رحلة إنضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة قد تطول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر
بات واضحًا الآن، أنّ القوى الكبرى في المنظمة العالمية للتجارة، لن تسمح بانضمام الجزائر إلى الأخيرة، ما لم (يذعن) الطرف الجزائري إلى الضغوط التي يفرضها الأعضاء لا سيما المجموعة الأوروبية بشأن تحرير قطاع الخدمات وإقرار تسعيرة مغايرة للمواد الطاقوية، من خلال إيجاد حلول لعبور سائر المنتجات على الأسواق الأوروبية، ومشكلة الازدواج الضريبي والوحدة السعرية الموظفة في تسويق المحروقات برفع سعر الغاز في الجزائر، وهو تصور شدّد عليه "بيتر مندلسون" المحافظ الأوروبي للتجارة، عندما أعلن أنّ ''الطريق لا يزال طويلاً أمام الجزائر لبلوغ هذا الهدف''، وتلميحه القوي إلى أنّ انخراط الجزائر في منظمة التجارة قد يتأجل إلى ما بعد العام الحالي، إذا لم تجد الجزائر حلولاً ناجعة وشافية لشركائها الجدد، وتأتي هذه التصريحات في سياق مضاد لجزم السلطات الجزائرية أنّ الانضمام في منعرجه الأخير وباتقاب قوسين أو أدنى، بعدما هيأت مناخها التجاري عبر كثير من الإصلاحات المتعلقة بالمنظومة الجمركية والقانونية، من حيث إقدامها على إلغاء وتحديث وتعديل جوانب متعددة في منظومتها التسييرية على درب تكييفها مع مقومات الانخراط في منظمة التجارة العالمية، وأبدى جعبوب إلتزام الجزائر بضمان التنافسية وإقرار تسعيرة موحدة للطاقة بالنسبة إلى السوق المحلية والخارجية، مفنّدًا ما تردد عن دعم بلاده لمؤسساتها الإنتاجية عن طريق تحديد سعر للطاقة يقل كثيرًا عن سعر الطاقة المصدرة، كما أوضح أنّ الجزائر لا تعتمد سعرين مختلفين للطاقة على المستويين الداخلي والخارجي.
وقبيل استئناف المفاوضات أوائل الصيف المقبل، أسرّت مصادر على صلة بالملف لـ"إيلاف" أنّ مساعي الجزائر للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية قد تستمر في الاصطدام بإرادات أعضاء نافذين لا يشاطرون المنظور الجزائري لإيجاد مخرج لمعضلة الطاقة والخدمات التي تركت مسار الانضمام معلّقًا منذ سنة 1998، ولعلّ الموقف المعبّر عنه من طرف المحافظ الأوروبي للتجارة، وحديث "بيتر مندلسون" عن كون القضايا المتصلة بقطاعي الطاقة والخدمات "لا يمكن تنحيتهما جانبًا أو التعامل معهما باستخفاف"، إنّما يعكس عدم استساغة الأوروبيين لتعاطي الجزائريين مع النقطتين الآنفتي الذكر، ومحاولتهم التقليل من حدتهما عن طريق تبني الخطاب ذاته الذي تسقطه المجموعة الأوروبية، بينما تحافظ عليه الجزائر بداعي حماية مصالحها وعدم السقوط في الفخاخ نفسها التي انجرت عن (اتفاق الشراكة المتسرع) مع الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول 2005، ولعلّ هذا ما يبيّنه اعتراف المحافظ الأوروبي للتجارة بكون الاتفاق المشار إليه " لم يكن جيدًا بالنسبة إلى الجزائر"، ما جعل دول الاتحاد الأوروبي تكون المستفيدة الأكبر منه، وهو ما يفرض إعادة النظر في ما جاء فيه قصد تحيينه، وتمكين الجزائر من الاستفادة منه بشكل أكبر وذلك قبل سنة 2010، وتعدّ ثلاثة آلاف شركة جزائرية ناشطة حاليا "الأضعف متوسطيا"، بحكم دفع الجزائر "ثمن توقيعها على اتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي غاليا"، علما أنّ بيانات رسمية حديثة تكشف عن تكبّد الجزائر لخسائر تربو عن ستمئة مليون دولار سنويا بسبب تبنيها مبدأ التفكيك الجمركي، وقد تخسر 3 مليارات دولار في حال عدم رفع الحجم المتواضع للصادرات الجزائرية، والدخول في مراحل متقدمة من اتفاق الشراكة آفاق سنة 2017، وبلغت قيمة صادرات الجزائر إلى الخارج نحو 60 مليار دولار فيما بلغت وارداتها قرابة 27.5 مليار دولار، بفائض تجاوز 32 مليار دولار خلال العام الماضي، وتصدّرت الجزائر المواد البتروكيماوية والمنجمية، بالمقابل تستورد أغلب المنتجات الصناعية والغذائية.
وعلى الرغم منالحسم في نقاط متعلقة بحرية تنقل لحوم الغنم والحليب، بالإضافة إلى أنشطة الاتصالات الموجهة للمؤسسات، بيد أنّ التحفظات لا تزال أيضا مستمرة بشأن ملف استيراد السيارات القديمة، ومشاكل أخرى تمسّ الحقوق الجمركية على الحليب، وهذا الشق أبرزه وزير تجارة زيلاندا الجديدة، هون فيل جوف، عندما كشف مؤخرًا أنّ المفاوضات تبقى عالقة بسبب سؤال حول تخفيض التعرفة الجمركية المفروضة على المواد الأولية لإنتاج الحليب ومشتقاته، علما أنّ هذه المنتجات أهم ما تستورده الجزائر.
ويقول العارفون بالشأن الاقتصادي الجزائري، إنّ السلطات هناك رغم أنّها ''تضع الانضمام أولى أولوياتها في المرحلة القادمة لتطوير اقتصادها''، إلاّ أنّها تعارض تقديم مزيد من التنازلات، إذ ليست مستعدة -على الأقل في الوقت الراهن- للتخلي عن التسعير المزدوج للطاقة في الأسواق المحلية والدولية، كما لا تريد إقرار نمط آخر لمنظومة الخدمات، تبعا للمصاعب التي تواجهها البلاد جراء تحديث وتحرير الخدمات، في وقت تتعالى الأصوات المنتقدة لما يشهده القطاع المذكور، بحكم ما ينتابه من تقدم بطيء، واستمرار ما يلف المصارف المحلية ومحدودية استثماراتها وعوائدها، على الرغم من كل الخطابات التي تحدثت عن إصلاحات متسارعة وفعالة منذ إنشاء الدولة الجزائرية لوزارة مكلفة بالإصلاح المالي العام 1999.
وبخصوص المسألة التي ظلت محل شد وجذب منذ عشرة أعوام كاملة (بدأت فعليًا في حزيران/يونيو 1987)، عبّر المبعوث الأوروبي بوضوح، في جولته للجزائر التي امتدت يومين، أنّ الأخيرة مدعوة إلى تطبيق سعرين مختلفين على المنتجات البترولية المسوقة محليا ودوليا، لتكون في مستوى الأسعار الدولية نفسه، كمنطلق لإتمام الشوط النهائي للمفاوضات النهائية بين السلطات الجزائرية والإتحاد الأوروبي.
ومرّر المسؤول الأوروبي رسائل بالجملة، مفادها أنّ الانضمام سيتعثر ما لم "تتحكم الجزائر بحيوية في عمليات تطوير اقتصادها، من خلال تجاوز التأخر الكبير الذي تشهده الخطط المعدّة واستبعاد الذهنية الاشتراكية، كمدخل رئيس لاستقطاب رؤوس أموال أجنبية ومضاعفة إجمالي الاستثمارات الخارجية التي تظل محدودة خارج قطاع المحروقات، كما ألّح مندلسون على أنّ الخوض الجدي في تسريع انضمام الجزائر إلى الحظيرة التجارية الدولية، مرتبط حتمًا بتدارك الجزائر للتأخر الكبير الذي تعرفه سياستها الاقتصادية والتجارية، واعتنائها بتنويع مصادر دخلها القومي خارج قطاع الطاقة المستأثر بـ98 في المئة من الحراك المالي في الجزائر، وأوعز أيضًا بحساسية تمكين القطاع الخاص من فرص استثمارية أفضل، وذلك يمكن إنضاجه مثلما قال، باقتناص فرصة الثروات البترولية المتاحة حاليًا من أجل بناء اقتصاد قادر على المنافسة عالميًا وتنويع مصدر الثروات وخلق مناصب شغل بالانفتاح على المستثمرين الخواص.
وفي نسق مغازل، صرّح وزير التجارة الجزائري "الهاشمي جعبوب"، أن الجزائر تعول كثيرًا على دعم الاتحاد الأوروبي لها في مسار انضمامها إلى منظمة التجارة، معتبرًا أنّ الجزائر شجعت الاستثمار الخاص وفعّلت مخطط الخصخصة، بالتزامن مع تحديثها القطاع المصرفي والمالي، وكذلك تحرير التجارة الخارجية، وأبدى تفاؤلا بالمستقبل، بقوله إنّ خبراء المنظمة والجزائر سيعملون على إيجاد الحلول المناسبة لها، برسم الدورة المقبلة والأخيرة قبل الإنضمام النهائي للجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة.
وقال جعبوب إنّ بلاده بصدد إبرام اتفاق ثنائي مع الإتحاد الأوروبي في اتجاه انضمامها إلى منظمة التجارة، وستضمن بحسبه الفصل في المفاوضات الإقليمية الخاصة بالخدمات والزراعة وأيضًا آفاق التعاون في مجالات الطاقة ونقل المحروقات والنقل البحري، وتنص اتفاقية الشراكة الموقعة بين الجزائر والإتحاد الأوروبي في إسبانيا العام 2002، على التزام الجانب الأوروبي بدعم الجزائر للإنضمام إلى منظمة التجارة.
وكشف الوزير الجزائري أنّ 31 دولة من مجموع 35 دولة عضو، منحت دعمًا إضافيًا لانضمام الجزائر إلى منظمة التجارة ومن بين هذه الدول المغرب، بعد اجتماع مجموعة العمل أواسط كانون الثاني/يناير الماضي في جنيف، في وقت ستتلقى الجزائر أسئلة جديدة قبل 15 فبراير/شباط المقبل ستطرحها الدول الأعضاء في المنظمة التي لم يتم الاتفاق الثنائي معها بعد، على أن يتم الرد على هذه الأسئلة في الاجتماع المقرر انعقاده في يونيو/حزيران المقبل، وسيجتمع الوفد الجزائري بممثلين عن 9 دول.
بالتزامن، تكاد مفاوضات الجزائر تنتهي مع الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت الجزائر في ثماني عشرة جولة تفاوض منذ بداية عملية الانضمام، وردّت خلالها على 1500 سؤال وطلب قدمتها الدول الأعضاء، وتحضّر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأرجنتين للائحة مطالب جديدة لعرضها على الجزائر في مهلة شهر، وأنهت الجزائر مفاوضات ثنائية مع خمس دول أعضاء فقط وهي البرازيل والاوروغواي وكوبا وفنزويلا وسويسرا على أن تواصلها مع تسع دول أخرى هي كندا وماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية والإكوادور والنرويج واستراليا واليابان.
وكان سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر "ولفانج بلازا"، قد كشف قبل فترة لـ"إيلاف"، أنأعضاء الاتحاد يرفضون تقديم أي تنازلات للجزائر بخصوص تحرير قطاع خدماتها، وقال إن أوروبا تنتظر انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية حتى تباشر المفاوضات بخصوص مسألة تحرير الخدمات. وأقرّ "ولسجانج بلازا" وقتئذ، بوجود مخاوف لدى الجزائريين بشأن قضية "الاتفاقية الخاصة بتحرير تجارة الخدمات في الجزائر" والتي ينظر إليها كحجر عثرة أمام الانضمام، وأوضح بلازا، أنّ أوروبا تقدمت بطلب لتحرير قطاع الخدمات، مشيرًا إلى أن مجلس الاتحاد عرض صيغة الاتفاق على الطرف الجزائري الذي رفض الرد على الطلب -حسب المسؤول الأوروبي-، وجزم المتحدث ذاته أنّ الملف يبقى مفتوحًا إلى حين إتمام الجزائر مفاوضاتها مع منظمة التجارة العالمية، علمًا أنّ الجزائر حدّدت في آخر جولة من المفاوضات مع المنظمة العالمية للتجارة، شروطًا لدخول الممولين الأجانب 87 قطاعًا فرعيًا للخدمات، من بين 161 قطاعا فرعيا تشكل حاليًا محل محادثات.
المسؤول الأوروبي بدا متشددًا بخصوص هذا الملف، وقال إنّ الجزائر مطالبة بتقديم تنازلات للدول الأعضاء في المنظمة العالمية للتجارة إذا "كانت ترغب في الانضمام إلى هذا التكتل التجاري" كون الحكومة الجزائرية ستجد نفسها معزولة أمام 140 دولة عضو في المنظمة، رافضًا منح "استثناء" خاص بالجزائر التي يتوجب عليها أن "تدفع ثمن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية" على حد تعبيره، حاثًا السلطات الجزائرية على الرضوخ للقواعد المعمول بها التي طبقت على جميع الدول التي تسعى إلى الانضمام بينها روسيا والصين.
وكانت الجزائر كشفت قبل فترة، أنّها قطعت نحو 95 في المئة من أشواط انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة، وصرّح كبير المفاوضين الجزائريين "شريف زعاف" تتويج انضمامها إلى المنظمة المذكورة قبل نهاية العام الجاري، بيد أنّ الرهان لم يتحقق وقد يتأجل لسنتين إضافيتين، رغم تقديمها عرضا جديدا للتعريفات الجمركية للمنظمة العالمية للتجارة، ما سيسمح لها باستكمال مفاوضاتها مع ست دولأعضاء في المنظمة التي لا تزال تبدي بعض التحفظات التي لا تزال تبدي بعض التحفظات إزاء انضمام الجزائر إلى حظيرتها بسبب وضع الجزائر كبلد نفطي.
وترى الجزائر أنّ انضمامها إلى منظمة التجارة، يشكل أنسب إطار للدفاع عن المصالح التجارية الجزائرية، بيد أنّها ترفض أن يكون تجسيد الخطوة لقاء القبول بقواعد يراد بعض الأعضاء فرضها على الجزائر، لذا أصرّت منذ استئنافها المفاوضات عام 1998، على الدفاع عن مصالحها وتجنب أكبر قدر من الشروط الأميركية والأوروبية، مع الإشارة إلىأنّ الجزائر تلقت خلال الجولات الماراثونية للمفاوضات، أكثر من 1500 سؤال من الدول الأعضاء، والمشكل الرئيس، يبقى بحسب الجانب الجزائري، في عجز أعضاء المنظمة عن فهم إجابات الجزائر كما يعاني الجزائريون عوائق موضوعية لفهم أسئلة مفاوضيهم بخصوص التفاصيل المتعلقة بالمقاييس التجارية والإجراءzwnj;ات الصحية ورخص الاستيراد.
وتلقت الجزائر عريضة من المنظمة العالمية من أجل فتح خدمات التوزيع، لكنها استثنت عملية توزيع تجارة التجزئة والجملة وكافة المنتجات الطاقوية على غرار زيت الوقود والغاز، كما تمحورت العرائض التي تقدمت بها المنظمة حول النقل البحري الذي يتضمن نقل المحروقات وهي النقطة التي لم يتم اتخاذ أي إلتزام بشأنها بعد.