اقتصاد

هل تخفّض "أوبك" إنتاجها لرفع أسعار النفط؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

د. أنس بن فيصل الحجي : من المفارقات العجيبة أن بعض مسؤولي "أوبك" بدأوا في الحديث عن تخفيض الإنتاج مجرد أن انخفضت الأسعار، رغم بقائها فوق 110 دولارات للبرميل، ورغم إعلان "أوبك" في تقريرها الشهري الأخير أن هذه الأسعار تعكس أساسيات السوق بعد انسحاب المضاربين منها. هذا يعني أن "أوبك" تعترف ضمناً أن أثر المضاربين لا يتعدى 37 دولاراً فقط، وهي الفرق بين أعلى سعر وصله نفط غرب تكساس والأسعار الحالية، وهذا يتناقض مع ما قاله بعض مسؤولي "أوبك" إن الأسعار ستكون في حدود 60 إلى 70 دولارا للبرميل لولا المضاربات. وهذا يعني أيضاً أن أسعار 60 إلى 70 دولارا التي نادوا بها منذ فترة وجيزة لم تعد مقبولة. والحديث عن تخفيض الإنتاج في ظل الظروف الحالية وتقرير "أوبك" الأخير يضعنا أمام أحد خيارين: إما أن أساسيات السوق هي التي تحدد أسعار النفط كما تبين المقالات الثلاثة الماضية، أو أن المضاربين كانوا يقدمون خدمة مجانية لـ "أوبك" تقدر بمليارات الدولارات. بعبارة أخرى، عندما انسحب المضاربون من السوق، قررت "أوبك" التدخل مكانهم لتقوم بما يجب أن يفعلوه من وجهة نظرها، وهو رفع الأسعار. ويمكن القول إن تصريح بعض المسؤولين سيهيج المضاربين مرة أخرى وسيدخلون السوق ويرفعون الأسعار، وبذلك يمكن لـ "أوبك" لوم المضاربين مرة أخرى!

اجتماع "أوبك"
تجتمع "أوبك" بعد أسبوعين من الآن في فيينا لمناقشة وضع أسواق النفط واتخاذ قرار بشأن الإنتاج. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل تخفض "أوبك" إنتاجها في ظل الظروف الراهنة؟ الجواب يعتمد على متغيرات عدة، ولكن يرى بعض المحللين أن السؤال لا يتعلق باحتمال قيام "أوبك" بتخفيض الإنتاج، بل بكمية التخفيض. ويرون أن "أوبك" لن تخفض الإنتاج إذا استمرت الأسعار فوق 120 دولارا للبرميل، بينما ستخفض الإنتاج إذا انحدرت الأسعار تجاه 100 دولار للبرميل. خيار زيادة الإنتاج، لن يطرح لأنه ليست هناك طاقة إنتاجية فائضة تذكر. إلا أن القرار أصعب من مجرد النظر إلى السعر لأن هناك عوامل اقتصادية وسياسية عامة وخاصة تحكم هذا الموضوع.

مسوغات التخفيض
يرى الذين يدعون إلى تخفيض الإنتاج أن انخفاض الطلب على النفط مع زيادة إنتاج دول "أوبك" وخارج "أوبك" يعني أن أسعار النفط ستنخفض. ولا يمكن منع الأسعار من الانخفاض إلا إذا قامت "أوبك" بتخفيض الإنتاج. ويبدو أن تقرير "أوبك" الشهري الأخير بَنى أساساً قويا لهذا الرأي, حيث تشير بياناته إلى انخفاض في نمو الطلب على النفط وزيادة في الإنتاج العالمي من "أوبك" وخارجها. فالتقرير يرى أن طلب الدول الصناعية على النفط سينخفض في عامي 2008 و2009، وستقابله زيادة في الطلب في الدول النامية، الأمر الذي سينتج عنه نمو في الطلب العالمي بمقدار مليون برميل يوميا عام 2008 و900 ألف برميل يومياً عام 2009. ويعد نمو الطلب عام 2009 الأقل منذ عام 2002، وهي السنة التي تلت حادثة 11 أيلول (سبتمبر) التي نتج عنها انخفاض كبير في الطلب بسبب انخفاض السفر، خاصة في الطائرات.
في الوقت نفسه تتوقع "أوبك" أن يرتفع إنتاج دول خارج "أوبك" بمقدار 580 ألف برميل في هذا العام و900 ألف برميل يوميا في العام المقبل. بناء على توقعات "أوبك" للطلب العالمي وإنتاج خارج "أوبك"، فإن الحفاظ على الأسعار يتطلب منها تخفيض إنتاجها بمقدار 100 ألف برميل في السنة الحالية و700 ألف برميل في السنة المقبلة. وبالطبع، فإن البعض ممن يدعون إلى تخفيض الإنتاج سيشير إلى انخفاض الدولار وارتفاع معدلات التضخم في الدول المنتجة.

مسوغات عدم التخفيض
ألم تتعلم "أوبك" درسها من الانخفاض الكبير في أسعار النفط خلال الأسابيع الستة الماضية، الذي نتج عن ردة فعل الطلب على ارتفاع أسعار النفط؟ ألم تتعلم "أوبك" أن الدول الصناعية ما زالت أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم ولا يمكن تجاهلها؟. إن استمرار الأسعار الحالية سيسهم في تقوية الاتجاه التنازلي للأسعار، كما سيسهم في تدمير جزء من الطلب للأبد، فماذا سيحصل لو ارتفعت الأسعار مرة أخرى؟. فمنذ بداية العام والطلب على المشتقات النفطية في الولايات المتحدة، خاصة البنزين، في هبوط مستمر، حيث انخفض بمقدار 800 ألف برميل يومياً (3.8 في المائة) منذ بداية العام حتى الشهر الماضي. وبما أن الدول النامية هي الأمل الوحيد لزيادة الطلب على النفط، فإن على دول "أوبك" أن تعزز هذا الاتجاه بدلا من أن تعكسه بتخفيضها الإنتاج. إن الحل الأمثل لدول "أوبك" هو ترك الإنتاج على حاله وترك الأسعار تنخفض حتى يبدأ الطلب في النمو في الدول الصناعية ويتعزز نمو الطلب في الدول النامية. بعبارة أخرى، عدم التخفيض الآن سيمنع تخفيضا أبديا في الطلب على النفط، الأمر الذي سيضمن استمرار إيرادات النفط في المستقبل، بما في ذلك إيرادات للأجيال المقبلة.
إضافة إلى ذلك، فإن تحسن قيمة الدولار يعني أن الانخفاض الحقيقي في الأسعار أقل قليلا من الانخفاض الاسمي. وعلى "أوبك" ألا تقع ضحية العلاقة بين أسعار النفط وقيمة الدولار لأن رفع أسعار النفط سيزيد من العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تخفيض الدولار. في هذه الحالة ما فائدة الزيادة في السعر إذا كانت ستؤدي إلى تخفيض الدولار، وبالتالي تخفيض قيمة عملات الدول المصدرة التي تربط عملاتها بالدولار؟

وإذا خفضت "أوبك" إنتاجها وارتفعت أسعار النفط، ماذا ستفعل هذه الدول بالفوائض المالية؟ هذه الفوائض لا يمكن إنفاقها، لأنها ستسهم في رفع معدلات التضخم وستزيد من أعداد العمالة الوافدة. لذلك سيتم استثمارها في الخارج في فترة ينخفض فيها الدولار وأسعار الفائدة، وتنهار فيه أسواق العقارات وأسواق الأسهم. ما فائدة العوائد الإضافية في هذه الحالة؟ إن هدف "أوبك" يجب أن يكون تعظيم القيمة الحقيقية لصادرات النفط، وهذا يتطلب ارتفاع الدولار وتخفيض التضخم العالمي.
المشكلة أن تقديرات "أوبك" تميل تاريخيا إلى تقليل نمو الطلب على النفط وتضخيم إنتاج دول خارج "أوبك". فإذا كانت توقعات "أوبك" خاطئة وقامت بتخفيض الإنتاج بناء على هذه التوقعات، فإن آثار هذا الانخفاض ستكون كبيرة، تماماً كما حصل في العام الماضي عندما خفَّضت "أوبك" إنتاجها في بداية ذلك العام.

العوامل السياسية
هل من مصلحة "أوبك" تخفيض الإنتاج في وقت قرر فيه الكونجرس معاقبتها على "تخفيض الإنتاج"؟ هل من مصلحة "أوبك" إعطاء وقود للسياسيين الغربيين لتأجيج عداء مواطنيهم ضد النفط ودول النفط؟ هل من مصلحة "أوبك" أن تقرر تخفيض الإنتاج قبل الانتخابات الأمريكية مباشرة؟ وهل من مصلحة دول النفط أن تنتعش صناعات الطاقة البديلة في الدول المستهلكة؟ أترك الإجابة للقارئ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف