذ الأخير لودائع السعوديين المربوطة في الخارج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف