براءة النفط من التضخم العالمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فهد إبراهيم الشثري
يتهم الكثير من السياسيين والاقتصاديين في الدول الغربية دول "أوبك" أنها سبب رئيس لتزايد التضخم العالمي بسبب تحكمها في المعروض من النفط في الأسواق العالمية. لذلك فحسب رأيهم، أن هذا التحكم يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط ومن ثم ارتفاع تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم، ومن ثم زيادة تكاليف الغذاء، وتقويض التنمية وجهود محاربة الفقر في الدول النامية. وحالياً، تشن حملة شعواء في الصحافة والمدونات والقنوات الغربية بسبب هذا الارتفاع في محاولة للضغط على "أوبك" لزيادة المعروض من الإنتاج، خصوصاً بعد الرحلة التي قام بها بوش للمملكة وحصل بها على تعهد سعودي بزيادة الإنتاج في حال وجود مشترين أي في حالة توافر طلب فعلي. وعلى الرغم من أنني لست متفائلاً بما سيكون عليه وضع الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع أسعار النفط لهذه المستويات القياسية، لكن صب الاتهام على النفط وتحميل دول "أوبك" وعلى رأسها السعودية مسؤولية هذا الارتفاع ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وتحميل المملكة ودول "الأوبك" نتائج الأخطاء سواءً في مجال السياسة الخارجية أو مجال السياسة الاقتصادية للدول الغربية.
فالمملكة ودول "أوبك" لم تقرر أمر الحرب في العراق التي أدت إلى زيادة مخاطر تصدير النفط بشكل كبير، ما يسهم في زيادة العائد المطلوب على الاستثمار في هذا القطاع، بل الولايات المتحدة وحدها من قرر أمر الحرب وبالتالي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الارتفاع الحاصل في أسعار النفط. إذ إن كل عارف لمبادئ الاقتصاد والتمويل وآلية عمل الأسواق المالية يعلم أن المخاطر لا تقدم بالمجان، بل إن كل مخاطر برأسماله يطلب تعويضاً عن تلك المخاطر يتمثل في زيادة العائد. وبالتالي فإنه كلما زادت المخاطر ارتفع العائد المطلوب على ذلك. لذلك فإن المضاربين على النفط في الأسواق الغربية نفسها يطالبون الآن بعائد أعلى من أي وقت مضى على النفط بسبب زيادة مخاطر الاستثمار فيه. وما هذه الزيادة في المخاطر إلا نتيجة مباشرة للسياسات الخارجية الغربية في منطقة الشرق الأوسط، التي أدت إلى عدم الاستقرار الذي تشهده المنطقة. لذلك فمن المهم للحصول على نفط رخيص تبني سياسات عادلة تهدف إلى تهدئة الوضع و تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ثانياً من العوامل التي تؤدي إلى الارتفاع المحموم في أسعار النفط سياسة الدولار الرخيص التي تتبعها الولايات المتحدة. وبحكم أن النفط مسعر بالدولار، مما يمثل فائدة كبيرة للاقتصاد الأمريكي، فإن انخفاض الدولار سيتطلب تعويض ذلك بارتفاع السلع المسعرة بالدولار والنفط واحد من هذه السلع. ومن حق الدول المنتجة التعويض عن الانخفاض في قيمة النفط نتيجة لسياسة نقدية مالية تقرر في واشنطن أن يقرروا الوسيلة التي يحافظ بها هؤلاء المنتجون على أسعار المورد الرئيس للدخل في دولهم. أي أن من يهاجم سياسات "أوبك" ويتهمها بالتلاعب في الأسعار يتناسى أن أمريكا نفسها تتلاعب بالدولار بجعله رخيصاً لتخفيض قيمة الأصول الأجنبية المملوكة لدول مثل الصين واليابان ودول الخليج من جهة، ولزيادة جاذبية منتجاتها بجعلها رخيصة بشكل مصطنع لتعديل أوضاع الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري لها. فهل دول "أوبك" مسؤولة عن عجز الحساب الجاري الأمريكي، الذي جاء تلبية لرغبات الاستهلاك المتزايدة للمستهلك الأمريكي.
ثالثاً السياسة اللامسؤولة للتوسع الائتماني في الولايات المتحدة وأوروبا هي ما جر العالم إلى الأزمة الاقتصادية الحالية، ولم تكن دول "الأوبك" وراءها، فلماذا يلامون عليها الآن. التوسع الائتماني سواءً في مجال الرهن العقاري أو في مجال الاستهلاك جاء دون ضوابط تحكمها، ولإشباع نهم البنوك الاستثمارية إلى أرباح سهلة ولإشباع نهم المستهلك الغربي وتحقيق رغبات لا تمثل حاجات أساسية له، فهل "أوبك" قررت سياسات منح الائتمان تلك. في الولايات المتحدة يحمل كل فرد في المتوسط 14 بطاقة ائتمان، وإذا رغبت في المزيد فستجد من يمنحك. علاوة على ذلك، فإن التوسع في منح قروض الرهن العقاري بلغ درجة منح القرض لضعيفي الملاءة الائتمانية دون دفعة مقدمة. كل ذلك لإشباع الرغبات الاستهلاكية المتزايدة لدى المستهلك الغربي الذي يستهلك النسبة الكبرى من إنتاج النفط في العالم، فهل هذه مشكلة "أوبك" أم مشكلة السياسة الاقتصادية الغربية؟
رابعاً تعد سياسات الدعم الزراعي التي تهدف إلى حماية المنتجين الزراعيين في كل من أوروبا وأمريكا سبباً رئيساً مباشراً في ارتفاع أسعار الغذاء. إذ إنها من جانب حدت من المعروض الذي يعكس القدرة الإنتاجية في تلك الدول بهدف المحافظة على الأسعار، ما أسهم في إغراق أسواق الدول الفقيرة بالمنتجات المدعومة، وأسهم بالتالي في انخفاض الإنتاج الزراعي في تلك الدول. ومن ناحية أخرى أسهم الدعم في تشجيع الاستفادة من المنتجات الزراعية المدعومة في إنتاج الوقود الحيوي الذي أدى بالتالي إلى نقص في المعروض الغذائي في العالم بالتالي في ارتفاع تكاليفه عالمياً، فهل أوبك مسؤولة عن ذلك أيضاً. إن محاولة إلصاق التهمة بـ "أوبك" واختزال مشكلات الاقتصاد العالمي في ارتفاع أسعار النفط ما هو إلا محاولة لذر الرماد في العيون، وإبعاد التهمة عن المتسبب الحقيقي في ذلك، وهو السياسات الخارجية والاقتصادية غير العادلة للدول الغربية، التي تحتاج إلى مراجعة حقيقية على مبدأ أحقية ممارسة كل دولة ما تراه ملائماً لرفاهية شعوبها.