اقتصاد

هل تستخف بنا الشركات السعودية في تطبيق الحوكمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

د. محمد أل عباس: بعض الشركات السعودية تمتلك نظرية إدارية خاصة يمكن تسميتها بالإدارة عن بعد. فبعد أن صدرت التقارير المالية للشركات المساهمة السعودية التي وضحت تشكيل مجلس الإدارة لكل شركة فإنه يحق لنا أن نسأل تلك الأسئلة المشروعة. إن مراجعة تشكيل مجلس الإدارة لمعظم الشركات يظهر أنها تدعي أن جميع الأعضاء مستقلين وغير تنفيذيين وكأنه يمكن أن يكون هناك مستقل تنفيذي. تصرح الشركات بهذه المعلومات اعتقادا منها أنها حققت متطلبات الحوكمة وهي في الواقع قدمت دليلا على أنها لم تستوعب لائحة الحوكمة والغرض من نظام الحوكمة ككل، بل الأدهى أن الشركات قدمت بذلك دليلا على عدم اهتمامها بالشفافية والمصداقية في الوقت الذي أرادت أن تثبت لنا العكس.
ماذا يعني أن جميع أعضاء مجلس الإدارة مستقلون؟ إن معنى مستقل يتضمن أن العضو غير تنفيذي وعلى هذا فإن جميع الأعضاء مستقلين يعني أنهم جميعا غير تنفيذيين، فلا يوجد من بينهم عضو منتدب ولا مدير عام للشركة ولا أي تنفيذي آخر يحمل هم إدارة الشركة المباشرة. وبما أن مجلس الإدارة هو الذي يحدد الخطط الاستراتيجية للشركة ويتخذ القرارات المصيرية لها فإن معنى أن جميع الأعضاء مستقلون يعنى أن إدارة الشركة تتم عن بعد وأن هناك انفصالا تاما بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة فلا هذا يعلم عن ذاك ولا صوت الأخير له قيمة عند الأول. سيقال إن الإدارة التنفيذية تحضر المجلس ولكن ليس لها عضوية، هذا معناه أنه ليس لها صوت يسمع ووجودها كعدمه. والأهم كيف استطاعت الشركات السعودية أن تتخلص من منصب العضو المنتدب؟ إلا إذا كان العضو المنتدب هو نفسه رئيس مجلس الإدارة ولم تفصح الشركة عن ذلك لأنها لو فعلت هذا لأخلت وبشكل جوهري بنظام الحوكمة ولهذا وقعت في فخ الاستقلال الوهمي وضللت السوق المالية.

لماذا الاستقلال؟ عندما ظهرت الأفكار الأولية لمبادئ حوكمة الشركات مع لجنة كادبري عام 1990م أقرت تلك المبادئ الانفصال بين منصب العضو المنتدب (أو الرئيس التنفيذي للشركة) ومنصب رئيس مجلس الإدارة حيث لا يكون المنصبان في يد شخص واحد. ثم تطورت الأحداث وتلاحقت وخاصة مع الانهيارات والأحداث التي مرت ببيئة الأعمال الأمريكية التي نتج عنها قرارات سيربنس أوكسلي المستعجلة لتهدئة السوق المالية فظهر الدليل الموحد لمبادئ الحوكمة الذي أضاف نقطة مهمة جدا وهي توازن مجلس الإدارة بحيث يتضمن أعضاء تنفيذيين وأعضاء غير تنفيذيين مستقلين. في هذه المرحلة كان مجرد كون العضو غير تنفيذي كافيا لأن يكون مستقلا فأصبحت كلمة غير تنفيذي تعني الاستقلالية حتى ظهر تقرير هيقز الذي أقر شروطا للاستقلال أو اختبارات له. فلم يعد كون عضو مجلس الإدارة غير تنفيذي كافيا لإثبات استقلاله بل يجب أن يحقق مجموعة من الشروط.
وفي لائحة حوكمة الشركات التي أقرتها هيئة السوق المالية أفردت بابا كاملا لمجلس الإدارة ولكنها رغم هذا أغفلت عبارة مهمة وهي توازن المجلس. فالمجلس يجب أن يحقق توازنا في القوى. والتوازن هنا لا يعني التساوي بل يعني أن القدرة على التأثير يجب أن تكون في صالح المساهمين ولكن في ظل ما يضمن نجاح الخطط الاستراتيجية للشركة، وهنا يأتي دور الأعضاء التنفيذيين في المجلس فلا معنى لمجلس ليس فيه أعضاء تنفيذيون. المشكلة الأخرى أن لائحة الحوكمة مرتبكة في تفصيلها بين غير التنفيذي والمستقل. ففي هذا أشارت المادة الـ 12 من اللائحة في الفقرة (ج) أن تكون غالبية الأعضاء غير تنفيذيين. ثم عادت وأكدت في الفقرة (هـ) ألا يقل الأعضاء المستقلون عن اثنين أو ثلثي أعضاء المجلس أيهما أكثر. تحاول اللائحة التفرقة بين الأمرين ولهذا نحتاج إلى تفصيل. من ناحية فإن المستقل هو في الوقت نفسه غير تنفيذي وتصبح القضية أكثر وضوحا عندما نعرف أنه ليس شرطا أن يكون غير التنفيذي مستقلا. وهنا استرشد بالدليل الموحد لمبادئ الحوكمة Combined Code (2003) الذي اشترط في الجزء A3 الذي تم عنونته بتوازن المجلس والاستقلال Board Balance and Independence، أن يكون هناك توازن بين الأعضاء التنفيذيين وغير التنفيذيين (وعلى وجه الخصوص الأعضاء غير التنفيذيين المستقلين). ومن يقرأ الدليل الموحد يجد أنه يربط دائما بين غير التنفيذي والاستقلال ولكن في مواضع معينة كان يشير إلى أن العضو غير التنفيذي يجب أن يكون مستقلا. فمثلا في الفقرة A.3.2 أشارت إلى أن المجلس يجب أن يتألف من أعضاء غير تنفيذيين مصنفين على أنهم مستقلون.
Except for smaller companies, at least half the board, excluding the chairman, should comprise non-executive directors determined by the board to be independent. A smaller company should have at least two independent non-executive directors.
وتتضح الأمور أكثر عندما نعرف شروط الاستقلال والتي أقرتها لائحة الحوكمة، فبشكل ضمني يجب أن يكون المستقل غير تنفيذي وألا يملك حصة سيطرة في الشركة، وألا يكون من كبار التنفيذيين خلال السنتين الماضيتين، وألا يكون له صلة قرابة من الدرجة الأولى مع الأعضاء الآخرين أو كبار التنفيذيين، أو موظفا لدى الأطراف ذات العلاقة مع الشركة خلال العامين الماضيين. والآن هل تتصور شركة من شركاتنا المساهمة السعودية وكامل أعضاء مجلس الإدارة فيها مستقلون ووفقا لهذه الشروط وليس من بينهم عضو تنفيذي واحد، وهل تصدق ذلك؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف