اتقاء الخسائر في السوق المالي يتطلب ثمناً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله ناصر الفوزان
في مقال عنوانه (سياسة القطيع) طرح المحرر الاقتصادي في "الوطن" الزميل عدنان جابر يوم أمس الأحد 13/7/2008 سؤالاً هاماً الإجابة عليه توضح كيف يمكن للمستثمر في السوق المالي أن يتعامل معه بنجاح فيسلم من شره ويستفيد من خيره، وتوضح الإجابة أيضاً كيف أن المكاسب واتقاء الخسائر لا يحصلان هكذا بسهولة بل يتطلبان ثمناً لا بد من دفعه.
الأخ عدنان قال "إن إحدى شركات السوق (وقد سماها) قد أعلنت عن مركزها المالي للنصف الأول من العام الحالي وقال إنه لاحظ أن مركزها المالي هذا قد نما بنسبة 200% عن مركزها في النصف الأول من العام السابق ومع ذلك لم يتفاعل السوق مع هذا النمو الكبير تفاعلاً إيجابيا، إذ لم يرتفع سعر سهم الشركة خلال ساعات التداول بل على العكس مال إلى الانخفاض، وقد استغرب الأخ عدنان كثيراً وعزا السبب إلى سياسة القطيع.
وأقول إن عدم ارتفاع سعر سهم الشركة مع حصول هذا النمو الكبير لا يعود إلى سياسة القطيع كما قال الأخ عدنان (وإن كانت سياسة القطيع موجودة في السوق) ولكن يعود لأسباب منطقية تتمشى مع الأسس والمعايير السليمة لحركة أسعار الأسهم في السوق.
ولكي يتضح هذا أقول إن التعامل في السوق بنجاح يتطلب القراءة السليمة للمراكز المالية ربع السنوية، وحتى تكون القراءات سليمة ينبغي ألا ينظر المستثمر فقط إلى الحالة الراهنة وإنما لا بد من النظر للحالتين التاريخية والمستقبلية، فالقاعدة السليمة أن خيار الشراء يكون سليماً عندما يتضح من المركز المالي الجديد ومجمل خلفياته أن عائد السهم وفق سعره السوقي أكثر من العائد الذي يوفره السوق، والعكس بالعكس، والتوصل إلى هذه المعلومة لا يمكن أن يحصل إلا بقراءة المركز القراءة السليمة والتي قلنا إنها، أي القراءة السليمة ينبغي أن تنظر للماضي والمستقبل أي إلى التطورات السابقة والمتوقعة بناء على المعلومات المتوفرة.
ولتطبيق ذلك على الواقع أقول إن الشركة التي أثارت دهشة الأخ عدنان وطرح سؤاله الاستنكاري عنها كانت منذ عام يتم تداولها في السوق بسعر يقل عن نصف سعرها الحالي، وأعلنت إدارة الشركة عن تغييرات هيكلية قامت وستقوم بها تتلخص في التخلص من بعض أصولها التي ليس فقط لا تحقق أرباحاً للشركة بل تكبدها خسائر، وبدأت تبيع تلك الأصول بمبالغ أكثر من تكلفتها على الشركة فحصلت ثلاثة أمور إيجابية.. الأول تحقيق بعض الأرباح. الثاني توفير سيولة تمويل التوسعات في المجالات المربحة. والثالث وهذا هو المهم التخلص من الخسائر التي تتكبدها الأنشطة القائمة على تلك الأصول والتي تأخذ جزءاً كبيراً من أرباح الشركة.
ومنذ ذلك الوقت.. ونتيجة للقراءة المستقبلية للذين يهتمون بسهمها بدأ سعر السهم يحقق ارتفاعات جيدة بلغت مع بداية الربع الأول من هذا العام ما يقارب 70% ليس بسبب تطور فعلي ملحوظ في الأرباح يبرر ارتفاع السعر ولكن بسبب توقع ما ستكون عليه الأرباح مستقبلاً عندما يتم التخلص من كافة الأصول الخاسرة أو عندما أيضاً تكتمل أعمال التوسعات التي أعلنت عنها الشركة.
في نهاية الربع الأول من العام الحالي بدأت الآثار الإيجابية المتوقعة من عملية الهيكلة التي أشرت إليها تتحقق، فأعلنت الشركة عن أرباح تدعم ذلك التوجه، فواصل سعر سهم الشركة ارتفاعه ليس لأن العائد الذي يتحقق من معدل تلك الأرباح يبرر الارتفاع ولكن لأن مجمل ما حصل يعطي انطباعاً قوياً بأن أرباح الشركة ستواصل ارتفاعها وتحقق معدلات جيدة. ومن واقع القراءة المستقبلية لتلك المعدلات واصل سعر السهم ارتفاعه.
وقد حققت الشركة ربحاً جيداً في الشهر الأول من الربع الثاني فلم تنتظر الشركة انتهاء الربع بكامله لتعلن عن مجمل أرباح الربع كما هو المتبع بل وجدت فيما يبدو أن متطلبات الشفافية تقتضي أن تعلن عن ربحها للشهر الأول، وقد أعلنت بالفعل عن ربح ذلك الشهر بطريقة استثنائية، وكان الربح كبيراً، وقد قرأ السوق من إعلان الشركة أن ذلك الربح سيكون معدل ربحها في الربع بكامله أي (ربح الشهر الأول مضروباً في ثلاثة أشهر) ولذلك ارتفع السعر، وعندما اقترب موعد الإعلان عن أرباح الربع ارتفع السعر أيضاً توقعاً لمركز قوي، ثم أعلنت الشركة عن ربح الربع الثاني الذي اتضح منه أنه لا ينسجم مع المعدل الذي تم أخذه السوق في الاعتبار عندما أعلنت الشركة عن أرباح الشهر الأول، إذ اتضح أن أرباح كل واحد من الشهرين الأخيرين تقارب 50% فقط من أرباح الشهر الأول، ونتيجة لذلك لم يرتفع السعر بل مال إلى الانخفاض.
ونخلص من كل هذا إلى أن عدم تفاعل السوق مع نتائج مركز الشركة في الربع الثاني ليس بسبب سياسة القطيع كما قال الأخ عدنان بل لأن تلك الزيادة أصلاً محسوبة في السعر خلال الأشهر الماضية، بل كانت أقل من المتوقع نتيجة للقراءة المستقبلية ولذلك حصل التراخي في السعر بعد الإعلان عن المركز.
ما معنى ما حصل..؟؟ معناه أن هناك متعاملين يتابعون التطورات الحاصلة في تلك الشركة ويتعاملون مع سهمها بيعاً وشراءً نتيجة لقراءاتهم المستقبلية والنتائج المعلنة التي تدعم تلك القراءة أو تؤثر فيها.. ولا يعني هذا أن سعر سهمها لن يرتفع أو لن يواصل انخفاضه، فكل هذه الأمور قد تحصل نتيجة القراءة الأعمق ونتيجة أعمال المضاربة التي لا بد أولاً أن تتخلص من العمليات المبنية على قراءة المركز المعلن ثم بعد ذلك حين تخف ردود الفعل يمكن التصرف.
هل هذه عملية معقدة وتتطلب وقتاً وجهداً..؟؟ نعم.. ولكن هي ثمن لابد من دفعه لمن أراد أن تكون حركاته في السوق مبنية على أسس سليمة تجنبه الخسائر والمصائب.. فلا بد أن تُقْرَأ المراكز المالية قراءة سليمة.. ولكي تحصل القراءة السليمة لابد أن يكون الماضي والمستقبل حاضراً أثناء القراءة.
لقد وجدت في الإجابة على سؤال الأخ عدنان فرصة للقول إن السوق المالية هي مثل أي نشاط آخر، النجاح فيها يتطلب جهداً كبيراً ومتابعة مستمرة وتحضيراً جيداً، أما من لا يريد أن يكلف نفسه، ويريد أن يتعامل مع السوق مثل تعامل لاعبي (البلاك جاك) أي بطريقة المضاربة السريعة مع الأطراف القوية في السوق وفق معايير التحليل الفني الذي يستخدمه الكبار لصالحهم، فينبغي أن يعرفوا أنه مهما ربحوا في عملية أو اثنتين فلا بد أن يخسروا في المجمل النهائي لعملياتهم.. وهذا أثناء الأوضاع العادية.. أما أثناء العواصف فعليهم أن يعلموا أنهم عرضة للكوارث الكبيرة.
باختصار.. ليس هناك شيء دون ثمن.. فادفع الثمن إذا كنت تريد النجاح.