اقتصاد

عملة جديدة في قمة العشرين .... ممكن ؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

د. علي دقاق : عملة جديدة في قمة العشرين .... ممكن ؟
انتهت اجتماعات قمة مجموعة العشرين السبت 15 نوفمبر 2008 في واشنطن بالولايات المتحدة على مستوى الرؤساء والملوك بعد أن تم التحضير لهذه القمة في ساباولو بالبرازيل على مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية .


ما نريد هو أن نقف و القارئ العزيز من جديد حول كيف بدئ الاجتماع والذي يمكن تصوره 19 طرف مقابل طرف واحد و على حجم المشكلة خاصة والتي تدرجت كما هو معروف من كونها مشكلة إخفاقات الرهن العقاري ومشتقاته وتطورت لتصبح أزمة ائتمان أثرت في النظام المصرفي الذي زاد من الذعر العالمي كون النظام المصرفي يعتبر الممر نحو الاقتصاد الحقيقي لتصبح من أزمة ائتمان إلى مشكلة اقتصادية بدأت تطال جميع القطاعات بدون استثناء وهذا البعد للمشكلة لم يكن خافيا خاصة بعد اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي wef في دبي من 7ـ 9 نوفمبر 2008 والذي حضره أكثر من 700 متخصص من 60 دولة وطرح خلال الثلاث أيام في هذا الاجتماع ما يزيد عن 68 موضوعا للنقاش وكل موضوع كان في حد ذاته يمثل مشكلة لقطاع معين بدءا من الأزمة المالية وأزمة السيولة مرورا بالخدمات الصحية والطبية والنقل وانتهاء بأزمة الغذاء والإنترنت والتعليم. وأيضا ما أضافه الاجتماع التحضيري في البرازيل من فقرات ومطالبات وهذا يوضح بشكل جلي وصول المشكلة إلى الاقتصاد الحقيقي بجميع قطاعاته والذي تمثله معادلة الدخل أو الإنتاج المحلي الإجمالي ( GDP) .
انتهى اجتماع واشنطن ببيان ختامي عام وعائم ولكن مليء بالآمال العظام من ثمان صفحات ضمت سبع وأربعون فقرة أو عنصر تقرر وضعها داخل خطة تحريك سريع وحدد لها موعد قبل نهاية أبريل 2009 وأصبحت من مهام وزراء المالية وربما بعض محافظي البنوك المركزية ورئسي البنك وصندوق النقد الدوليان ومن ثم طرحها غالبا لموافقة رؤساء الدول في اجتماعهم المقرر نهاية أبريل 2009 ولكن بإدارة أمريكية جديدة .


ولا يقل أهمية عن ماتضمنه البيان الختامي من سبع وأربعون فقرة من العموميات هو إدراك المجتمعون بواشنطن مدى الترابط المتنامي والمتزايد للنظام المالي العالمي وأيضا ما قد يترتب على هذا الترابط من مسؤوليات عظام تجعل من أي تأخير في خطط التحريك تكلفة إضافية تتحملها الدول والشعوب خاصة تلك التي ليس لها ناقة ولا جمل في جذور وأسباب المشكلة


تجاهل اجتماع واشنطن العديد من الموضوعات الساخنة خاصة تلك المتعلقة بمركزية السياسات النقدية العالمية والتي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الارتباط ألعنكبوتي بالدولار وبالتالي السياسات النقدية الأمريكية. هناك العديد من المطالبات بإعادة صياغة شروط مؤتمر برتن وود والذي منح الولايات المتحدة الأمريكية السلطة والقوة والمركزية, وبسبب الإهمال و الاستهتار من قبل السلطات النقدية والمالية الأمريكية والتي تسبب في خلق هذه المشكلة وتصديرها إلى العالم خارج حدودها وما نتج عنها من إنهاك وتدهور وفي بعض الأحيان إفلاسات لدول أخرى خارج الولايات المتحدة ومن خلال المؤتمر التحضيري في ساو باولو بالبرازيل تعاظمت الجهود المطالبة بتخفيض وتحييد السلطات والممارسات النقدية الممنوحة للولايات المتحدة مما يعني غالبا تغيير الشروط الأساسية التي بني عليها صياغة النظام المالي العالمي أو صياغة شروط أكثر صرامة ونلمس ذلك من مطالبات المجموعة الأوربية ودول مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل إضافة إلى الورقة المطروحة من قبل دول مجلس التعاون بان يكون لهم دور في صياغة نظام مالي جديد و / أو نظام مالي بديل مايعني المساعدة النقدية لكن بشروط !!!! التحضير لمثل هذه المطالبات لم ينجح بالشكل المطلوب بسبب موقف الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي بدئ سياسيا ونجح في تحويل المشكلة إلى الإدارة الأمريكية المقبلة " أوبامانمكس " أو اقتصاديات أوباما الرئيس الأمريكي المنتخب .


تم رفض اقتراح الاتحاد الأوربي المطالب بشروط أكثر صرامة بحجة إمكانية التأثير على الاقتصاد الحر واقتصاديات السوق والتجارة العالمية وأيضا تم تحويل الاقتراح البريطاني المطالب بالتنسيق بين مجموعة العشرين لتقوم كل دولة منفردة بالالتزام بضخ مبالغ معينة ومحددة لتحريك اقتصادها ليصب ذلك في مصلحة الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية خاصة وأن أخر الإحصائيات تشير إلى انخفاض كبير في معدل الاستهلاك والذي بحد ذاته يمثل 76% من معادلة الدخل في الدول المتقدمة ويزيد عن 80% في الدول النامية وهذا يعتبر مؤشر خطير خاصة في دوله مثل الولايات المتحدة أو الصين أو الإتحاد الأوروبي لما يمثله من انعكاسات غير مريحة في معادلة الاستيراد والتصدير وانسياب التجارة العالمية ويؤكد ذلك الانخفاضات المتتالية لأسعار النفط بسبب انخفاض الطلب وتأثيراتها على تصدير البتر وكيماويات التي تمثل منطقة الخليج منه 13% مما سيكون تأثيراته على مدخولات الدول المنتجة والمصدرة للنفط و البتر وكيماويات مثل أوبك وخاصة في دول الخليج مما قد يضيف لقطاع الصناعات التحويلية في العالم مشكلة أخرى لتستمر التأثيرات على شكل سلسلة قد تطال كل القطاعات المنتجة وخاصة الخدماتية مثل البنوك وشركات التأمين والنقل خاصة البحري تزيد من مشاكل البطالة ونقص الدخول المتولدة وتدني مستويات الادخار .


ذيل الاقتراح البريطاني بعبارة " متى دعت الحاجة لذلك " وبرفض الاقتراحين بدئ الاجتماع وكأن الولايات المتحدة في طرف وتسعة عشر دولة أخرى في طرف آخر مما بدى معه القرار الحقيقي هو تأجيل الموضوع حتى تبدأ الإدارة الأمريكية الجديدة مهامها لندخل في مرحلة جديدة من عدم التأكد والضبابية والتي علق عليها بعض القادة بالتحذير من النيل من نظام التجارة العالمي وتقليص فرص الانفتاح العولمي .
الباب أصبح مفتوحا على مصراعيه أما وزراء مالية مجموعة العشرين لاختبار بدائل جديدة تتسم بعدم المركزية في قرارات السياسات النقدية حيث وكما هو ملاحظ أن التخفيضات المتتالية لأسعار الفائدة ( التي تمثل آلية النظام الرأس مالي ) لم تجد نفعا لتحفيز الاستثمار خاصة وأننا نشعر بان نظرية الاستثمار والادخار وبسبب السياسات النقدية المتعجرفة للولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا قد قلبت هذه النظرية رأسا على عقب . ويؤكد ذلك وصول مستوى الادخار الشخصي في الولايات المتحدة إلى مستوى الصفر خاصة وأنها وجهت لاستثمارات غير منتجة .
إن مطالبات الدول المتقدمة لباقي مجموعة العشرين من الدول الناشئة بدعم صندوق النقد الدولي بالأموال كما بدت في رأي الشخصي لن تمر بدون إن يكون لهذه الدول في مجموعة العشرين خاصة الصين وروسيا والهند والبرازيل ودول مجلس التعاون والتي تمثلها السعودية في هذا الاجتماع دور في صياغة السياسات النقدية والمالية العالمية بما يضمن تحقيق مسيرة متوازنة للاقتصاد العالمي ومسيرة متوازنة للتدفقات النقدية عبر العالم وبما يضمن مزيدا من الشفافية وعدم مركزية في القرار النقدي إضافة إلى متابعة ومراقبة تطبيق السياسات المذكورة .


المشكلة الأخرى والمهمة وهي سيطرة الدولار على نسبة كبيرة من التعاملات الاقتصادية فمثلا 85 % من الأسهم العالمية وغيرها م الأوراق المالية مقومة بالدولار و 55% من التجارة العالمية مقومة بالدولار وأخيرا يمثل الاقتصاد الأمريكي بعملته ألدولاريه أكثر من 30 % من حجم الاقتصاد العالمي.
تكمن المشكلة في الضعف الحقيقي للدولار كعملة رائدة فلا يمكن أن يقاد الاقتصاد العالمي بعملة لدولة مدينة بأكثر من إمكانياتها فقد انعكس الوضع من صالح الولايات منذ عام 1944م ( اتفاقية برتن وود ) إلى عام 1971م " عندما أقفلت نافذة الذهب " لتبدأ مرحلة المديونية في الولايات المتحدة والتذبذبات الاقتصادية وتوالي الأيام السوداء . فهناك مطالبات حقيقة للنظر في عمله رائده وقائدة جديدة ومرجعية مطروحة للنقاش قد تكون من الصين أو تكتلات جديدة في الشرق أو الغرب ولا نتكلم هنأ عن اليورو كون اليورو لا يختلف وضعه عن الدولار فكلاهما لا يملك دعما وعندما نتحدث عن عمله جديدة من تكتلات اقتصادية لابد من الإشارة إلى العملة الخليجية الموحدة والتي قد تكون من ضمن العملات المرجعية خاصة وأن دول الخليج تملك السيولة والطاقة مما يخفف من وطأة الأزمة المالية وتكاليف مواجهتها ويزيد من قوتها التفاوضية.


هناك العديد من التكتلات التي لم تفعل كعملة أو لم تنتهي بعملة موحدة إلى الآن مثل تكتل النافتا nafta ( والذي يضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ) وهناك تكتل الآسيان بجنوب شرق آسيا وهناك تكتل دول مجلس التعاون الخليجي ولا نستبعد أن يتولد تكتل جديد بين دول البركس ( روسيا والصين والهند والبرازيل ) أو تكتل جديد يجمع دول مجلس التعاون مع دول البركس خاصة وان الطلبات بنظام مالي جديد جادة وحقيقية فيما يبدو .
أخبرا برغم من الاتهامات الموجهة للدول المنتجة والمصدرة للنفط وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي والتي تملك السيولة والطاقة بان طلباتها دائما ذات طابع سياسي واجتماعي إلا أن هذه المرة الصورة مختلفة تماما خاصة بعد اجتماع الرياض الذي جمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون والذي ركزت مخرجاته على متطلبات اقتصادية واضحة .ويؤكد ذلك انضمام المملكة إلى الدعوات المطالبة بإشراف اكبر على الأسواق المالية والدعوة إلى قواعد تنظيمية أفضل تمكن صندوق النقد الدولي من مراقبة اقتصاديات الدول الصناعية التي صدرت الأزمة إضافة إلى المطالبة بإشراف اكبر على البنوك في الغرب وتوزيع مسؤولية السياسة النقدية العالمية بإخراجها من مركزيتها من الولايات المتحدة ولندع الاقتصاد الحر ونظام السوق يعمل بشكله الحقيقي ويكون في خدمة الجميع وليس لصفوة أو مجموعات ضغط محددة .


أخيرا نقول أن الفقرات العامة والآمال العريضة التي خرج بها بيان اجتماع قمة العشرين ( G-20 ) أضافت عبئا جديدا لقائمة الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما الذي قال " اجتماع مجموعة العشرين كان فكرة جيدة ولكن ترجمة العموميات والعبارات الواسعة والمطاطة إلى عمل محدد سيكون صعبا "
والله الموفق...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف