اقتصاد

مصرف الإنماء في حلبة الأسود

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قصي بن عبدالمحسن الخنيزي: وسط إقبال كبير منذ يوم الإثنين الماضي، يستمر الاكتتاب في مصرف الإنماء حتى نهاية الأسبوع الحالي وسط توقعات منطقية بتغطية الاكتتاب دون كثير عناء. ويهدف الطرح الأولي لمصرف الإنماء لجمع نحو 10.5 مليار ريال تمثل 70 في المائة من إجمالي رأسمال المصرف الذي يتقاسم الحصة المتبقية منه المستثمرون المؤسسون ممثلين في صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وفي نهاية اليوم الثاني للاكتتاب تجاوز عدد المكتتبين 2.054 مليون مكتتب استثمروا مبلغ 3.907 مليار ريال، أي بنسبة تغطية بلغت نحو 39 في المائة تم معظمها من خلال قنوات الاكتتاب البديلة.
وسينضم مصرف الإنماء بعد الإدراج إلى عشرة بنكوك أخرى مدرجة في قطاع المصارف والخدمات المالية في سوق الأسهم السعودية، علماً أنه سيكون البنك 22 بين مجموع البنوك المرخصة بالعمل في المملكة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، وجميع البنوك غير المدرجة هي فروع لبنوك أجنبية باستثناء البنك الأهلي التجاري الذي يملك معظمه صندوق الاستثمارات العامة. وبمعرفة خبرة القطاع المصرفي السعودي وحرفيته العالية التي أطبقت سمعتها وقدراتها آفاق القطاع المصرفي في المنطقة العربية، فمصرف الإنماء، دون ريب، سيلج إلى حلبة الأسود.
فالبنوك السعودية معروفة على صعيد الاقتصاد الوطني والإقليمي بكونها مصدرا لعنصري رأس المال والخبرات، حيث أدى تفاعل تأثير الفائض Externality Effect بمفهومه الاقتصادي في السنوات الماضية إلى استفادة القطاعات الاقتصادية الحقيقية الأخرى من تطورات القطاع المصرفي عن طريق الحصول على رأس المال بكفاءة عالية بجانب استقطاب الخبرات والكفاءات المالية والاستثمارية لمختلف العمليات في القطاعات والنشاطات الاقتصادية. وليس من المبالغة وصف القطاع المصرفي السعودي أنه مركز التدريب الأبرز بجانب "أرامكو" لإعداد الكفاءات المالية والإدارية التي استطاعت أن تحدث تغييراً وتطويراً في عدد كبير من المنشآت العاملة في الاقتصاد السعودي والإقليمي.
وبالعودة إلى مصرف الإنماء ودخوله إلى القطاع المصرفي السعودي، فهناك مصدران لنمو المصرف، أولهما نمو الاقتصاد وحجم السوق المصرفية، حيث يستفيد المصرف من توسع حجم القطاع المصرفي، وثانيهما تمكن المصرف من الاستحواذ على أجزاء من الحصص السوقية التي يسيطر عليها المنافسون حالياً. لذلك، فإن وجود مصرف الإنماء في فترة النمو التي يمر بها الاقتصاد السعودي تشكل فرصة لأخذ مكانة مميزة، كما تحتم عليه بالدرجة نفسها مواجهة التحديات الكبيرة آخذاً في الحسبان المصارف العملاقة الموجودة وحرفيتها وشراستها في المنافسة. فمن ناحية نظرية بحتة، تشكل أرباح المصارف السعودية الكبيرة عنصر جذب لدخول الكثير من المصارف والمستثمرين في قطاع المصارف والخدمات المالية للحصول على جزء من كعكة الأرباح. بيد أن النواحي النظرية البحتة قد تجانب الدقة أحياناً حين يتعلق الأمر بالتطبيق الفعلي وأخذ صفات وخصائص قطاعات معينة تكونت على مر الزمن وبتفاعل الخبرات وتوازنات قوى المنافسة مع الأنظمة والتشريعات، نظراً لكون آليات وقواعد التعامل والمنافسة يعود جزء كبير منها فعلياً إلى المنافسين المتمرسين وقدرتهم على التطوير المستمر، وأعني بهم هنا البنوك السعودية الكبيرة ذات الخبرة الطويلة.
وبتناول المصدر الثاني لنمو مصرف الإنماء، فإن هدف الاستحواذ على حصة سوقية أكبر من خلال منافسة المصارف الأخرى الفاعلة يعد تحدياً كبيراً، ولكنه غير مستحيل. فتصميم سياسات واستراتيجيات مصرفية دقيقة تركز على الشرائح المصرفية المستهدفة وتوفير قيمة مضافة للعملاء كتخفيض تكاليف القروض الإسلامية مقارنة بالقروض الإسلامية والتقليدية الأخرى التي يتم توفيرها حالياً لعملاء مصرفية الشركات وعملاء التجزئة يعد من الأدوات الرئيسة التي يجب أخذها في الحسبان عن التفكير في المنافسة بهذا الميدان. كما أن ابتكار منتجات استثمارية وإدارة أصول متوافقة مع الشريعة الإسلامية تنافس نظيراتها المقدمة من المصارف الإسلامية العالمية الأخرى، وتتفوق على منتجات البنوك التقليدية الأخرى بحسابات العائد، والمخاطرة تعد من الميادين الخصبة التي بالإمكان استغلالها والاستفادة منها.
فأمام استراتيجية مصرف الإنماء خياران يجب أن يسيرا بتواز. الأول هو المنافسة بالمنتجات والأدوات المصرفية الحالية والمتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية من خلال تخفيض الأسعار والتكلفة أمام العميل، أي تقديم المنتج نفسه بأسعار أقل. أما الخيار الثاني فهو تقديم منتجات مصرفية مبتكرة ومتوافقة مع الشريعة تغطي بعض الثغرات الناشئة وغير المتناولة بجد كمنتجات التحوط، منتجات التسنيد، ومنتجات الهيكلة التمويلية المجمعة المعتمدة على تقسيم وتوزيع المخاطر. كما أن التوسع في التمويل العقاري بما يتناسب مع نظام الرهن العقاري المزمع إشهاره في المستقبل القريب من خلال توفير منتجات عادلة بأسعار فائدة متناقصة تتناسب مع عدالة التمويل العقاري لدى مؤسسات الرهن العقاري التقليدية العالمية والإسلامية كما في ماليزيا وإندونيسيا قد يشكل فتحاً كبيراً للمصرف الواعد في سوق المنتجات المصرفية والخدمات المالية. وفي الختام، فامتياز مصرف الإنماء هو كونه المصرف الإسلامي الثالث المرخص له والذي سيتنافس مع مصرف كبير وعنيد أخذ في الاستعداد للمنافسة منذ الإعلان عن إنشاء مصرف الإنماء كـ "الراجحي" ومع آخر متوثب كـ "الجزيرة" وثالث مبتدئ كـ "البلاد" ومع مصرف رابع ضخم بالإمكان تصنيفه كمصرف شبه إسلامي هو الأهلي التجاري ومع عمالقة المصرفية التقليدية الذين أثبتوا تفوقهم في ابتكار المنتجات المصرفية الإسلامية المعقدة وغير التقليدية كالبنوك السعودية التقليدية وأذرعتها المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. بعد هذا، أليس قطاع البنوك حلبة أسود؟

* كاتب وباحث سعودي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف