قطاع المقاولات في السعودية يعاني تحديات التضخم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تحليل-محمد العنقري من الرياض
يواجه قطاع المقاولات في السعودية تحديات كبيرة بفعل ارتفاع معدلات التضخم التي انعكست سلبا على ارتفاع أسعار مواد البناء من جهة ،وعلى أجور العمالة التي باتت تطالب برفع رواتبها نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة،سيما مع اعتماد شركات القطاع على الإنفاق الحكومي المتزايد.فقد اقرت مشاريع بتكلفة تصل إلى 140 بليون ريال لعام 2008،إلا أنه بين وفرة المشاريع وارتفاع التكاليف يقف قطاع المقاولات حائرا بين الاستفادة من فرص العقود المطروحة ،وبين تسارع وتيرة ارتفاع الأسعار.
يأتي ذلك مع تراجع هامش الربح لعدد كبير من الشركات،كما بدأت شركات أخرى بتحقيق خسائر وفق لما يتم نشره من تصريحات لأصحاب الشركات يطالبون فيها بضرورة مراعاة ارتفاع الأسعار وتغيرها الكبير خلال عام واحد بنسب فاقت 100 في المئة. فأسعار الحديد ارتفعت خلال عام من 2400 ريال للطن إلى 4150 ريال للطن الواحد خلال هذه الأيام، بينما ترتفع أسعار الاسمنت تدريجيا وتتباين من منطقة لأخرى فقد وصلت بالمنطقة الشرقية الى 23 ريال للكيس الواحد بينما سجلت اقل الأسعار عند 16 ريال .وبالرغم من وزارة التجارة كانت قد حددت الأسعار بما يقارب 12 ريال للكيس الواحد.
بينما ارتفعت أسعار باقي المواد بنسب بعضها وصل إلى خمسة أضعاف كالتي يدخل بتركيبها النحاس وبعض المعادن الأخرى، ومع هذه الفروقات الكبيرة نجد أن قيمة العقود لم تتغير.وعلى إثر ذلك طالب كثير من المقاولين وزارة المالية بضرورة مراجعة أسعار المواد حتى تستطيع أن توفي تلك الشركات بالتزاماتها .وبناءً على تصريح المعنيين،من داخل القطاع، فإنه لم يطرأ أي تعديل بأسعار بنود المواد رغم مطالباتهم العديدة ،وحصولهم على وعود بدراسة أوضاعهم.
وفي نظرة إجمالية وسريعة على قطاع المقاولات في السعودية نجد أن عدد الشركات والمؤسسات المرخصة لأعمال المقاولات يصل إلى 139 ألف وحدة مرخصة ، لا يعمل منها سوى عدد بسيط لا يزيد عن 15 في المئة، والباقي ليست أكثر من سجلات. مما يعطي صورة سلبية لمقدرة القطاع على مواجهة زيادة العقود، وارتفاع الإنفاق الحكومي،وحاجة القطاع الخاص لمشاريع تنموية كبناء الوحدات السكنية التي باتت مشكلة تتطلب حلول سريعة مما سيرفع الطلب على تنفيذ نلك المشاريع مما يجعله منافسا للمشاريع الحكومية حيث ستكون المرونة اكبر بالتسعير .
و يمثل قطاع المقاولات 5 في المئة من الناتج الوطني البالغ قرابة 1300 مليار ريال ويمثل حجم المشاريع المنفذة سنويا ما يفوق 60 مليار ريال سنويا،وبهذا يعتبر فاعلا رئيسيا بالحركة التنموية للاقتصاد الوطني.ويتوقع ان يرتفع الطلب على المقاولات إلى قرابة 2 تريليون ريال خلال العشر سنوات القادمة ،مما يرفع من نسبة نمو القطاع بشكل كبير يصل إلى قرابة ثلاثة أضعاف عن الأرقام الحالية .
وتبرز أمام القطاع عوائق كثيرة حاليا تحتاج إلى إعادة تنظيم،وتأهيل للقوانين للحفاظ على الشركات الوطنية وتعزيز قدراتها المستقبلية بما يمكنها من مواجهة متطلبات التنمية من خلال مراعاة احتياجاته خصوصا في مجال ارتفاع التكاليف،ومواكبة التسعير لمعدلات التضخم المرتفعة.
ومن بين العيوب التي تتردد عدم وجود تحليل للأسعار ضمن المناقصات. فيجب وضع تحليل لأسعار المواد وكافة التكاليف الداخلة بتقدير الأسعار لمعرفة تأثير ارتفاعها على مقدرة المقاول بتلبية التزاماته تجاه الجهة التي تتعاقد معه .فغالبا ما يتم تقديم الأسعار بشكل عام دون تفصيل،وبالتالي تبرز الإشكالية بمعرفة من أين أتى الأثر السلبي على التسعير ولا يمكن معها تقدير حجم المواد التي ارتفعت أسعارها وإمكانية تعويض المقاول عن ذلك .كذلك عدم وجود تحديث لأسعار المواد لدى كافة الجهات الرسمية التي تطرح مشاريعها أمام المقاولين مما يعطي تصور أوضح لتقدير التكاليف .
كما يعاني الكثير من المقاولين من مطالبات بزيادة أجور العاملين لديهم نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة. وقد برز للسطح استقطاب الكفاءات الموجودة لديهم من قبل شركات عاملة بمنطقة الخليج حيث يذهب الكثير منهم لتلك الدول على اعتبار أن الرواتب أفضل. ويلاحظ حاليا هجرة عكسية للعمالة حيث تبرز شركات من دول كالهند والفلبين تطلب عمالة من دول الخليج عموما.ومع انخفاض قيمة الريال أمام عملات تلك الدول يرى الكثيرون منهم أن العودة لبلدانهم أكثر جدوى خصوصا أن هذه العمالة مدربة ومتمرسة ،وبالتالي فإنها تحصل على رواتب أفضل من بقائها بمنطقة الخليج. وبذات الوقت نجد أن الكوادر الوطنية محدودة ولا يوجد معاهد تخرج شبابا مؤهلا يفي باحتياجات السوق في أعمال البناء والتشييد .
و قد افرز السماح للاستثمار الأجنبي بروز ظاهرة تحول بعض العاملين بشركات المقاولات إلى مستثمرين فيقومون ببعض الإجراءات البسيطة ليتحولوا لمستثمرين مستقلين يقومون بمنافسة المقاول السعودي، بل أنهم يقومون باستقطاب عملاء الشركات التي كانوا يعملون بها سابقا بل وحتى استقطاب العمالة المدربة لديهم ،مما اضر كثيرا بتلك الشركات رغم أن هؤلاء المستثمرين لم يضيفوا شيئا لواقع السوق فهم اكتسبوا خبراتهم وأموالهم من داخل السوق السعودي. وقد برزت الكثير من المطالبات بمراجعة اوضاع هؤلاء المستثمرين والاكتفاء بمستثمرين كبار يأتون من الخارج بخبرات وأموال تضيف للاقتصاد الوطني.
وتبرز مشكلة عمالة" اقتصاد الظل وهم العمالة السائبة" التي تقوم ببعض أعمال المقاولات بجودة متدنية نتيجة لرخص تكاليفها بل أن هناك أرقام تشير إلى أن حجم حوالاتهم السنوية يصل إلى قرابة 14 مليار ريال سعودي ،مما يشكل عامل هدر مزدوج سواء للمباني المنفذة أو للأموال التي يتم تحويلها خارجيا .
إن الحفاظ على القطاع الخاص وخصوصا قطاع المقاولات بمراجعة أسعار العقود وإعادة تقدير تكاليف الأسعار سينعكس إيجابا على الاقتصاد بشكل عام وسيرفع من كفاءة القطاع مع ضرورة إعادة هيكلة لتنظيم القطاع وتغيير معايير التصنيف التي ستخلق بالنهاية كيانات كبيرة وقوية قادرة على مواجهة متطلبات التنمية على مدى العقود القادمة .
m.alangari@elaph.com