اقتصاد

هفوات التقييم الائتماني تفاقم المشكلات الاقتصادية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إعداد حاتم حسين: على امتداد السنوات القليلة الماضية، زاد الاهتمام بشركات التقييم الائتماني بشكل كبير في ضوء تفاقم المخاطر المالية والاستثمارية حول العالم، وأضحى لشركات التقييم الاستثماري الرئيسية في العالم وهي ثلاث: موديز وستاندارد أند بورز وفيتش وجود قوي للغاية على الساحة الاقتصادية العالمية، وباتت تلعب دورا متنامي الأهمية في تحديد توجهات السوق ونشاط المستثمرين وأساليب إدارتهم لأعمالهم. وأضحت التقييمات التي تصدرها هذه الشركات محط اهتمام الحكومات وشركات الاستثمار وأصحاب الأسهم في كل مكان.


غير أن علامات الاستفهام التي أثيرت مؤخرا حول أنظمة تقييم أشهر هذه الشركات، وهي شركة موديز، قد ولّدت بعض المخاوف، لاسيما وأنها تأتي في وقت يمر به الاقتصاد العالمي بمرحلة حرجة للغاية، على صعيد الأسهم والسندات والأوراق المالية، وفي ظل فترات الهبوط والصعود التي تمر بها البورصات العالمية، ناهيك عن حالات التضخم وعدم الشفافية المستشرية بشكل ملحوظ في معظم بلدان العالم.


ما حدث في وكالة موديز مؤخرا لا يجب أن يمر مرور الكرام لاسيما في ضوء الدور الكبير الذي تلعبه تقييمات الشركة، بما لها من صيت واسع، في تحديد اتجاه الأسواق المالية وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وما تمثله هذه الاستثمارات من أهمية متصاعدة لاقتصاد أي دولة.


قصة موديز، بشكل مبسط دون التطرق إلى تفاصيل مالية معقدة قد يسأمها القارئ، بدأت عندما نشرت "فينانشال تايمز" خبرا يفيد أن أعضاء لجنة تقييم رئيسية في الشركة العملاقة قد أخلّوا بمعايير عمل الشركة الداخلية الخاصة بتقييم أوراق مالية بقيمة مليار دولار بسبب خطأ في أجهزة كمبيوتر الشركة، حيث منحت موديز تقييم "AAA"الممتاز إلى نوع من سندات الدين على الرغم مما كانت تنطوي عليه تلك السندات من مخاطر.


وبعد كشف الصحيفة البريطانية للخطأ واعتراف موديز به- بدليل قيامها باستقدام شركة استشارات قانونية خارجية، وهي شركة سوليفان أند كرومويل، لفحص أنظمتها الداخلية وذلك في عام 2007- إلا أن الشركة أبقت على التقييم ذاته منذ مطلع العام الجاري، الأمر الذي تسبب في خسائر لبعض المستثمرين في هذا النوع من الصكوك وصلت إلى ما نسبته 60% من حجم رؤوس أموالهم. وبعد هذه الخسارة، أصدرت شركة التقييم العالمية بيانا قالت فيه إن بعضاً من "أعضاء لجنة تقييم صكوك الديون لديها قد انخرطوا في سلوك مناف لميثاق الشرف الذي تعمل بموجبه موديز".


وترتب على هذا الإعلان استغناء "موديز" مؤخرا عن خدمات "نويل كيرنون"، رئيس وحدة الأنشطة المالية المهيكلة لديها، وعزمها على إعادة تشكيل عدد من لجان الشركة بما "يضمن عدم تكرار مثل هذا الخطأ ثانية"، بحسب ما جاء في البيان.


وفي الوقت نفسه أكدت الشركة أنه لا يوجد هناك دليل على أن أيا من مسؤولي الشركة قد تعمد التلاعب بالتقييم الذي أصدرته الشركة في ذلك الشأن. وقال ريموند ماكدانييل، الرئيس التنفيذي للشركة: "حالة كبيرة من الإحباط تسيطر على كل مسؤولي الشركة بسبب ما وقع من خطأ. فسلامة عملياتنا التقييمية تعد أمرا حيويا للقيم المتبعة لدى موديز منذ تأسيسها حتى الآن. نحن بصدد اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لمعالجة ما استجد من ثغرات في نظام تقييمنا". وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية لصناعة التقييم المالي والائتماني.


فخلال العقد الماضي قفزت إيرادات الشركات الثلاث الكبرى-موديز وفيتش وستاندارد أند بورز- إلى معدلات قياسية بسبب الاهتمام العالمي المتصاعد بالمنتجات الائتمانية المركبة. وخلال الشهور الماضية أيضا تسبب قيام الشركات الثلاث بخفض تقييم ديون بقيمة مئات المليارات في خسائر قياسية للمستثمرين.


كل هذه التطورات لا ريب أنها تفرض مزيدا من علامات الاستفهام ليس حول شركة موديز وحدها، لاسيما وأنها لم تكن وحدها التي أصدرت تقييمات خاطئة، فقد حصل الأمر نفسه مع شركة ستاندارد أند بورز، وإنما حول القائمين على صناعة التقييم الائتماني ككل. فموديز على سبيل المثال تلعب دورا متناميا في تحديد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مناطق عديدة في العالم، ومنها منطقة الخليج. وجاء انضمامها لمركز دبي المالي العالمي مؤخرا ليؤكد اهتمامها ودورها المتنامي في المنطقة.


مثل هذه الأخطاء لا شك أنها يجب أن تُقابل بمزيد من التحري والدقة من جانب الجهات التي تعتمد عليها في تحديد وجهتها الاستثمارية. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن النقد العنيف الذي واجهته الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال قد دفعها إلى تبني حزمة من الإصلاحات من شأنها الحول دون تكرار هذه الأخطاء بالشكل الذي وقعت به وتسببت في خسارة المستثمرين لمليارات الدولار.


غير أنه، بحسب الخبراء، فإن شركات التقييم الاستثماري ليست هي وحدها التي يجب أن تتحمل مغبة ما حدث من أخطاء في التقييم الائتماني. بل ان الغريب على لسان المحلل والخبير الاقتصادي أرتور سيفوينتيس، مدير شركة آر دبليو برسبريتش والكاتب في جريدة "فينينانشال تايمز"، هو أن صناعة تقييم المخاطر لم تواجه بكم الانتقادات ذاتها التي وُجهت لشركات التقييم الائتماني على الرغم من أن معظم الخسائر المالية المرتبطة بكارثة الرهان العقاري في الولايات المتحدة تكبدتها مؤسسات كانت تفخر بأنها تستخدم أحدث تقنيات إدارة المخاطر المالية في العالم.


نتيجة


كما يقول سيفونتيس، هو أن الأزمات المالية التي تعصف بالعالم هي نتاج سلسلة من القرارات الخاطئة المرتبطة بتقييمات الأسواق العقارية والخسائر المتوقعة والعلاقات المتداخلة بين البورصات والأسواق المالية العالمية، وأن هذه القرارات السيئة ترجع في الأساس إلى سوء تقدير للأرقام وسوء تعبير للألفاظ واستخدام مبهم للتقديرات، مثل تقدير "AAA" الذي لا يعطي حاليا أي صورة محددة لحجم المخاطر الائتمانية، على حد تعبير سيفوينتيس.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف