خبراء جزائريون ينادون بإستراتيجية جديدة لمكافحة التهرب الضريبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر: تحوّلت ظاهرة التهرب الضريبي إلى مشكلة كبرى في الجزائر بعدما بلغ حجمها مستوى مهولا لم تتمكن سائر الخطط الحكومية في الفترة السابقة من تحجيم ظاهرة أخذت أشكالا متعددة من الممارسات غير المشروعة، على نحو جعل الخزانة العامة في البلاد تتكبّد خسائر ضخمة وصلت بحسب مراجع محلية إلى حدود 8.2 مليار دولار خلال السبعة عشر سنة الأخيرة.
"إيلاف" في هذه الورقة، ارتأت تسليط الضوء على القضية بلسان فاعلين وخبراء جزائريين أجمعوا على ضرورة احتكام السلطات إلى استيراتجية جديدة تحوّل سواكن المسألة إلى متحركات.
أرقام مفزعة
تكشف بيانات رسمية لوزارة المال الجزائرية، أنّ الحجم السنوي للتهرب الضريبي في الجزائر يربو عن المليار دولار سنويا، بيد أنّ متابعين للملف يؤكدون لـ"إيلاف" على أنّ القيمة المذكورة لا تمثل إجمالي حجم التهرّب، بل ما وقفت عليه المصالح المختصة فحسب، ما يقود إلى الجزم بأنّ القيمة مرشحة للتضاعف إذا تمّ إجراء مسح شامل يجري من خلاله ضبط جميع أشكال الغش التي عادة ما يلجأ إليها المتملصون من دفع الضريبة.
وجاء في تقرير حديث للمجلس الجزائري الاقتصادي والاجتماعي (هيئة حكومية)، إنّ القيمة الضريبية غير المقتطعة قدّرت في أقل من سنة بـ73 بالمئة، وهو ما يمثل ما قيمته 44 مليار دينار جزائري لم تخضع إلى أي اقتطاع ضريبي، وأتت هذه النتيجة في أعقاب تحقيق ميداني مسّ 33 مورّدا هاما بينهم 18 منتجا و15 مستوردا وكذا 755 من عموم التجار.
من جانبها، أفضت تحريات أجرتها الإدارة المركزية للضرائب حول مستوردي مادة الموز، أنّ 40 مستوردا لم يدفعوا المستحقات الضريبية رغم جنيهم لأرباح زادت عن الخمس مليارات دينار، ولم يصرح منها سوى 4.8 مليار دينار وهو ما يمثل نسبة 96 بالمائة من الوعاء العام.
وتوصلت تحقيقات مست قطاعات الصناعة الغذائية والأجهزة الكهرومنزلية وأجهزة الإعلام الآلي وأجهزة الهاتف والمواد الصيدلانية ومواد التجميل، إلى أنّ هذه القطاعات تشهد تناميا في عزوف فريق من متعامليها عن الوفاء بالضرائب المستحقة عليها، وأفيد أنّ 32 بالمئة من متعاملي القطاعات المذكورة تمّت متابعتهم بعد إدانتهم بالتورط في ممارسات غش خطيرة.
وما زاد من حدة التهرب الضريبي، اتساع رقعة السوق الموازية في الجزائر، هذه الأخيرة التي تتمتع بقوانينها الخاصة ولا تعترف بشيء اسمه الجباية، رغم أنّ رقم أعمالها يصل إلى حدود 10 مليارات دولار، جراء استقطابها 60 بالمئة من إجمالي التجار على المستوى المحلي، ناهيك عن آلاف الآخرين من اليد العاملة الناشطة في هذه الأسواق.
من جانبه، يشدّد مصدر مأذون، على أنّ حجم التهرب الضريبي في الجزائر بلغ مستوى مهولا، حيث وصل منحناه إلى مستوى 600 مليار دينار جزائري -بحدود 8.2 مليار دولار- وتشمل هذه القيمة الضخمة الفترة من سنة 1990 إلى غاية أواخر العام الماضي، وأوضح المسؤول -طلب عدم نشر اسمه-، إنّ الجهات المختصة أودعت 1223 شكوى بهذا الشأن لدى مجلس الدولة بينها 509 تم الفصل فيها، في حين جرى التحقيق مع تسعمائة شخص من طرف المصالح المختصة، وأضاف أن هناك 555 شكوى جديدة تم إيداعها لدى مجلس الدولة، وقال المصدر ذاته إنّ 70 بالمائة من القرارات القضائية الصادرة عن مجلس الدولة هي لصالح الإدارة، في حين أن 30 بالمئة من الأحكام لصالح المشتكين الذين استفادوا من تخفيضات ضريبية كلية أو جزئية.
تطبيقات فاعلة تفرض نفسها
أعلنت مديرية الضرائب الجزائرية قبل فترة عن إعداد ميثاق للضريبة الجبائية، واستحداث بطاقة ممغنطة تحتوي على كافة المعطيات المتصلة بالتجار وكذا المستوردين، بجانب إقرار تحفيزات بغرض توسيع الوعاء الجبائي، مع إلغاء كافة الإعفاءات والأنظمة الخاصة الاستثنائية، بعدما أدت "المزايا الجبائية" إلى انعكاسات سلبية في السابق، على غرار ما اتسّمت به مجالات الزراعة والمؤسسات المتوسطة.
بيد أنّ الخبيران "عبد الحق لعميري" و"أرسلان شيخاوي" لا يريان أنّ الحل يكمن فقط في تعزيز الترسانة القانونية، بل في الاحتكام إلى تطبيقات فاعلة تخرج النظام الجبائي المحلي من "عنق الزجاجة"، وتسدّ العجز الحاصل، ويحثّ المختص "يوسف مجكقان" دوائر القرار على تحديث الإطار التشريعي وعصرنة الإدارة الجبائية من خلال خلق هياكل متخصصة تتولى متابعة الشؤون الضريبية وتسهيل التحصيل الجبائي مع نحو ألف شركة كبرى بين جزائرية وأجنبية تنشط في البلاد.
ويقدّر الخبير "رابح عاشور" أنّ توخي إصلاح ضريبي شامل في الجزائر يمر حتما بوضع مناخ ملائم لصالح الاستثمار ونجاعة المؤسسات، عبر ضمان تسيير أحسن لملفات الخاضعين للضريبة وتكييف إجراءات التحصيل، ويؤيد المتعامل الاقتصادي "محمد غنو" نظرة رابح عاشور، ويلفت إلى أهمية انتصار إدارة الضرائب إلى اعتماد التخصص في تسيير الجبائية للوصول إلى ضبط الوعاء الجبائي ومكافحة الغش والتهرب الجبائيين ومنع تحويل الأموال إلى الخارج.
من جانبه، يربط "عبد الرحمان مبتول" بين تسريع الإصلاح الضريبي، وتلافي إشكالية البطئ في معالجة الملفات ذات الصلة بالقطاع الضريبي، إضافة إلى ما يطرحه انعدام قضاة متخصصين في مجال الضرائب والجباية مثلما هو معمول به في باقي دول العالم، ما يدفع الجزائر كل مرة إلى اللجوء إلى الخبرات الأجنبية لمعالجة مختلف النزاعات والقضايا ذات الصلة.