د. ظفر ناصر: يجب على الدول الخليجية أن تستفيق قبل فوات الأوان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: أصبح الغلاء ظاهرة دولية ولا سيما شهدت أسعار المواد التموينية والطاقة والنفط ارتفاعًا قياسيًا لم تشهد في الماضي ما أدى إلى نشوء قلق لدى الجميع. وباتت القضية مستعصية على الحكومات. وقد تأثر بالغلاء العالم بأسره إلا أن وقعه على دول العالم الثالث أشد.
وطالما تتصنف باكستان في صفوف الدول الزراعية، فإن ارتفاع أسعار الطحين كان كارثة لها حيث ارتفع سعر كيس من الطحين بوزن 20 كيلوغرامًا من 250 روبية إلى 380 روبية في الأسواق خلال السنة الواحدة. أضف إلى ذلك أن باكستان تواجه قلة شديدة للكهرباء هذه الأيام. وقد أعلنت الحكومة أن باكستان تفتقد ثلث مجموع طلبها للكهرباء حاليًا. وبناء على ذلك تحتاج الحكومة إلى تطبيق جدول يومي لقطع الكهرباء. وآل الأمر إلى أن العاصمة الباكستانية أيضًا لا تسلم من حرمانها من الكهرباء لفترة ساعات ليلاً ونهارًا، وقس عليها المدن والأرياف.
وقد التقت (إيلاف) مع الخبير الاقتصادي مدير قسم التخطيط بوزارة العمل والموارد البشرية والباكستانيين المغتربين الدكتور ظفر معين ناصر ليسلط ضوء على الوضع الاقتصادي الراهن لمنح صورة كاملة عن الأزمات الاقتصادية الحالية. وقد اعترف الدكتور ظفر أن أزمة الطحين في البلاد نتجت عن السياسات الخاطئة لحكومة شوكت عزيز التي عملت بالإحصائيات دون اعتبار للحقيقة على أرض الواقع. كما أنه أشار إلى أن تلك الحكومة لم تتخذ أي إجراء لتلبية طلب الطاقة في البلاد على الرغم من أن اقتصاد البلاد كان يشهد نموًا بواقع 7في المئة سنويًا.
وقد تطرق الدكتور إلى الوضع الاقتصادي لدول الخليج باعتبارها جزءًا مهمًا من العالم الإسلامي ونصحها باتخاذ الإجراءات الاحتياطية قبل فوات الأوان بأن تؤسس اقتصادها على الصناعة والإنتاج بدلاً من الاستيراد والاستهلاك فقط. وقد حذر بأن فقدان النفط أو توتر بينها وبين الولايات المتحدة قد يتسبب في إصابة الحياة العادية بشلل.
وهذا نص حوار "إيلاف" مع الدكتور ظفر معين ناصر:
هل أزمة الطحين والكهرباء كانت بسبب سياسات الحكومة السابقة أم أنها بسبب افتقاد الوسائل؟
كانت إحصائيات العام الماضي تشير إلى أن محصول القمح سيكون نحو 23.5 مليون طن بينما تستهلك باكستان وأفغانستان معًا نحو 20-21 مليون طن. والحكومة أعلنت أنها ستصدر القدر الزائد من القمح عبر القطاع الخاص. وفعلاً اشترى القطاع الخاص القمح من السوق على أساس تلك الإحصائيات. وبذلك بدأت أزمة القمح تطفو على سطح الماء. فقلبت الحكومة سياستها وأعلنت استيراد 2 مليون طن من القمح وقد أذنت بتصدير 0.5 مليون طن منه.
إذن تصدق بعض التقارير التي أشارت إلى أن الحكومة اشترت الحنطة نفسهاالتي بيعت بأسعار رخيصة بأسعار غالية؟
نعم. مع الأسف هذا ما حدث فعلاً؛ لأن المحتكرين اشتروا القمح من السوق الحرة وباعوها بأسعار غالية. وقد خسرت الحكومة في تلك المساومة 40 بليون روبية.
وهل لهذه الأزمة أبعاد أخرى أيضًا؟
نعم هناك أسباب أخرى أيضًا مثلاً، استخدام الحبوب لإنتاج الوقود من جانب الولايات المتحدة وبرازيل وبعض الدول الراقية الأخرى. وذلك ما أدى إلى تضييق مساحة زراعة القمح لتوسيع مساحة المحاصيل التي تستخدم في إنتاج الوقود.
كما أن أسعار القمح كانت منخفضة في باكستان ما دفعت النفعيين على شرائه من الأسواق المحلية وتصديره إلى الخارج بأسعار مرتفعة. وقد اتخذت الحكومة الباكستانية إجراءات مشددة لتوفير الطحين للشعب؛ لكن على الرغم من كل تلك الجهود يمكن القول بأن السياسات الخاطئة وسوء الإدارة والوضع الدولي كلها لعبت دورها في إنشاء تلك الأزمة.
هل يعني ذلك أن سياسات حكومة شوكت عزيز كانت فاشلة 100في المئة كما يقول بعضهم. وقد استدعاه الرئيس مشرف الذي عينه رئيسًا للوزراء ليعود إلى باكستان ليدافع عن نفسه ضد الاتهامات التي وجهت إليه بعد مغادرته البلاد قبيل الانتخابات الأخيرة؟
لا ذلك ليس بصحيح، لا تكون السياسات لشوكت عزيز أو لأحد آخر، بل هناك عوامل أخرى سياسية أيضًا؛ لأن حزب الرابطة جناح القائد الأعظم لم يكن يريد شوكت عزيز. وبناء على ذلك بدأ رئيس حكومة إقليم البنجاب السابق شودري برويز إلهي يتهم شوكت عزيز بوضع سياسات فاشلة؛ لكني أرى أن قلة الكهرباء فشل لسياسات شوكت عزيز؛ لأنه لم يقدر على توليد وحدة واحدة من الكهرباء خلال تلك السنوات على الرغم من أن الاقتصاد كان ينمو بواقع 7في المئة.
سمعنا الكثير عن الاستثمار في زمن شوكت عزيز. كيف تقدر تلك الاستثمارات؟
كانت الاستثمارات في معظمها في قطاع الخدمات ولم تكن في قطاع الزراعة أو الصناعة. وبناء على ذلك لم تكشف عن أي نتائج ملموسة على اقتصاد البلاد؛ لأن الاستثمار إذا كان في " الحقول الخضراء " يوفر فرص عمل ويقلل من البطالة.
ماذا لدى الحكومة للخروج من أزمة الطاقة؟
إضافة إلى إجراءات لترشيد استهلاك الكهرباء تخطط الحكومة لتوليد 2000 ميغا وات من الطاقة بالفحم إلى عام 2009م ولديها برنامج لرفع مستوى التوليد إلى 5000 ميغا وات خلال سنتين وتوليد 20,000 ميغا وات منها إلى نهاية السنوات الخمسة القادمة؛ لكنني أرى أن تلك المشاريع لا تمثل الحل، بل تحتاج الحكومة إلى العمل على المشاريع العملاقة للطاقة.
كيف ترى الفرق بين الطبقات المختلفة من المجتمع في الوقت الراهن؟
صدقوني الوضع خطر جدًا، فالفرق بين الأطياف المختلفة من المجتمع يزداد مع كل يوم يمضي، وبالتالي فإن الفقر كاد يقتل الناس. وأرى أن ذلك الأمر خطر على سلامة المجتمع؛ لأن المواطن الذي يحرم لقمة العيش عندما يراني وأحظى بما يقيني من الحرارة والبرودة أجلس في مكتب مؤثث محترم وأستقل سيارة فخمة، ماذا سيخلد في باله؟ طبعًا هو سيحاول سلب ما يستطيع مني ليعيش مكرمًا، ومثل هذه الأوضاع تؤدي إلى التمرد. يجب معالجة الوضع قبل أن يتفاقم إلى درجة لن يكون تحت سيطرة لأحد.
هل ترى أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية بسبب تراجع الدولار أم له سبب آخر؟
طبعًا إن ازدياد طلب النفط على المستوى الدولي سبب آخر لارتفاع أسعار النفط مثلاً إن طلب الهند والصين وبعض الدول الأخرى التي تشهد نموًا اقتصاديًا سريعًا، ازداد ما يحتاج إلى كمية هائلة من النفط. وهذا ما أثر على أسعار النفط في السوق الدولية.
يقول بعضهم إن سياسات كثيرة من الدول النامية إزاء الاستثمارات غير مفيدة، ولا سيما الدول الخليجية التي تصدر النفط للعالم تستثمر في قطاع العقارات أو في مجالات أخرى لكنها لا تركز على قطاع الصناعة والزراعة بأسلوب يليق بها. كيف تقيم هذا الوضع بعين خبير اقتصادي؟
أرى أن الأسلوب الذي يتم به صرف الأموال في الدول الخليجية خاطئ إلى درجة لا أجد كلمة للتعبير عنه. وأخشى لا قدر الله لو فقدت تلك الدول النفط ستصبح أفقر دول العالم. وما يزيد الطين بلة أن المبالغ التي يكسبونها من النفط يضعونها في البنوك الغربية والأميركية. ولا سمح الله لو تتوتر العلاقات بينها وبين الغرب فإنها ستجمد تلك الأموال الهائلة، ولن يقدروا على سحب شيء منها. وقد آن الأوان لتلك الدول أن تستفيق من الغفوة وتثقف شعوبها وتستثمر في قطاع الصناعة تفاديًا لذلك اليوم المظلم.
وقد ربحت السعودية لوحدها 250 بليون دولار العام الماضي فقط، وسيوضع ذلك المبلغ الهائل في البنوك الأميركية. ومن المثير أن العرب لا يأخذون الأرباح من تلك البنوك. ولو أخذوها وأعطوها للدول الفقيرة لاستفادت منها أو لو وضعوها في بنوك تلك الدول لربحت. وأمر آخر أنهم يفضلون الغربيين في الوظائف أيضًا. مثلاً يرضون أن يعطوا الغربي 25,000 دولار شهريًا؛ لكن لو قام باكستاني أو أحد غيره لا يرضون بمنحه حتى 5,000 دولار مقابل العمل نفسهالذي يقوم به الغربي. ويجب عليهم الآن أن يدركوا الأوضاع المتغيرة ويغيروا سياساتهم أيضًا لنتقدم إلى الأمام كأمة واحدة ولا نكون فقط المستهلكين للأغراض التي ينتجها غيرنا.
وما رأيكم عن الاستثمارات الخليجية في باكستان؟
جاءت بعض الشركات الخليجية هنا واشترت شركة الاتصالات الباكستانية. كما أنها افتتحت شركة جديدة للهاتف الجوال أيضًا؛ لكن أرى أنها لم تقم بخدمة كبيرة بذلك لأن البنية التحتية كانت توجد من قبل فقد قامت بتغيير الأسماء فقط. وبدلا من هذا لو أنشأت مصنعًا للجوالات لربحت الكثير، وبالتالي لتوفرت فرص عمل كثيرة. وزاد من دخل الناس وقلت البطالة.
وهل الاستثمار في الفنادق في باكستان عادت بالفوائد التي أشرتم إليها الآن؟
الاستثمار في قطاع الفنادق شيء يحبذ؛ لكن ينبغي أن يتم فيه استخدام المواد المحلية؛ لأنه لو تم استخدام المواد المستوردة ستتوجه الأموال إلى الخارج. وللأسف الشديد لم تعد الاستثمارات في الفنداق بتلك الفوائد إذ تم استقدام العمال أيضًا من بنغلاديش وماليزيا. وأرى أن بعض المسؤولية تقع على عاتق الحكومة أيضًا؛ لأنه ليس لديها سياسة واضحة إزاء هذه الأمور.
وأين ستذهب المساعدات الأميركية التي أعلنت عنها تشجيعا للحكومة الديمقراطية الجديدة؟ وهل تلك المساعدات ستترك أثرًا على الاقتصاد الباكستاني؟
وماذا حدث للاقتصاد الباكستاني بسبب الـ 50 بليونا التي منحت قبل؟ لم تترك تلك المساعدات أي أثر على حياة المواطن العادي. وهو لا يزال يعاني من الفقر والبطالة.وماذا يمكن أن يحدث إذ تنعقد المؤتمرات عن القضاء على الفقر في فندق " سيرينا" - فندق خمسة نجوم- ؟!