اقتصاد

سياسة سعر التبادل في الخليج تشكل تحدياً لمكانة واشنطن

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


خلف خلف من رام الله: اعتبرت دراسة اقتصادية صادرة عن مركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن سياسة سعر التبادل في الخليج، تشكل تحدياً قادماً لمكانة الولايات المتحدة الأميركية في العالم، وبحسب معد الدراسة الباحث الإسرائيلي نيتسان فيلدمان فإنه على نحو يشبه مئات القرارات التي اتخذتها منظمة اوبك على مدى 47 عاما من وجودها، فان قرارها مؤخراً في عدم الاستجابة للطلب الأميركي زيادة إنتاج النفط - حظي بانتقاد لاذع من جانب الإدارة الأميركية، ولكن خلافا لحالات كثيرة في الماضي امتنعت فيها اوبك عن المواجهة العالمية مع الولايات لمتحدة، فقد اختار اتحاد النفط هذه المرة أن يصد بحزم استثنائي الدعاوى الأميركية.

ويقول فيلدمان: "رئيس اوبك، شكيب خليل، ادعى بأن الانفعال في سوق النفط ينبع من "الإدارة الفاشلة" للاقتصاد الأميركي وأن الارتفاع في أسعار النفط لا يعكس نقصا في العرض، بل هو نتيجة ضعف الدولار وانعدام اليقين السائد في الأسواق المالية. الرد الحازم من رئيس اوبك، وتركيزه على الوضع المشوه للدولار ليس صدفة. فهذا يعكس الإحباط العميق للدول المنتجة للنفط - ولا سيما في الخليج - من الضرر الذي يلحقه باقتصادها التآكل في قيمة الدولار".

وجاء في الدراسة: "ومع أن دول الخليج تشهد نموا اقتصاديا استثنائيا في ضوء الارتفاع في أسعار النفط (بعضه ينبع من انخفاض قيمة الدولار) ولكن هذا النمو يترافق وتضخم مالي من المتوقع أن يتعاظم طالما واصل الدولار الهبوط وحافظ البنك الفيدرالي الأميركي على مستوى فائدة منخفض. معطيات التضخم المالي الرسمية التي نشرت بالنسبة إلى شهر شباط تفيد بان وتيرة التضخم في العربية السعودية تبلغ نحو 8 في المئة".

وتضيف الدراسة التي نشرت نهاية الشهر الماضي (مارس)، في العدد رقم 51 من نشرة مركز بحوث الأمن القومي: "كما أن آخر المعطيات التي نشرت هذا الشهر تفيد بان وتيرة التضخم في اتحاد الإمارات العربية بلغ في العام 2007 معدل 11 في المئة والتضخم المالي في قطر بلغ أكثر من 14 في المئة. في البحرين وفي عُمان أيضا، المنتجتان للنفط غير العضوين في اوبك، تعانيان معدلات تضخم مالي عالية هما أيضا".

ويقول معد الدراسة نيتسان فيلدمان: "العلاقة الوثيقة بين سعر الدولار وبين التضخم المالي الذي يلم بالبلدان المنتجة للنفط في الخليج تنبع، ضمن أمور أخرى، من نظام سعر التبادل الذي تنتهجه. سعر التبادل لدول الخليج مقرر في الدولار، ولهذا فان ضعفه يجر تآكلا حقيقيا في العملة المحلية ويرفع أسعار منتجات الاستيراد".

"كما أن تحديد سعر التبادل بالدولار يلزم دول الخليج بتبني السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي، الذي يحاول هذه الأيام إنقاذ الاقتصاد الأميركي من الأزمة من خلال تخفيض ساحق للفائدة. وهكذا نشأ وضع بدلا من رفع الفائدة لتبريد الاقتصاد النامي ومكافحة التضخم المالي، تضطر دول الخليج إلى الانجرار وراء البنك الفيدرالي الأميركي فتخفض الفائدة. وفي ظل غياب أدوات نقدية ناجعة تضطر الحكومات إلى تخفيف الضرر للأجر الحقيقي للمواطنين من خلال رفع الأجور في القطاع العام ومن خلال توسيع الدعم المالي لسلسلة من المنتجات. بمعنى أن دول الخليج تنتهج سياسة تكرارية، يدعي الكثير من الاقتصاديين بأنها نفسها تساهم في تسارع التضخم المالي"، بحسب الدراسة.

وتقول الدراسة: "نشر معطيات التضخم المالي الأخيرة إلى جانب تعاظم مؤشرات الركود في الولايات المتحدة عززت الأصوات في الخليج التي تدعو البنوك المركزية إلى محاكاة الخطوة التي اتخذتها الكويت في أيار/مايو 2007، عندما قررت قطع الدينار عن الدولار وربطه بسلة عملات. ومع أن البنكين المركزيين لقطر واتحاد الإمارات نفيا الشائعات في أنهما يعتزمان الانقطاع بشكل مفاجئ عن التحديد بالدولار، ولكن في الوقت نفسه لم يترددا في الاعتراف بان التطورات الأخيرة تستدعي إعادة فحص لسياسة سعر التبادل".

"إعلان من جانب أحد البلدان المنتجة للنفط في الخليج بتغيير نظام سعر التبادل هو آخر ما تحتاجه الولايات المتحدة هذه الأيام. فمثل هذه الخطوة ستدل على انخفاض واضح في الطلب على الدولار من جانب الدول التي تقرر الانقطاع عن الدولار، ولكن الأسوأ من ذلك هو أنه ستشير إلى مزيد من فقدان الثقة بالعملة الأميركية. وعليه، فان قرارا من جانب دول الخليج بتغيير سعر التبادل لا يجر فقط معاضل اقتصادية، بل ومعاضل سياسية أيضا". كما جاء في الدراسة.

وتتابع: "من بين ستة أعضاء مجلس التعاون الخليجي (العربية السعودية، الكويت، اتحاد الإمارات العربية، عُمان، قطر والبحرين) فان العربية السعودية هي المحامي الواضح لنظام سعر التبادل الحالي. مثلما سارعت العربية السعودية في تشرين الثاني إلى صب ماء بارد على إعلان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الذي ادعى بوجوب الكف عن تحديد سعر النفط بالدولار لأنه مثل "قطعة ورق عديمة القيمة"، هكذا أيضا في الآونة الأخيرة يحاول المندوبون الرسميون للعربية السعودية إبراز المنفعة الكامنة في ربط سعر التبادل بالدولار".

ويشير المندوبون الرسميون السعودية -كما يقول معد الدراسة- إلى أن الربط بالدولار خدم على نحو مخلص الاستقرار الاقتصادي لدول الخليج على مدى السنين وهو ضروري من أجل اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويقول: "وتحوز العربية السعودية بأملاك دولارية بمليارات الدولارات، وعليه فليس مفاجئا أن تحاول منع خطوة من شأنها أن تمس بالدولار".

وبحسب التوقعات الإسرائيلية التي توردها الدراسة فإنه على رغم إعلان العربية السعودية بان كل قرار بتغيير نظام سعر التبادل سيتخذ بالإجماع من الأعضاء الخمسة لمجلس التعاون الخليجي والذي لا يزال مرتبطا بالدولار، فبالتأكيد يحتمل أن تجد إحدى الأعضاء الآخرين صعوبة في الصمود في وجه الضغط الاقتصادي والسياسي الذي ينبع من التضخم المالي العالي فتقرر التراجع عن الربط بالدولار. التضخم المالي في دول الخليج الصغيرة أكثر حساسية تجاه التغييرات في سعر الدولار منه في العربية السعودية، كون نصيب استيراد منتجات الغذاء عندها أعلى. وعليه، فان النظام لا يمكنه أن يبقى غير مبال لارتفاع بعشرات في المئة في أسعار المنتجات الغذائية الأساسية.

وتشير أيضا إلى أن انخفاضا آخر في سعر الدولار سيزيد الضغط السياسي الداخلي من جانب محافل عديدة ستدعو إلى تغيير نظام سعر التبادل، ولكن في الوقت نفسه من المعقول الافتراض بان وتيرة الزيارات من المحافل الأميركية رفيعة المستوى إلى دول الخليج ستزداد أيضا كلما كان الانخفاض في الدولار أكبر.

وتخلص الدراسة الإسرائيلية إلى القول: "الشكل الذي ستتصدى له دول الخليج للضغوط السياسية المتضاربة سيؤثرعلى المدى القصيرفي قيمة الدولار وفي أداء الاقتصاد العالمي. غير أنه خلاف ذلك، فان قرار تغيير نظام سعر التبادل من جانب دول الخليج ينطوي أيضا على آثار اقتصادية وسياسية بعيدة المدى ذلك أنه كفيل بان يكون مرحلة مهمة أولى في فحص متجدد لمنظومة تسعير النفط بالدولار".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف