أسعار النفط في تصاعد عمودي ولا حدود للارتفاع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إعداد: رزان عدنان
قد يصل سعر النفط قريبا الى 200 دولار او اكثر للبرميل الواحد، وذلك بحسب توقعات وزير النفط الليبي شكري غانم، وربما لو جاءت هذه التصريحات قبل اعوام قليلة ماضية، لكانت ضرباً من العبث. الا ان الاسعار تضاعفت في العام الماضي وارتفعت بنسبة 40 في المائة هذا العام وحده، كما سجلت الاسعار ارقاماً قياسية، اذ وصل البرميل الواحد الى اكثر من 135 دولاراً، ويبدو ان هذه الاحداث الدراماتيكية اصبحت واقعاً لا مفر منه، والدافع الفوري للارتفاع الاخير في اسعار النفط يبدو انه كان عبارة عن هبوط غير متوقع في المخزون النفطي الاميركي. والمعروض من البترول وانواع اخرى من الوقود المكرر اعلى من المتوسط بقليل، ومع هبوط الطلب على النفط والبترول في اميركا، فان هبوط الاسهم فيها ايضا ليس مدعاة للقلق.
وتلقي التصريحات الاخيرة للوزيرالليبي باللوم على المضاربين الذين يستثمرون بشكل كبير في مستقبل النفط. ويشارك الكثيرون وجهة نظر غانم، اذ يشير السيناتور الاميركي جو ليبيرمان الى ان قيمة الصناديق الاستثمارية التي تهدف الى اقتفاء اسعار النفط والمواد الاولية الاخرى، قد ارتفعت من 13 ملياراً الى 260 مليار دولار في الاعوام الخمسة الماضية. ويلقي السيناتور باللوم على المضاربين لتسببهم بشكل كبير في ارتفاع مؤشر اسعار السلع، هذا، ويشعر السيناتور وزملاؤه بالقلق وهم يفكرون ملياً في معايير لكبح حجم التجار. الا ان بعض المصرفيين يقرون بالقول ان المضاربة تؤثر على زيادة الاسعار.
ومن حيث النظرية الاقتصادية، فان التجار قد يشعرون بالقلق كثيرا حيال المستقبل. اذ يدفعون اسعار النفط نحو المزيد من ارتفاع، ولهذا فقد يصل سعر برميل النفط الى اكثر من 145 دولاراً في عام 2016.
ولعل الدافع الاساسي لهؤلاء التجار هو واقع العرض والطلب وليس المضاربة المتهورة بحد ذاتها. ويشهد ناتج دول كبيرة عدة مصدرة للنفط انخفاضاً مثل روسيا والمكسيك وفنزويلا، الا انه ولا واحدة من هذه البلدان سمحت للمستثمرين الاجانب بدخول اراضيها من دون تقييد لتطوير الحقول النفطية الجديدة وزيادة الانتاج من الحقول الموجودة حاليا. هذا ولا تتيح الكثير من من المناطق الواعدة مثل السعودية والعراق وإيران فرصة الاستكشاف امام شركات النفط الغربية.
ومما يزيد الامر سوءا، هو تكلفة تطوير الحقول الجديدة والتي ترتفع بسرعة ارتفاع اسعار النفط، وتقول هيئة كامبريدج لبحوث الطاقة، وهي شركة استشارية، ان اسعار التكلفة تضاعفت منذ عام 2000. وتشير هذه الامور جميعها الى ان انتاج النفط العالمي ينمو بشكل بطيء.
وفي غضون ذلك، يستمر الطلب بالازدياد، ويعود الفضل في ذلك الى الاستهلاك الهائل للنفط في الدول المتقدمة السريعة النمو مثل الصين والهند. وعوضا عن القاء اللوم على المضاربين، ربما يجب على ليبرمان وغانم وقادة الدول الغنية بالنفط السماح لشركات النفط الاجنبية بدخول قطاعاتها النفطية والحصول على عقود لتطوير حقولها بطريقة أكبر.
العراق
يعيش سوق النفط العالمي على وقع مخاطر ازمة العرض الذي يشكل عاملا حاسما في الزيادة الاخيرة لأسعار النفط، حيث وصلت مستويات الاسعار الجديدة الى 135 دولارا للبرميل. هذا وتقوم السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم بما وسعها لضخ النفط، لكن من المعروف ان الطاقة الحالية من مشاريع حقول النفط ستصل الى اوجها في عام 2013، مما يعني ان المملكة ستصل الى ذروة طاقتها النفطية بعد هذا التاريخ ولن يكون بوسعها الانتاج بمستوى اعلى.
وينطبق الامر هذا على كثير من الدول المنتجة للنفط الرئيسية، فيما عدا العراق، الذي يعد استثناء مهما، حيث تبلغ نسبة احتياطياته المؤكدة من النفط 10 في المائة من اجمالي الاحتياطي العالمي، الا ان انتاجها لا يشكل سوى 2,5 في المائة فقط من اجمالي الانتاج. ويملك العراق القدرة على توفير حل لفترة طويلة لمشكلة العرض في سوق النفط على المدى الطويل، لكنه يحتاج الى تعزيز ادائه الحالي بشكل دراماتيكي لكي يقنع المشترين بأنه قادر على توفير النفط وقت الطلب، ولو كان التاريخ منصفا مع العراق، لكان اليوم ينتج بمستوى مقارب لانتاج السعودية. الا انه عاش ثلاث حروب و13 عاما من العقوبات وخمسة اعوام من الصراع الداخلي مما اودى بالبنية التحتية ورأس المال البشري العراقي.
ومع ذلك، لا يخلو تاريخ العراق من فترات الازدهار النفطي، اذ وصل الانتاج النفطي الى اكثر من 3,5 ملايين برميل يوميا في عام 1980 في الفترة التي سبقت الحرب العراقية الايرانية، الا ان هذا المستوى وصل الى اقل من نصف المتوسط خلال الحرب التي دامت ثماني سنوات.ثم عاد العراق في عام 1990، ليعيش انتاجا مزدهرا من النفط وصل الى 3,5 ملايين برميل يوميا، سرعان ما انخفض بسبب الغزو العراقي للكويت، وما تلاه من فرض عقوبات عليه اثرت على صادراته وانتاجه.وقبل نحو خمس سنوات من الغزو الاميركي للعراق في عام 2003، سمح نظام العقوبات المفروض على العراق تدريجيا بتصدير كميات اكبر من النفط، ووصل الانتاج الى اكثر من 2,5 مليون برميل يوميا.
الاحتياطي العراقي
واستمر التقلب في الإنتاج حتى ما بعد فترة حكم صدام حسين، على الرغم من أن متوسط مستوى الإنتاج عادة ما يكون أقل من 2 مليون برميل يومياً، وزاد عن هذا المستوى لأول مرة في نهاية العام الماضي. وتعرضت من جانبها عمليات التشغيل لأحداث تخريب باستمرار بدءاً من تفجير أنابيب النفط وصولاً إلى قتل العاملين في مجال النفط. علاوة على المنافسة بين الفصائل السياسية للتأثير على كل مستوى في الصناعة، إضافة إلى الفساد المنتشر، الأمر الذي لم يهيء ظروفاً مناسبة لإحياء الصناعة.
لكن يبدو الآن أن الأمور تسير باتجاه التغيير. إذ صرح نائب وزير النفط العراقي برهام صالح في أبريل الماضي ان إجمالي احتياطي العراق من النفط قد يكون أكثر من 350 مليار برميل من النفط، وهذا الرقم أعلى ثلاث مرات من المستوى الذي صرح به المسؤولون العراقيون لسنوات عدة، والذي يبلغ 115 مليار برميل. ويبعث الرقم الجديد على الحياة، لكن يجب التعامل معه بحذر، لأن العراق لم يشهد استكشافات جديدة في ثلاثين عاماً.
وفي حال كان العراق قادراً على إنجاز متوسط معدل الاحتياط إلى الإنتاج في الشرق الأوسط لثمانين عاماً، فإنها قد تضخ 4 ملايين برميل يومياً بالاعتماد على الاحتياطات الحالية، و12 مليون برميل يومياً بالاستناد إلى تقديرات صالح المتفائلة. وإذا حصل وأنتج العراق 4 ملايي برميلن من النفط يومياً، فإن الأمر سيأخذ وقتاً، حوالي خمس سنوات، وربما أكثر من 20 عاماً وفق أكثر المستويات تفاؤلاً. وسيتطلب الأمر من العراق إنجاز درجات عالية من الاستقرار. على أي حال، وفي حال كانت هناك بوادر مبشرة بالتقدم على مدى الأشهر الثمانية عشر المقبلة، فمن الممكن أن تكون كافية لتقليص المخاوف من نقص المعروض من النفط في العقد المقبل.
في غضون هذا، أعلن وزير النفط العراقي عن خطط في يناير الماضي عبارة عن سلسلة من العقود والاتفاقيات الخدمية التقنية لمدة عامين لتحديث حقول النفط الخمسة الموجودة لتصل طاقتها إلى 100 ألف برميل يومياً لكل واحد منها. وعلى الرغم من أنه لايزال أمام العراق الكثير، إلا أن عام 2008، ربما يكون بداية انتعاش الصناعة النفطية في البلاد، وحتى يعترف السوق بهذا، سوف يستغرق الأمر فترة من الزمن للتخفيف من حدة ارتفاع أسعار النفط.