الرأسمالية واقتصاديات السوق... تاريخ الطفرات والعثرات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد حامد - إيلاف : عرفت الرأسمالية فترات طويلة من النمو متبوعة بفترات من الانهيار والأزمات المالية الخانقة، ويحمل عام 2008 كل تلك المؤشرات الدالة على مثل هذه الأزمة المالية، ومن اللافت أن سيناريو الصعود والهبوط يتكرر بالصورة ذاتها، على الرغم من إختلاف العصور والمقومات الاقتصادية والظروف السياسية لكل عصر، ولكنها حركة التاريخ التي تكرر نفسها حتى في المجال الاقتصادي، فقد كانت الطفرة الأولى في بداية القرن الماضي ثم ظهر الانهيار في عام 1929، وجاءت فترة الصعود الثانية عام 1933 حتى عام 1973 ثم فترة السقوط الثانية من عام 1973 حتى عام 1979، ومنذ ذلك العام حتى العام الحالي 2008 شهج العالم ازدهار اقتصاديات السوق في عصر العولمة، ولكن الأيام الماضية حملت معها رياح الهزة العالمية الثالثة، التي لا نستطيع سوى أن نضعها هكذا بين قوسين (2008 - ؟) .
المرحلة الأولى: 1899 - 1929
رأسمالية الحداثة
في عام 1899 كان الاقتصاد يعتمد على قوى الحصان والرياح والبخار، وبحلول عام 1929 بدأ العصر الحديث. وعلى مدار 30 عامًا، ظهرت العديد من الآلات مثل السيارة والطائرة والراديو وناطحات السحاب وعدد كبير من الأجهزة الكهربائية المنزلية التي مثلت ثورة في الإنتاج الصناعي. فقد انطلقت الحداثة، وعلى الرغم أنه منذ 1914 كانت أوروبا تعيش في مستنقع الحرب العالمية الأولى وحالة الركود الاقتصادي الناتجة عنها، فقد شاركت انكلترا في عملية النمو المبكر الذي ظهر في زئير أميركا في العقد الثالث من القرن العشرين. حيث أن الدولار حل محل الجنيه الإسترليني الذي انهار بشكل خطر قبل أن تظهر الصورة المبهرة التكنولوجية والصناعية والمالية لأميركا.
صوت الزمن المعبر آنذاك : جاتسباي العظيم، وهي الرواية التي كتبها إف سكوت فيتسجيرالد في عصر موسيقى الجاز عام 1925،وهي حقبة أميركية قصيرة من الازدهار ثم التدهور. حيث كانت فصول الرواية تعبر عن التغير الذي يحدث في المجتمع. فالغني يزداد غنى والفقير يزداد أطفالاً وأعباء.
مرحلة الهزة الأولى : 1929 - 1933
الكساد الاقتصادي الشديد
وقع وول ستريت في مأزق كبير، حيث كانت هناك حماسة بأن الازدهار لن ينتهي وأن أسعار الأسهم لن تهبط. وقد ارتفعت معدلات الديون والتجارة الهامشية ( شراء الأسهم بأموال مقترضة) إلى معدلات مذهلة حيث كان هناك طلب متزايد وثقة أكثر. ولكن جزئيًا بسبب الركود، لم تستطع أوروبا أن تدفع فواتيرها الدولية من الذهب الذي كان عنصر الثبات للنظام المالي وبسبب أن البنوك قد توسعت، فقد تحول التفاؤل فجأة إلى قلق ثم إلى فزع. لقد بيعت الأصول، وقام المودعون بتخزين نقودهم، وتعثرت البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا وتساقطت بسرعة. وقد كانت تلك هي بداية الأزمات الائتمانية. فقد سقطت الولايات المتحدة في الكساد الاقتصادي وكذلك أوروبا. أما بريطانيا فقد تخلت عن المعيار الذهبي وأطلقت النظام الملكي المفضل للتعريفة التجارية للدول في الإمبراطورية البريطانية.
صوت الزمن المعبر كان : عناقيد الغضب... تلك كانت الرواية الكلاسيكية التي ألفها جون شتاينبك ونشرها عام 1939، حيث سجل فيها مأساة الطبقة العاملة في منطقة الغرب الأوسط الأميركي أثناء فترة الكساد الاقتصادي. حيث قال فيها إن البنوك أعظم من الإنسان فالإنسان صنعها ولكنه لا يستطيع التحكم فيها.
المرحلة الثانية: 1933 - 1973
الرأسمالية الموجهة
إنه أول انتعاش من السقوط ثم الحرب ثم إعادة البناء بعد الحرب الذي أجبر الدولة أن يكون لها يد قوية على الاقتصاد الرأسمالي. وكان النظام المالي في أوروبا وأميركا منظمًا بعناية والتمويلات موجهة إلى الصناعة. وكانت التجارات تديرها التعريفات الجمركية. وقد وجه المخططون الحكوميون التمويلات التي يجمعونها من دافعي الضرائب لبناء البنية التحتية. وكانت الصناعات تديرها الهيئات الحكومية.
كما زادت الحكومات الطلب من خلال تخفيض أسعار الفائدة بفاعلية وتضخيم العجز المالي لديها. وقد تم التحكم في التضخم بسياسات الأسعار والدخل. وأثناء الخمسينات والستينات من القرن العشرين كان هناك ازدهار كبير في كل من أوروبا وأميركا حيث نمت الأسواق التي تحتوي على البضائع الاستهلاكية.
صوت ذلك الزمن: هارولد ماكميلان ...... كان ماكميلان من المحافظين خلال الفترة من 1957 إلى 1963 ، حيث قال في أحد خطاباته: حقا دعونا نكون صرحاء، فإن أغلب شعبنا لم يعش مثل هذا الازدهار من قبل. دعونا نجوب الدولة ونذهب إلى المدن الصناعية والمزارع وسوف نرى ازدهارا لم نشهده من قبل طوال حياتنا ولا حتى على مدار تاريخ الولايات المتحدة.
مرحلة الهزة الثانية: 1973 - 1979
الأصول النفطية والتضخم الاقتصادي
خلق الانتعاش الاقتصادي الأوروبي قوة اقتصادية تتحدى الولايات المتحدة وطلب متزايد على المواد الخام. وفي عام 1973 أصبحت الولايات المتحدة غير قادرة على دعم عملية التحول من الدولارات إلى الذهب كما استغلت الدول العربية النقص العالمي في النفط وضاعفت أسعاره، وقد سقط العالم في الركود الاقتصادي والتضخم المالي. وضعف النظام المالي العالمي. واضطرت بريطانيا إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي في عام 1976 وساد شتاء كئيب خلال عام 1978 - 1979. ولم يعد للرأسمالية أي نفع في حينها. وكانت هناك حاجة شديدة إلى قواعد جديدة، والتي قدمها الرئيس الأميركي رونالد ريجان ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر.
صوت ذلك الزمن: عنوان في جريدة الصن يقول: " أزمة؟ يا لها أزمة؟"
لقد كانت الكلمات السيئة هي من إبداع كاتب عناوين جريدة الصن،وليست كلمات رئيس الوزراء من حزب العمال جيم كولاجان. فقد كان التلخيص الواقعي للوضع عند عودته من مؤتمر اقتصادي يقول: لا أعتقد أن الشعوب الأخرى في العالم تشاركني الرأي بأن هناك فوضى سوف تتزايد.
المرحلة الثالثة: 1979 - 2008
الازدهار والعولمة
اتفق كل من رونالد ريجان ومارجريت تاتشر على إزالة القيود التي وضعت في الطريق خلال أربعين عاما.فقد تم تحجم قوة الإتحاد، كما أن المشاريع التي تمتلكها الدولة قد تم تخصيصها، وتم تحطيم سياسات الأسعار والدخل، وتم تخفيض معدلات الضرائب المرتفعة وتم تفكيك النظام المالي. وبعد عام 1989 بدأ معدل تجارة السوق يتسارع. وقد جعل انهيار الإتحاد السوفيتي العالم الرأسمالي يعتقد بشكل كبير أنه بعيد عن طريق الخطأ ، كما كان يبدو في عام 1933، فقد كان نصرا للعالم الرأسمالي كما كان يظن. وبدأت الدول في جميع أنحاء العالم في تبني الرأسمالية الديمقراطية كنموذج لها من أجل فتح اقتصادياتها وولدت العولمة. وقد ساعدت التكنولوجيا الجديدة الوليدة على سهولة الاتصال بين أجزاء العالم مثل الإنترنت والهاتف الجوال والكمبيوتر الشخصي مما أدى إلى حدوث تحولات في القدرات الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن التغير الأسرع كان في المجال المالي ، حيث نمت التدفقات المالية والأعمال التجارية التي تحررت من القيود. وتعاظمت الأسواق المالية. وكما حدث في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد زادت الديون والنفوذ والفساد والتلاعب بالأسواق والتجارة الهامشية إلى مستويات غير عادية. وبحلول عام 2007، بدأ يظهر أن الازدهار لن ينتهي.
صوت الزمن: غوردون جيكو....... وهو الشخصية الرئيسية في فيلم " وول ستريت" لـ أوليفر ستون عام 1987.. حيث جاء على لسانه في الفيلم: إن النقطة الحاسمة سيداتي وسادتي هي الطمع. فالطمع يؤثر في كل شيء و يوجد في كل شيء، الطمع في الحياة، الطمع في المال، الطمع في الحب، الطمع في المعرفة، كل ذلك قد أثر على الزحف المتصاعد للجنس البشري.
الانهيار الثالث: 2008 - ؟
النظام المالي العالمي ينصهر
حيث أن نقص التنظيم الفعال، وتراكم الديون، وقلة رأس المال، وطغيان الجشع والفساد، كل تلك العوامل تتجمع معا من أجل إحداث سلسلة من ردود الأفعال بين بنوك العالم. فهل من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه؟ يبدو أننا سنرى مرة ثانية الركود الاقتصادي، ثم فترة من الرأسمالية المقيدة. فالتاريخ يعيد نفسه بشكل واضح لا يقبل الجدل .
صوت الزمن المعبر : جورج دبليو بوش... حيث كان حاضرًا في الكونغرس الشهر الماضي من أجل حثه على الموافقة على تقديم دعم من دافعي الضرائب يقدر بحوالى 700 مليار دولار أميركي. حيث قال: إذا لم تتم الموافقة على منح الحكومة هذا الدعم المالي، فإن الاقتصاد الأميركي سوف ينهار، وقد تمت الموافقة على خطة الإنقاذ، ولكنها ليست ضامنة لحماية الولايات المتحدة والعالم من الإنهيار المالي والإقتصادي .
المصدر : صحيفة الغاريان البريطانية .