أي راهن للنمو في الجزائر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر : فجّر التقرير الجديد للتنمية البشرية المعلن عنه أمسية الأربعاء في الجزائر، أسئلة جديدة عن حقيقة مؤشرات النمو هناك، ففي وقت أكّد تقرير للبنك الدولي قبل فترة ما سماه "تواضع نسب النمو في الجزائر"، أتى تقرير للمجلس الجزائري الاقتصادي والاجتماعي (هيئة حكومية) ليناقض ذلك رأسا، ويجزم باستمرار تحسن مؤشرات التنمية البشرية هناك، على نفس منوال وزارة المالية الجزائرية التي رأت بأنّ الأمور "جيدة واستثنائية" من حيث المؤشرات الاقتصادية والمالية في الجزائر،ويثير هذا "التباين" استفهامات بالجملة عن ماهية النمو المسجّل ومدى صدقية هرمياته، على منوال معطيات أخرى خصت محور البطالة والادخار وحركة الاستثمارات، وهو سياق يستدعي أكثر وقفة لاستجلاء الوضع الاقتصادي الحالي في الجزائر.
بمنظار التقرير الذي أعلن عنه "محمد الصغير بابس" رئيس المجلس الجزائري الاقتصادي والاجتماعي، فإنّ منظومة النمو في الجزائر جيدة، والدليل بحسبه نجاح السلطات في التكفل باحتياجات مواطنيها، في صورة الخدمات الصحية والدراسية، وهو ما يفسره التحسن المسجل في معدل حياة الجزائريين الذي انتقل إلى 75.2 سنة، على حد ما ورد في التقرير.
الغريب في المقاربة التي قدمها رئيس المجلس المذكور أنّه ورغم توكيده على إنجاز التقرير وفق المقاييس الدولية وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلاّ أنّه اعتمد على أرقام تعود إلى العام 2006 في الحديث عن واقع جزائر 2008، فهو في كل مرة يعقد مقارنات بين الجزائر مطلع العام 2000 والسنة قبل الماضية، سواء في الزواج أو الولادات أو الشيخوخة، كما ظهر واضحا رغبة الهيئة ذاتها في تحاشي توجيه أي انتقادات مهما كانت هامشية إلى السلطة التنفيذية، حيث اكتفى معدو التقرير بدعوة دوائر القرار إلى إقرار تغييرات شاملة في سياسة الصحة استجابة لمطالب التنمية البشرية المستدامة، ولم يخض التقرير في محذور الرواتب وعدم تناغمها مع القدرة الشرائية لعموم المواطنين، وكذا النزيف الذي تشهده الجزائر في الكوادر.
بدل عن ذلك، ارتضى التقرير الإشادة بارتفاع الناتج الداخلي الخام وتحسن المعدل المعيشي حيث أشار إلى بلوغ قيمة استهلاك الجزائريين في سنة 2006 (.. ) 2689 مليار دينار بنمو قدره 5.5 بالمائة مقارنة بسنة 2005، وقال التقرير بتراجع نسبة البطالة والفقر، لكنه لم يوضح مستوياتها، لينتهي معدّوه إلى الإعراب عن أملهم في اعتماد الأمم المتحدة لـ"الأرقام الجزائرية" التي تعكس بحسبهم حقيقة التطور الجاري في البلد، مع الإشارة أنّ الجزائر جاءت في المرتبة 95 في آخر تصنيف لمعدلات النمو عالميا.
بمقابل التقرير الآنف الذكر، يبيّن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2008، الصادر عن البنك العالمي، تواضع معدلات النمو في الجزائر خلال العامين الأخيرين، بواقع 1.8 بالمئة و4.3 بالمئة، وهو ما يعني بعدا كبيرا عن المعلن من طرف السلطات الجزائرية، وحتى توقعات البنك الدولي للعام الجاري والسنة التي ستليه ليست "متفائلة" إذ تمنح 4 و3.8 بالمئة على التوالي، مع أنّ الجزائر التي رصدت مائتي مليار دولار لإنجاح خطتها الرباعية للنمو (2005 - 2009) شهدت اتساعا لرقعة الاستثمارات والمشاريع المنتجة، إلاّ أنّ ذلك أورث بمنظار خبراء البنك الدولي "عوائد ضعيفة"، لافتقاد الجزائر إلى قطاع صناعي منتج وقوي، وضعف فعالية القطاع العام، وتحجيم القطاع الخاص.
ولعلّ كشف مجموعة أوكسفورد جروب البريطانية ومؤسسات أخرى عن إختلالات تشوب مسار النمو في الجزائر، على منوال جني الحكومة لأقل من نصف ما تنفقه دوريا، هو ما يفسر كل الاختلالات التي انزعج لها خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر، طالما أنّ توظيف 10 بالمئة من مخصصات الاقتصاد المحلي، للحصول على "فتات" لا يجاوز 2 بالمئة، ذاك معناه وجود ثغرة عميقة لها تبعاتها على توازنات الاقتصاد وخطط النمو.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي في الجزائر، حذرت قبل أشهر من أنّ "توسع السلطات في أبواب الموازنة" سيعرض البلد لتفاقم التضخم، حيث ألحت على ضرورة تفادي سياسة التوسع المالي، مخافة زيادة التضخم التي يشكل التحكم بها أولوية للحفاظ على القوة الشرائية لدى السكان وحماية الشرائح الأكثر عوزا، واللافت إنّ الجزائر بقيت ضمن البلدان التي يتمحور فيها متوسط دخل الفرد الأدنى بحدود 1500 و 2000 دولار سنويا، أي بمعدل 9 دولار في اليوم، هذا بالرغم من تصنيف الجزائر إلى جانب الدول النفطية على غرار البحرين والكويت والإمارات التي يتمحور معدل دخل الفرد فيها بأكثر من تسعة آلاف دولار.
وشهد حصاد الجزائر الاقتصادي العام 2007، استمرار التذبذب الاقتصادي رغم اتساع الاستثمار والمبادلات التجارية للجزائر مع عديد الدول، بالتزامن مع انتعاش منظومة الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، حيث بلغت قيمة المشاريع المباشرة 9.19 مليارات دولار، وخصت هذه الاستثمارات نحو 78 مشروعا في مجالات المصارف والتأمينات والمواد الغذائية والطاقة والصحة، ما جعل الجزائر تتواجد في المركز الثاني بعد مصر على لائحة الدول الأكثر استقطابا للاستثمارات الخارجية في البحر الأبيض المتوسط.
وفيما أقدمت الحكومة الجزائرية على تأجيل وإلغاء عدد من المناقصات الدولية التي أطلقتها في عدة قطاعات، على غرار القطاع المصرفي وكذلك السكك الحديدية، لجأت السلطات إلى استخدام 22.2 مليار دولار من أموال صندوق ضبط الإيرادات لتسديد للديون بصورة مسبقة قصد إيصال الجزائر إلى مستوى مديونية أقل من 5 مليارات دولار، في وقت أصبحت فيه احتياطات الصرف بالجزائر في مستوى مائة مليار دولار لتتحول فيه البلاد إلى دولة دائنة وليست مدانة، الأمر الذي فتح لها الباب مثلا إلى تمويل شمل لمشاريعها، بوصول رصيد صندوق ضبط الإيرادات البترولية إلى مستوى يفوق 40 مليار دولار.
ويرى مختصون، أنّ الجزائر أصبحت في الوقت الراهن دولة دائنة تبحث عن أسواق مالية دولية لتوظيف الفوائض المالية المتوفرة لديها جراء ارتفاع أسعار البترول في الأسواق الدولية.
وأقرّت الجزائر خلال العام الحالي مجموعة إصلاحات لتنشيط حركيتها المالية وإغراء المستثمرين، حيث اتبعت "سياسة نقدية حذرة" تأثرت إلى حد ما بزيادة أسعار المواد الأولية خصوصا القمح والحليب في السوق الدولية، في وقت ألّح صندوق النقد الدولي على "توضيح دور الدولة في المصارف العامة وتنمية سوق السندات وقطاع التأمينات"، كما شدّد على ضرورة تفعيل الجزائر إصلاحات اقتصادية تعزّز معالم السوق الجزائرية المفتوحة، وتضمن "نوعية في النفقات العامة" التي يذهب القسم الأكبر منها حاليا إلى المساعدات الاجتماعية ودعم المؤسسات العامة المتداعية بدلا من استثمارها في إيجاد وظائف وثروات، تبعا لكون خطة دعم النمو التي دشنت العام 2005، لن يكون لها مفاعيل دائمة إلا إذا تحسنت البنى التحتية والرأسمال البشري في البلاد من دون زيادة ثقل الدولة في الاقتصاد".
في النهاية، الفاحص لمسار الجزائر الاقتصادي، يلمس شعورا مستبدا بـ"التباين" بين وفرة مالية لم تصنع للمسألة الاقتصادية ودا، فبمنأى عن حجم الاستثمارات والمبادلات هنا وهناك، ظلّت الأشياء مرتهنة بإصلاحات غير منتهية، ما أثر بإجماع الخبراء على قيام صناعة اقتصادية ومالية متكاملة في الجزائر، من شأنها صنع فوارق حاسمة بين زمنين، خصوصا مع التحولات العميقة التي أدركتها البلاد على مدار السنوات الأخيرة.
التعليقات
إلى أين؟؟؟
هشام -تصر الحكومة على تطبيق برنامج فخامته فلا تجد ولا وزيرا أو مسؤولا يقوم بأي نشاط او تدشين مشروع ما إلا وتجد من لسانه ; ضمن برنامج فخامة رئيس الجمهورية ; والأكيد أن اقتصاد الجزائر لايتميز فقط بخطط واستراتيجيات سيئة ولكن عدم وجود خطط واستراتيجيات أصلا لتسيير الموارد المالية المتوفرة ..