حول إضراب العمالة الوافدة في الكويت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د. جاسم حسين
من الممكن أن تشكل قضية إضراب المئات من العمالة الوافدة منعطفا مهما بالنسبة إلى مسألة حقوق العمال الأجانب في الكويت وربما في بقية دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تسببت الإضرابات في شل الحركة في أكثر من 12 مؤسسة وهيئة حكومية.
وقد طالب العمال والذين دشنوا إضرابا الأسبوع الماضي بتحسين أوضاعهم بدءا بالراتب ومرورا بظروف العمل. بيد أنه تركزت المطالب بشكل أساسي على تعديل الرواتب في ظل أزمة التضخم والتي تعصف بالاقتصاد الكويتي. يحصل غالبية العاملين في قطاع النظافة على راتب شهري قدره 20 دينارا (نحو 75 دولارا) والذي يعد مبلغا ضئيلا نسبيا.
معضلة الغلاء
يعتبر التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاءها مرتفعة) من التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الكويتي. وتشير الإحصاءات المتوافرة إلى استمرار بقاء معدل الغلاء فوق نسبة 11 في المائة. فقد بلغ معدل التضخم نحو 11.1 في المائة في أيار (مايو) مقارنة بـ 11.4 في المائة في نيسان (أبريل). ترتبط معضلة التضخم بشكل جوهري بارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات.
بدورها تتخذ السلطات بين الحين والآخر إجراءات لمساعدة المواطنين في التكيف مع ظاهرة الغلاء. حديثا فقط قررت الحكومة وبالتعاون مع السلطة التشريعية منح زيادة قدرها 50 دينارا شهريا لكل مواطن يقل راتبه عن 1000 دينار. وتم منح الزيادة للمواطنين العاملين في القطاعين العام والخاص. يشار إلى أن 93 في المائة من الموطنين الكويتيين يعملون في القطاع العام المشهور بكرمه. بمعنى آخر، لا يحصل العمال الأجانب على بعض المساعدات الحكومية وعلى الأخص العينية منها. بكل تأكيد يستفيد العامل الأجنبي والزائر على حد سواء من السلع المدعومة من قبل الحكومة مثل اللحوم.
الاتجار بالبشر
عموما سلطت ظاهرة الإضرابات العمالية الضوء على قضية الاتجار بالبشر في الكويت. وتتمثل هذه الظاهرة بقيام بعض المواطنين باستخدام نفوذهم لاستصدار تصاريح عمل للأجانب (شهادة عدم ممانعة) ومن ثم جلبهم للبلاد للعمل في وظائف غير محددة. وغالبا ما يزج بهؤلاء إلى سوق العمل للحصول على أي وظيفة ممكنة مثل قطاع النظافة. طبعا المطلوب من العامل الأجنبي تأمين المبلغ لصاحب التأشيرة سواء بدفع مبلغ شهري أو فصلي. بمعنى آخر، يعد العامل الأجنبي مصدر رزق للمتنفذ المحلي.
من ضمن الأمور المثيرة، يبدى العامل الأجنبي غير المتخصص للقيام بأي وظيفة لقاء الحصول على بعض المال. فمثلا يدعي بأنه كهربائي لكنه في الواقع لا يعر ف عن الأخطار المحدقة بهذه المهنة المتخصصة وربما تكون النتيجة مأساوية في نهاية المطاف. حقيقة القول، لا يمكن توجيه اللوم للأجنبي في هذه الحالة نظرا لحاجته إلى المال لتأمين لقمة العيش لنفسه في الكويت فضلا عن توفير مبلغ لإرساله لمحبيه في الوطن الأم.
يبلغ متوسط سعر شهادة الممانعة نحو 1000 دينار كويتي (3700 دولار). ويعتمد السعر على جنسية العامل الأجنبي، حيث إن أعلى الأسعار هي للمواطنين العراقيين نظرا لصعوبة حصولهم على تأشيرة دخول وذلك على خلفية عدوان العراق على الكويت إبان حكم صدام حسين في الثاني من آب (أغسطس) من عام 1990.
صور من الاستغلال
يعاني بعض العمال الأجانب الأمرين، إذ لا يحصل بعضهم على أجورهم في التواريخ المتفق عليها. فبعض أرباب العمل يتعمدون تأخير دفع الرواتب الأمر الذي يعد ظلما وإجحافا بحقوق العمال بغض النظر عن جنسياتهم. لكن يفوت على أرباب العمل أنهم يلحقون الضرر بأنفسهم في نهاية المطاف، حيث لا يقف بعض العمال الأجانب مكتوفي الأيدي حيال هذا الواقع المر. يقوم البعض بأعمال انتقامية من الشركات التي يعملون لديها مثل السرقة والتحايل في أداء المهام المنوط بهم وسوء معاملة الزبائن. يتجنب غالبية العمالة الوافدة الذهاب إلى الجهات المعنية لتقديم الشكاوى بخصوص تأخير تسلم الراتب خوفا من اكتشاف أخطاء في أوضاعهم القانونية.
كما هناك مشكلة العمل لساعات مطولة، حيث تلزم بعض المؤسسات العمال الأجانب بالعمل لساعات قد تمتد لنصف يوم كامل. في المقابل يدعي بعض أصحاب الأعمال بأنهم يدفعون للوقت الإضافي لكن في الغالب ليس بمقدور العمال الأجانب رفض الأوامر. كما أن بعض العمال لا يعرفون على وجه الدقة يوم العطلة الأسبوعية حيث إن الأمر متروك لصاحب العمل.
بدورنا نعتقد ضرورة حصول العامل الأجنبي على الحد الأدنى من العيش الكريم أثناء فترة عمله وإقامته. بل إن الوازع الأخلاقي يحتم تمتع العامل الأجنبي بمستوى لائق من المعيشة وعدم ربط الأمر بالوضع المعيشي للبلدان التي ينتمي إليها هؤلاء. صحيح أن مبلغ 70 دولارا شهريا له قيمة شرائية مرتفعة نسبيا في بنجلادش لكن الأمر ليس كذلك في الكويت وذلك بالنظر لتفاوت المستوى المعيشي بين البلدين.
ختاما تقتضي المصلحة العامة وجود إجراءات وجزاءات رادعة ضد المتنفذين المحليين حتى يتسنى تحقيق هدف حيوي يتمثل في إنهاء حالات الإساءة والاستغلال للعمالة الوافدة. وربما تنجح الخطوات في رفع الكويت من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص الاتجار بالبشر.