اقتصاد

البورصة العقارية والمؤشر .. وهل صحيح أن مجلس الشورى يدرسهما؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


د. عبد الله الفايز - مهندس معماري ومخطط
خبر غريب تتناقلة بعض الجهات والصحف وهو أن مجلس الشورى يدرس حالياَ نظام البورصة العقارية. وليس غريباً علينا فمجلس الشورى أقر نظام التثمين أو التقييم العقاري ودون الرجوع للتجارب العالمية، ولم يستطع أن يفهم أن المثمن يجب أن يكون مؤهلاَ، وأن هناك أكثر من 150 ساعة دراسية يجب أن يمر عليها وأن الأساس للمثمن أن يعرف كيف يقرأ المخططات الهندسية وغيرها من المؤهلات، التي أشرت إليها في مقال سابق. وسبب الإخفاق هو أن مجلس الشورى لا يستشير إلا العقاريين والذين معظمهم لا يفقهون أو يدرون ما هو التثمين، بل يعتمدون على بعض العمالة العربية للقيام بذلك. وهم أساسا لن يسمحوا لغيرهم بسحب البساط عنهم. وكان الأولى أن يستشير مجلس الشورى بعض الجهات الهندسية وشركات المقاولات وهيئات حاسبي الكميات العالمية وهيئات التثمين العالمية. على أي حال اليوم يفاجئنا المجلس بدراسة للبورصة العقارية. وآمل ألا يكون تفكير المجلس ضيقاً هذه المرة وألا يعتمد على العقاريين فقط، وألا نعيد اختراع العجلة أو نشذ عن العالم ونخرج باختراع سعودي عجيب. فالبورصة العقارية ليست موجودة في أي دولة في العالم والسبب أن العقار ليس كالأسهم. بيع العقارات فيه مشكلة ازدواجية الصكوك وضرورة التسجيل في كتابة العدل. وهذا يعطل موضوع الحيازة، التي هي أساس البيع. كما أن العقار يتم بمبالغ كبيرة وعمليات تحويل صعبة. وبيع أرض عليها عقار أصعب.

ولكن الذي يمكن تصوره هو أن يتم تنظيم صناديق الاستثمار العقاري، التي تم الموافقة عليها أخيرا بالرغم من عدم تقبل الجميع لها. أو تأخرهم في استكمال متطلباتها. وهذه الصناديق يمكن أن يتم وضعها في نظام وشاشة الأسهم السعودية. ولكن حتى الصناديق لها فترات معينة للتصرف فيها وبيعها وبها عمولات ومبالغ تدفع مقدماً وعادة لا تصرف إلا كل شهر أو ستة أشهر.

والخبر الآخر هو ما تتناقله بعض الصحف المحلية والنشرات على مسمى المؤشر العقاري، الذي هو فقط مؤشر للصفقات العقارية التي تسجل في كتابة العدل في كل مدينة أو منطقة. لذلك فهو ليس مؤشرا عقاريا لأنه لا يشمل قطاعا كبيرا من عمليات الاستثمار والتطوير العقاري مثل الصفقات التأجيرية أو رهن الأراضي للبناء عليها أو صفقات التأجير المنتهي بالتمليك والإيجارات العادية للأراضي والممتلكات العقارية وسوق التقسيط والرهن العقاري. فالمؤشر العقاري الحالي هو اسم على غير مسمى ويسبب بلبلة وإشاعات تؤثر في سوق العقار بأثر سلبي. ويسمح لبعض المغرضين الذين ليس لهم خبرة في السوق العقارية أن يرموا جزافاً بتحليلات وتوقعات ليس لها أساس من الصحة. وينتج عنه طرح قد يؤثر أو يزعزع مكانة الاقتصاد الوطني.

فعلى سبيل المثال قد يقوم هذا الأسبوع أحد تجار العقار أو شركات الاستثمار العقاري، الذين يملكون أراضيهم أو مستأجرين لها أو راهنين لها، وبذلك لا يمرون على كتابة العدل، ببناء عشرة آلاف فلة أو وحدة سكنية وتجارية أو مكتبية. أو ورش ومستودعات أو غيرها من الأنشطة العقارية، ويقوم كل منهم بعد ذلك بتأجيرها والكسب منها. فإذا قام أكثر من مالك أرض بالبناء بهذه الطريقة، فإنهم سيبنون عشرات الآلاف من الوحدات يحركون السوق ويسببون ارتفاعا للحركة العقارية دون أن يظهر ذلك المؤشر العقاري الحالي. فالمؤشر الحالي يغفل ويتجاهل ذلك. فيكون لدينا حركة عقارية لم تحتسب في المؤشر العقاري. كما أن المضاربات للأراضي قد تتنقل بين مجموعة صغيرة من العقاريين وتدور بينهم دون أية تطوير لها، وبذلك فهي ليست مؤشرا دقيقا على الحركة العقارية. وكذلك فإن المؤشر لا يحتسب جميع عمليات التأجير المستمر والمتواصل للمباني الحالية.

كما أن المؤشر المذكور لا يتضمن المشاريع الحكومية ومشاريع الشركات الخاصة، التي تبني على ممتلكات خاصة بها أو مستأجرة. وهي مشاريع حيوية ومهمة كمقياس للنهضة العمرانية والعقارية.
لذلك فالمؤشر العقاري الحالي هو اسم على غير مسمى. وهو مضلل لبعض النقاد والمحللين الاقتصاديين وخاصة الذين ليس لديهم الدراية والإلمام بسوق العقار. ويشابه في نفس المسار المحاولات الفاشلة لوضع فكرة البورصة العقارية. وهو اختراع لم أسمع به في أي سوق عالمية. وإنما هناك بورصة لصناديق الاستثمار العقاري وهي تكون مربوطة بسوق الأسهم.

لقد سبق أن كتبت عن الاستثمار العقاري ومن يحميه أو ينقذه، وأنه يجب أن يخضع لإشراف هيئة عامة أو جمعية تنظمه وتشرف عليه وتردع كل متطفل عليه. فالاستثمار في القطاع العقاري يعتبر أحد أهم القواعد الاقتصادية للدولة ويقدر حجمه بالمليارات، وهو في ظل عدم وجود مؤشرات مدروسة بالإضافة إلى معاناته بعض الممارسات السيئة، التي تركت آثارها السلبية على سمعة المهنة ومؤسساتها العريقة ورجالها الموثوق بهم، وألحقت الضرر ببعض المواطنين والضعفاء، وهؤلاء استغلوا ثقة المسؤولين وولاة الأمر لمباركة تلك المشاريع، ولكنهم خذلوا وزعزعوا تلك الثقة. واستعملوا أسلوبا مبالغا فيه ومغريا لخداع الناس. وستبقى وصمة سوداء في تاريخ أحد أهم قواعدنا الاقتصادية وستترك سلبياتها على بقية الاقتصاد الوطني. وفي نهاية المطاف ستساعد على هجرة الأموال والاستثمارات إلى الدول المجاورة، ما يؤثر سلبياً في اقتصادنا ومدخراتنا.

إن الاستثمار العقاري بالإضافة إلى كونه مربحا لتجار العقار، إلا أنه نوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطال منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. كما أن المواطن سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته، سواء من الكماليات كسيارات وساعات وأدوات تجميل والعلاج في المستشفيات والمستوصفات أو الأغذية وغيرها من التدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك تحرك الاقتصاد الوطني، كما أنها ساعدت على امتصاص جزء كبير من السعودة وتشغيل غيرهم من الدول العربية والإسلامية الشقيقة.

إن وضع مؤشر حقيقي للعقار يعكس حركته بالصعود أو النزول يتطلب أن يشتمل على أوزان وثقل بالنقاط لجميع الصفقات مثل التأجير والتقسيط. وأن يتم إضافة معدل صفقات كتابة العدل وربط المؤشر بأعداد فسوحات البناء التي تصدرها الأمانات والبلديات وبيانات من شركة المياه والكهرباء بالعدادات وعدد الوحدات لكل مشروع، وكذلك ربطها بشبكة معلومات من المكاتب العقارية بعدد عقود التأجير التي تمت خلال الأسبوع أو الشهر. وهذه المعلومات يجب أن تركب وفق معادلة دقيقة لحصر جميع الصفقات والحركة العقارية وبطريقة علمية لمنع ازدواجية الرصد. وبحيث تكون أعداد الصكوك مثلاَ متوافقة مع عدد الفسوحات والعدادات، حيث إن بعض فسوحات الأمانة قد لا تبنى في وقتها أو يتأخر بناؤها. وبذلك فإنه يتم تصحيح ذلك بمعرفة معلومات أحدث عن تاريخ بدء التيار فيها مثلاً. هناك عدة عوامل ومتغيرات يجب ربطها بالمؤشر ليكون أداة أكثر دقة في تحدد حركة السوق ولتبنى عليه التوقعات المستقبلية والدراسات الاستثمارية الناجحة.

إن ما نظر إليه هو محاولة التبين من التعريفات والمصطلحات التي تطلق دون أن يكون لها أساس علمي وتقني. مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير وخاصة لمعرفة مدى استفادة الاقتصاد والمجتمع من القطاع العقاري.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف