لبنان يخسر معركة اصلاح قطاع الكهرباء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت: تشكو فؤادة حاوي وهي تمسك بشمعة في يدها من انقطاع الكهرباء نحو عشر ساعات يوميا بسبب مرفق الكهرباء المتداعي في لبنان.
وقالت "انه أمر غير محتمل... لا أحد لديه المال لشراء وقود للمولدات لذلك نعيش على ضوء الشموع. يجب ان نتكيف مع كل شيء في هذا البلد نعمل ونصبر لكن شيئا لا يتغير."
وتواجه العديد من الدول النامية مشكلات تتعلق بالكهرباء لكن مشاكل لبنان تتجاوز مجرد الاعطال الفنية فقد أشار تقرير للبنك الدولي هذا العام الى الفساد والمصالح الخاصة.
وقال إن مشكلات قطاع الكهرباء معتادة في الدول التي بها "العديد من المنتفعين من الاعطال في الوضع الراهن... تتراوح من الفساد في تدفقات المدفوعات او المشتريات الى شراء أصوات الناخبين بكهرباء مجانية والتربح من انقطاع الكهرباء."
وتقيم حاوي (33 عاما) مع زوجها وطفلها جنوبي بيروت حيث تنقطع الكهرباء ثلاث ساعات يوميا فقط لدى السكان الاكثر حظا منذ نحو عامين.
وتحول الغضب من انقطاع الكهرباء الى عنف في يناير كانون الثاني عندما قتلت قوات الجيش ثمانية متظاهرين في الضواحي الجنوبية التي تقطنها اغلبية شيعية مما أشعل اضطرابات سياسية اوسع نطاقا.
وهدأت التوترات منذ أن توصلت الفصائل المتناحرة الى اتفاق بشأن حكومة وحدة وطنية في مايو أيار لكن الاستياء المزمن المتعلق بقطاع الكهرباء لم يحل.
والسحب من المال العام ليس سهلا فيقول صندوق النقد الدولي ان الدعم تكلف ما يعادل اربعة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي.
وأقام لبنان محطتين لتوليد الكهرباء تعملان بالغاز الطبيعي في عام 1996 لكنه مازال يفتقر لامدادات الغاز ويديرهما بالديزل المرتفع الثمن. والمولدات القديمة تستخدم زيت الوقود الاغلى ثمنا.
وتلبي شركة كهرباء لبنان الحكومية ثلثي الطلب وقت ذروته. ونحو ثلث الكهرباء التي تنتجها تضيع في التوزيع أو لا تحصل على ثمنها.
ولكن كيف يمكن اعادة هيكلة مرفق يعمل به ألفي موظف متوسط أعمارهم 58 عاما وتم تثبيت أسعار خدماته في عام 1996 عندما كان سعر برميل النفط 21 دولارا وأصدر أحدث كشف حساب مراجع في عام 2004.
ويصعب نظام اقتسام السلطة بين الطوائف في لبنان التوصل الى اتفاق على الاصلاح وتتكدس عشرات التقارير التي تقترح حلولا على الارفف منذ فترة طويلة.
وأقر أحدث وزير حاول حل المشكلة بصعوبة المهمة.
وقال الوزير الان تابوريان لرويترز "اليوم يمكننا توليد نحو 1500 ميجاوات وذروة الطلب عندنا تقدر بنحو 2200 ميجاوات أي ان عندنا عجز قدره 700 ميجاوات." وأضاف "لذلك نشهد انقطاعات الكهرباء خاصة في فصل الصيف.."
ويتعالى ضجيج المولدات الخاصة التي تعمل في المتاجر والمنازل والمصانع وقت انقطاع الكهرباء. ويقول البنك الدولى انها كلفت القطاع نحو 400 مليون دولار العام الماضي.
والكابلات المتشابكة بين البنايات تكشف عن وصلات كهرباء غير شرعية ولا يجري قياسها. ومن المفترض ان تدفع الوزارات والجيش والشرطة والمستشفيات الحكومية ثمن ما تحصل عليه من كهرباء لكن القليل من هذه الجهات يدفع.
وأظهرت بيانات وزارة المالية أن دعم انتاج كهرباء لبنان كلف الحكومة نحو 1.2 مليار دولار في الاشهر العشرة الاولى من عام 2008 أي أكثر من 15 بالمئة من انفاقها وخمس ايراداتها.
وارتفعت تكاليف الوقود المستورد مع ارتفاع أسعار النفط العالمية مقتربة من 150 دولارا للبرميل في يوليو تموز الماضي قبل ان تنهار.
لكن لبنان الذي يبلغ دينه العام 44.5 مليار دولار أي نحو 170 بالمئة من الناتج المحلي وهي من أعلى النسب على مستوى العالم لا يمكنه تحمل مثل هذه التكاليف ناهيك عن الاستثمار لتوسعة طاقة انتاج الكهرباء.
وقال الوزير ان محطات الطاقة القائمة قديمة ولا تجرى لها الصيانة المطلوبة وغير مناسبة للوقود المتاح.
وفي باديء الامر كانت سوريا تمد لبنان بالغاز الطبيعي لوحدتين حديثتين تعملان بالغاز لكنها الآن تعاني هي نفسها من نقص الوقود فتحول لبنان الى مصر. وبعد تعطيلات متتالية وعد المصريون بتوصيل أول شحنه في يناير كانون الثاني المقبل.
وقال تابوريان "انهم للاسف خفضوا الكمية الى نصف ما طلبناه في باديء الامر... وهذا يعني ان مولدين في محطة واحدة سيعملان بالغاز."
وقدر الوزير الخسائر التقنية لنظام التوزيع بنحو 15 بالمئة اي ضعف الخسارة المعتادة في شبكات التوزيع المدارة بشكل جيد.
وقال "الخسائر غير التقنية -أي السرقة- بلغت نحو 22 بالمئة." والقى اللوم على الاضطرابات السياسية في لبنان التراجع عن اتجاه كان قد خفض هذه النسبة الى 17 بالمئة من نحو 40 بالمئة في الفترة من 2000 الى 2002.
وتدرس الوزارة كيفية اعادة هيكلة النظام القديم لتسعير الكهرباء دون المساس بدرجة كبيرة بالمستهلكين الفقراء.
وقالت حاوي في منزلها "فليقننوا الاستهلاك أو يرفعوا التكاليف بعض الشيء لكن يوصلوا الكهرباء لنا.. الناس لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي. التلاميذ لا يمكنهم استذكار دروسهم على ضوء الشموع."
والقى البرت خوري نائب مدير عام شركة توزيع كهرباء خاصة في بلدة تقع الى الشرق من بيروت اللوم على ادارة كهرباء لبنان. وقال "كل مناطق لبنان ستدفع لو حصلت على الكهرباء ونظام محاسبة وتحصيل يعتد به."
ولم يستكمل بعد ادخال العمل بالكمبيوتر في شركة كهرباء لبنان. وكل من يحاول القيام بعمل مع الشركة يتعين عليه الانتقام من موظف الى اخر تتكدس على مكاتبهم سجلات متربة.
ورفض كمال حايك رئيس كهرباء لبنان الحديث مع رويترز.
وقال تابوريان ان خيار خصخصة الشركة الذي جرت مناقشته على نطاق واسع غير متاح الآن. وأضاف "أولا يتعين أن تعمل الشركة بناء على القواعد التجارية فيمكنها التعيين والعزل."
ويرى ان المشاركة مع القطاع الخاص هي السبيل الى الجمع بين قدرة القطاع العام على توفير المال مع مهارة القطاع الخاص في بناء وتشغيل المشروعات.
ويهدف تابوريان الى وضع خطة كهرباء مدتها 25 عاما وهو أمد طويل نظرا الى أن الحكومة ستبقى فقط حتى موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في مايو أو يونيو.