رئيس مؤتمر البنوك: الأزمة لم تطل القطاع المالي في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
افتتح المؤتمر والمعرض الدولي للبنوك والمؤسسات المالية أعماله بالجلسة الافتتاحية برئاسة ا. د علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق لمصر وبحضور نائبين كل من ا.د محمود محي الدين وزير الاستثمار و ا.د طارق كامل وزير الاتصالات والمعلومات و ا.د احمد درويش وزير التنمية الادارية و أ.د احمد جويلي امين مجلس الوحدة الاقتصادية والصندوق الاجتماعي و ا هاني سيف الدين امين عام الصندوق الاجتماعي و ا.د عبد العظيم وزير محافظ القاهرة وعدد من ممثلي البنوك المصرية والعالمية واساتذة وخبراء الاقتصاد.
القاهرة: القى االدكتور علي لطفي رئيس المؤتمر بالكلمة الافتتاحية والتي قال فيها يعانى الإقتصاد العالمى فى الوقت الراهن من أزمة مالية طاحنة بدأت فى الولايات المتحدة ثم انتقلت إلى الدول الأوروبية ثم إلى بقية دول العالم . وعلى الرغم من أن الأزمة قد بدأت بشكل واضح فى سبتمبر 2008 ، إلا أن بوادرها كانت تتزايد يوما بعد يوم منذ عام 2007 وخلال النصف الأول من عام 2008 . يمكن القول أن يوم 15 سبتمبر عام 2008 هو الإعلان الرسمى عن الأزمة المالية التى يعانى منها الإقتصاد الأميركى حيث أعلن بنك "ليمان برازر " ( وهو رابع بنك استثمارى أميركى ) تقدمه بطلب لإشهار إفلاسه وحمايته من الدائنين . وفى 24 سبتمبر من نفس العام بدأ مكتب التحقيقات الإتحادى فى الولايات المتحدة التحقيق مع شركتى" فان فير " و " فريدى ماك " للرهن العقارى وهما أكبر شركتين للرهن العقارى فى الولايات المتحدة بل فى العالم أجمع حيث توسعت هاتان الشركتان فى الرهن العقارى غير المحسوب بشكل غير عادى حيث بلغت القروض التى قدمتها ما يزيد عن 4000 مليار دولار حتى عام 2007 وهو ما يمثل حوالى 50% من حجم القروض العقارية فى الولايات المتحدة .
وفى أواخر شهر سبتمبر عام 2008 أوشكت شركة إيه آى جى A.I.G الأميركية للتأمين على الإفلاس وهى أكبر شركة تأمين فى العالم وأصبحت عاجزة عن الوفاء بالتزامات وثائق التأمين. ومع العولمة وثورة الإتصالات والتحرير الإقتصادى كان الانتشار السريع للأزمة بين مختلف دول العالم ولا سيما أن الإقتصاد الأميركى الذى بدأت الأزمة فيه وانتقلت منه إلى بقية دول العالم يمثل وحده حوالى 20 %من الإقتصاد العالمى سواء بمعيار الناتج المحلى الإجمالى أو بمعيار التجارة الدولية . هذا علاوة على أن ومن الأسباب لسرعة انتقال الأزمة المالية من الولايات المتحدة إلى بقية دول العالم هو أن الدولار هو أقوى وسيلة مقبولة للوفاء بالإلتزامات الخارجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث تتم تسويات التجارة الدولية بالدولار ... إن حوالى 80% من المعاملات الدولية تتم بالدولار ... هذا الوضع سمح للبنك المركزى الأمريكى ( الفدرال ريزيرف ) أن يصدر كما كبيرا من الدولارات أكثر بكثير مما يعكس قيمة الإنتاج فى الولايات المتحدة ( لم يؤد ذلك إلى إرتفاع معدل التضخم فى الولايات المتحدة حيث أن هذه الدولارات استوطنت خارجها ) . لقد استخدم جزء كبير من هذه الدولارات فى تحصيل عائدات البترول ( بترو دولار ) ، كما استوطن جزء كبير من هذه الدولارات فى أوروبا (يورو - دولار ) ... وهكذا ارتبط الإقتصاد العالمى بأداء الإقتصاد الأميركى. ( إذا عطس الإقتصاد الأميركى ، أصيب الإقتصاد العالمى بإلتهاب رئوى ) .
أولا : أسباب الأزمة
1- التوسع الإئتمانى غير المحسوب
عندما توافرت الأموال لدى البنوك الأميركية فى السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين ، توسعت هذه البنوك فى منح الإئتمان ، وهو أمر فى حد ذاته لا غضاضة عليه حيث لا يجوز أن تبقى الأموال فى البنوك بدون توظيف ، ولكن الخطأ كان فى منح الإئتمان دون تطبيق قواعد وضوابط منح الإئتمان المعروفة .
2- القروض العقارية الرديئة
شهدت الفترة من عام 2005 حتى عام 2008 فى الولايات المتحدة توسع شركات التمويل العقارى بشكل غير طبيعى فى منح القروض العقارية ورهن المنازل التى يشتريها الأمريكيون بقروض بلغت فى بعض الحالات 100% من قيمة العقار ودون دراسة للتأكد من مقدرة المشترى على السداد .
3- ضعف الرقابة على المؤسسات المالية
يقصد بالمؤسسات المالية البنوك وشركات التأمين وشركات التمويل العقارى وسوق رأس المال وشركات التوريق وشركات التخصيم . ولا شك أن هذه المؤسسات المالية تلعب دوراً هاماً وخطيراً فى اقتصاد أى دولة . فهى بمثابة القلب بالنسبة لجسم الإنسان ، حيث تتلقى الأموال وتعيد توظيفها ، تماماً كما يتلقى القلب الدم ويعيد ضخه فى شرايين الجسم . وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المؤسسات لم تكن تخضع فى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لرقابة كافية من الجهات الرقابية . وليس أدل على ذلك من أن الأزمة المالية الحالية قد بدأت من القطاع المالى.
4- النمو غير العادى للتجارة فى الأصول التمويلية والإلتجاء إلى توريق بعضها Securitization
من المعروف أن الأصول التمويلية تشمل العملات والأسهم والسندات . وتدل الأرقام على أن التجارة فى الأصول التمويلية تزيد كل عام بأرقام فلكية حتى أصبحت تزيد بحوالى مائة مرة عن حجم الإتجار فى السلع !! ومما زاد من هذه الكارثة الاتجاه الذى ظهر فى السنوات الأخيرة والمعروف بإسم " التوريق "، وهو يتلخص فى إصدار أوراق أخرى وليس أصولا عينية . وقد تم أيضا التوسع فى عملية التوريق عن طريق إصدار سندات تستند إلى سندات سبق إصدارها .
5- ظهور و تنامى أدوات مالية جديدة للتعامل فى البورصات وأهمها "المشتقات " Derivatives و التعامل بالهامش Margin Trading
والمشتقات - كما هو معروف - تتيح المضاربة على ارتفاع وانخفاض أسعار السلع والأسهم والسندات ، بل واخطر من ذلك فإنها تتيح المضاربة على مؤشرات تستند إلى هذه الأصول الحقيقية ، أى بعبارة أخرى المضاربة فى حد ذاتها والخطر الأكبر هو عدم وجود تنظيم قانونى وعدم وجود رقابة كافية على المشتقات بأنواعها " المستقبليات " Futures و " الخيارات " Options و " المبادلة " Swaps أما التعامل بالهامش - كما هو معروف - فإنه يتلخص فى قيام المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار بالتعامل فى أسواق المال عن طريق الاقتراض أى التعامل على محافظ استثمارات تفوق ما لدى هذه المؤسسات من سيولة نقدية . وحينما تنخفض أسعار الأسهم لسبب أو لآخر تصبح هذه المؤسسات المالية غير قادرة على سداد القروض (بعض الأفراد أيضا يقترضون من أجل التعامل فى البورصات ) .
6- فساد وكالات التقييم Rating Agencies
هذه الوكالات مهمتها الأساسية تقييم الجدارة الائتمانية . وقد انتشر الفساد والرشوة فى كثير من هذه الوكالات فى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بحيث أصبح التقييم لا يعبر عن حقيقة الجدارة الائتمانية للبنوك ( استثمارية وتجارية ) وشركات التأمين وشركات إعادة التأمين وشركات التمويل العقارى أى القطاع المالى بأكمله .
7- فساد المديرين ومكاتب المحاسبة والمراجعة فى بعض الشركات العملاقة
فى عام 2005 طالعنا فى الصحف أخباراً عن تلاعب فى بيانات كبرى الشركات الأميركية وإفلاس بعض هذه الشركات ووصول بعضها إلى مرحلة شفا الإفلاس . إن التلاعب فى بيانات بعض الشركات الأمريكية تمثل فى تقليل النفقات الحقيقية وتضخيم الإيرادات الحقيقية ومن ثم إظهار أرباح وهمية وبالتالى يستفيد مديرو هذه الشركات نتيجة تضخيم مكافآتهم السنوية ومكافآت نهاية الخدمة فى الوقت الذى لا يبالون فيه بالخسائر التى تلحق بحملة الأسهم و أصحاب المعاشات من جراء إفلاس الشركات أو هبوط أسعار الأسهم فى البورصة .
ثانياً : تداعيات الأزمة على الإقتصاد العالمى
1- القطاع المالى
شهد القطاع المالى فى الولايات المتحدة ومن بعدها بقية دول العالم تداعيات هامة وخطيرة تفاوتت حدتها من دولة لأخرى . وفى بداية الأزمة كان التأثير واضحاً فى الولايات المتحدة على القطاع المالى حيث عانى عدد كبير من البنوك من نقص السيولة ، ولم تتمكن كثير من شركات التأمين من دفع ما يستحق عليها ، وتوقف عدد كبير من شركات التمويل العقارى عن العمل .وكما سبق أن ذكرنا فى المقدمة ، مع ثورة الاتصالات والعولمة والتشابكات بين المؤسسات المالية داخل الدولة الواحدة وبين الدول بعضها وبعض ، شهد القطاع المالى فى كافة أنحاء العالم تداعيات ولكنها لم تكن على نفس الحدة فى جميع الدول .
أما أسرع وأخطر التداعيات فكان من نصيب البورصات . لقد حدث انهيار فى كافة بورصات العالم ، فكيف حدث ذلك ؟..عندما عجزت البنوك ومؤسسات الإقراض الأخرى عن توفير السيولة، اتجه كثير من الأفراد ومؤسسات الأعمال لتعديل محافظهم المالية وذلك ببيع جزء مما يمتلكونه من أسهم و سندات. ولما كانت موجة البيع آنية ، فقد كان من الطبيعى أن تنهار أسعار هذه الأوراق المالية .
ويلاحظ أن انهيار أسعار الأوراق المالية قد صاحبه كذلك انهيار فى الأسعار فى البورصات السلعية وإن كان بدرجة أقل نسبياً لأن أسواق المال أكثر حساسية من البورصات السلعية ... وفى تقديرنا أن انهيار أسعار الأسهم فى البورصات فى بداية الأزمة لا يرجع إلى عوامل حقيقية أى انخفاض ربحية الاستثمارات وإنتاجية عوامل الإنتاج بقدر ما يرجع إلى " غريزة القطيع " Herd Instinct أى الهرولة نحو بيع الأسهم والسندات فى البورصات .
2- القطاع الحقيقى
استتبع الأزمة المالية أزمة اقتصادية حيث بدأ " القطاع الحقيقى " Real Sector أى " الاقتصاد الحقيقى " Real Economy فى التأثر كنتيجة حتمية لما حدث فى القطاع المالى .وتدل الأرقام المنشورة على أن الاقتصاد العالمى قد دخل بالفعل فى مرحلة الركود حيث انخفضت معدلات النمو الإقتصادى فى مختلف دول العالم وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من دولة لأخرى .
و إذا أدخلنا المعاملات التجارية الدولية فى الاعتبار فلابد أن نشير إلى نقص الواردات بسبب نقص السيولة و من ثم نقص وجه العملة الآخر للواردات وهو الصادرات.ولابد أن نشير أيضا إلى أن نقص السيولة يؤدى كذلك إلى نقص الاستثمارات الأجنبية والتى كانت قد تزايدت فى السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق.ومن الطبيعى إزاء كل ما سبق أن يظهر العجز فى الموازنات العامة للدول (أو يتزايد إن كان موجودا قبل الأزمة) وان يزداد كذلك الدين العام، وأن تنتشر البطالة .
ثالثاً : الإقتصاد المصرى والأزمة المالية العالمية
قبل وقوع الأزمة المالية العالمية كان الإقتصاد المصرى يسير بشكل جيد . لقد بلغ معدل النمو الإقتصادى 2,7 % عام 2007 / 2008 ، وبدأ معدل التضخم فى الإنخفاض، كما اتجهت نسبة عجز الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلى الإجمالى نحو الإنخفاض ، وكذلك الحال بالنسبة لمعدل البطالة . هذا علاوة على اتجاه احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى نحو التزايد عاما بعد آخر حتى تجاوز 35 مليار دولار عام 2007/2008 ، هذا بالإضافة إلى تحقيق فائض فى ميزان المدفوعات بلغ فى ذلك العام حوالى 5 مليار دولار .
وحينما وقعت الأزمة المالية العالمية ، لم يكن الإقتصاد المصرى بمنأى عنها حيث بدأت التداعيات تتوالى على مختلف القطاعات . وتتلخص هذه التداعيات فيما يلى :
انخفاض الصادرات ، انخفاض إيرادات قناة السويس ، تزايد البطالة ، انخفاض معدل النمو الإقتصادى ، انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج( 33% من التحويلات تأتى من الولايات المتحدة )، تراجع أعداد السياح والإيرادات السياحية ، تراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة ، .... إلخ .
ويمكن توضيح مدى تأثر الإقتصاد المصرى بالأزمة المالية العالمية خلال عامها الأول (سبتمبر 2008 /أغسطس 2009 ) بالأرقام كما يلى :
الإنخفاض فى قيمة الصادرات غير البترولية مليار دولار
الإنخفاض فى إيرادات السياحة مليار دولار
الإنخفاض فى حصيلة رسوم قناة السويس 400 مليون دولار
الإنخفاض فى تحويلات المصريين بالخارج 600 مليون دولار
الإنخفاض فى قيمة صادرات البترول 3 مليــار دولار
الإنخفاض فى الإستثمار الأجنبى المباشر 5, 3 مليار دولار
هذا عن الإقتصاد الحقيقى ( الإقتصاد العينى ) فى مصر ، أما القطاع المالى فإن آثار الأزمة عليه محدودة جداً بسبب الإصلاح المصرفى الذى تم فى السنوات الخمس الأخيرة و الذى تضمن:
1- إصدار قانون جديد للبنوك .
2- وضع البنك المركزى لسقف 5% على الأكثر للتمويل العقارى من المحفظة الائتمانية لأى بنك .
3- حل الجزء الأكبر من مشكلة الديون المتعثرة .
4- رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك .
5- اندماج البنوك الصغيرة فى بنوك كبيرة وقوية.
6- تشديد الرقابة على البنوك من جانب البنك المركزى .
وينطبق نفس الأمر على شركات التأمين التى لم تتأثر بالأزمة المالية ... ولا يختلف الأمر بالنسبة لشركات التمويل العقارى نظرا لحداثة عهدها بالسوق المصرى وقلة عددها وفرض رقابة صارمة عليها ودقة الضمانات التى تطلبها لمنح الإئتمان الذى لا يتجاوز 3 مليار جنيه فى السوق المصرى.
وبالنسبة لشركات التأمين ، فقد كان تأثير الأزمة عليها محدوداً جداً وذلك بسبب الإصلاحات التى تم أخذها فى السنوات القليلة الماضية حيث شملت عدة محاور من أهمها تطوير القواعد التشريعية واستصدار القوانين والقرارات المنظمة لسوق التأمين المصرى والتى استهدفت تطوير آلات الرقابة والإعتماد على نظام الرقابة على أساس المخاطر وتنظيم السوق ، وتطبيق السلوك المهنى السليم ، بالإضافة لإصدار القواعد المنظمة لممارسة الأشخاص الإعتبارية لنشاط أعمال الوساطة التأمينية والتزاماتهم والأعمال المحظورة عليهم .
وإزاء ذلك اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات كان أهمها : ضخ 15 مليار جنيه بهدف تنشيط الطلب الفعال وذلك بزيادة النفقات العامة لصالح الاستخدامات الإستثمارية وعلى الإنفاق الجارى فى بعض المجالات الحيوية . بالنسبة للإنفاق الإستثمارى فكان نصيبه 79% موزعة على مشروعات البنية الأساسية من مياه شرب وصرف صحى وطرق وكبارى وللوحدات الصحية والتنمية المحلية وغيرها . أما الإنفاق الجارى فقد استحوذ على 21% وقد وزعت لدعم الصادرات المصرية وزيادة قدرتها التنافسية ولدعم المناطق الصناعية بالدلتا ولدعم البنية الأساسية للتجارة الداخلية . ويتم تمويل الـ 15 مليار جنيه كما يلى : 13.332 مليار جنيه اعتماد إضافى يتم تمويله من موارد حقيقية أى عن طريق الإقتراض الداخلى . أما الباقى وقدره 1.668 مليار جنيه فيتم تمويلها عن طريق الوفر فى الدعم المخصص للسلع المدعمة التى تستوردها الحكومة وذلك على أثر انخفاض أسعارها العالمية .
وبالإضافة الى ذلك فقد قررت الحكومة تقديم مليار جنيه دعم لمدة عام (2009) لمقابلة ضريبة المبيعات على السلع الرأسمالية يهدف الى إعفاء المستثمرين من الضريبة على مشترياتهم من هذه السلع لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على استثماراتهم وأنشطتهم. وتتضمن إعفاءات السلع الرأسمالية من ضريبة المبيعات لمدة عام العدد والمعدات والآلات سواء المحلية أو المستوردة بهدف توفير سيولة مالية للشركات الملتزمة بسداد الضريبة، ويتم إعفاء المعدات والآلات التى تستخدم فى إنتاج سلع خاضعة أو غير خاضعة لضريبة المبيعات . وقد يعتقد البعض أن هذا الإجراء سوف يؤدى الى نقص إيرادات الدولة, والواقع أن هذا غير صحيح لأن النقص فى إيرادات الدولة سوف يحدث خلال عام 2009 فقط ولكن ذلك يقابله زيادة فى إيرادات الدولة فى السنوات التالية نتيجة إقامة المشروعات خلال عام 2009 وما كان لها أن تقام لولا هذا الإعفاء .
أصدر الرئيس محمد حسنى مبارك قراراً جمهورياً رقم 51 لسنة 2009 فى فبراير 2009 بتعديل بعض فئات التعريفة الجمركية على السلع الرأسمالية ومستلزمات الإنتاج وذلك فى إطار حزمة الإجراءات الحكومية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية على الإقتصاد المحلى وتنشيط حركة الإستثمارات حيث تم إعفاء وتخفيض الرسوم الجمركية على حوالى 250 بنداً جمركياً . وقد شمل هذا التعديل فى التعريفة الجمركية بصفة خاصة إعفاء الآلات والمعدات والأجهزة اللازمة لبعض الصناعات وأهمها صناعة الأخشاب ، الصناعات الهندسية ، الطباعة ، الصناعات الكيماوية ، الصناعات النسيجية .
كما قررت الحكومة تأجيل سداد أول قسط مستحق لأراضى المستثمرين العقاريين الذين حصلوا على الأراضى بالأظرف المغلقة . وأيضا لأراضى الإسكان العائلى ( القرعة ) وأيضا الأراضى التى تم تخصيصها قبل تطبيق نظام القرعة ، وسوف يتم تأجيل سداد هذا القسط إلى ما بعد سداد جميع الأقساط المستحقة بعام وبدون فوائد . والهدف من هذا القرار هو الحفاظ على استقرار السوق العقارى المصرى وعلى العمالة فى قطاع التشيد والبناء وعلاوة على ذلك فقد تقرر تخفيض أسعار الطاقة من غاز وكهرباء بالنسبة لبعض الصناعات ، لفترة مؤقتة تنتهى فى نهاية عام 2009 وهى صناعات الزجاج والسيراميك والكيماويات ، حيث تقرر تخفيض سعر المليون وحدة حرارية من الغاز إلى 1.7 دولار بدلا من 3 دولار ، وتخفيض سعر الكيلووات / ساعة من الكهرباء إلى 14 قرشا بدلا من 20 قرشا للجهد الفائق ، و 17.5 قرشا للجهد العالى بدلا من 24.5 قرش ، و 23 قرشا للجهد المتوسط بدلا من 33 قرشا .وبالإضافة غلى ما سبق فقد قرر البنك المركزى المصرى تخفيض سعر الفائدة خمس مرات منذ بداية الأزمة (سبتمبر 2008) حتى اليوم (أغسطس 2009) وذلك لتشجيع الإستثمار .
رابعاً : إجراءات مطلوبة لسرعة الخروج من الأزمة
تدل الأرقام الرسمية على أن الإقتصاد المصرى بدأ يستعيد عافيته . والسؤال الآن هو : ما هى الإجراءات المطلوبة حتى يعود الإقتصاد المصرى من جديد وفى أسرع وقت ممكن إلى منحنى النمو المتصاعد ؟ ... وبعبارة أخرى ، ما هى الإجراءات المطلوبة حتى ينطلق الإقتصاد المصرى من جديد ويحقق معدلات نمو تصل إلى 8% سنوياً ؟ ... فى تقديرنا أن تحقيق هذا الهدف يستدعى ما يلى :
1- زيادة الإستثمارات العامة إلى مالا يقل عن 45 مليارجنيه سنوياً (بالأسعار الحالية ) .
2- زيادة الإستثمارات الخاصة ( مصرية وعربية وأجنبية ) لتصل إلى 70% على الأقل من إجمالى الإستثمارات .
3- تخفيض نسبة عجز الموازنة العامة للدولة إلى الناتج المحلى الإجمالى تدريجياً حتى تصل إلى 5% كحد أقصى .
4- مراجعة السياسة الصناعية لضمان تحقيق أهداف البرنامج الرئاسى وضمان تنافسية المشروعات الصناعية من خلال ترشيد تكاليف الإنتاج والنقل واالتخزين إلى جانب توفير الأراضى والطاقة اللازمة وتوفير الأيدى العاملة المدربة .
خامساً : تساؤلات وإجابات
السؤال الأول: هل نلجأ إلى تخفيض سعر الصرف للمساعدة على تشجيع التصدير ؟
الإجابة : يرى البعض تخفيض سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية كحافز لتشجيع التصدير . ونحن نختلف مع هذا الرأى تماماً ونرى أنه لا داعى لتخفيض سعر صرف الجنيه المصرى ، ليس لأنها مسألة كرامة ، ولكن لأن هذا الإجراء له تداعيات خطيرة أهمها : ارتفاع الأسعار فى الداخل نتيجة ارتفاع قيمة الواردات ، ارتفاع العجز فى الميزان التجارى ، ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة لزيادة قيمة أقساط وفوائد القروض الأجنبية بعد تقييمها بالجنيه ، ... إلخ.
أما عن تشجيع الصادرات ، فهناك وسائل أخرى يمكن الإلتجاء إليها ومن بينها الدعم المباشر للمنتجين المصدرين .
السؤال الثانى : هل يتم فرض ضرائب على الأموال الساخنة لتقليل المضاربات فى البورصة؟
الإجابة : نشير فى البداية إلى أن الأموال الساخنة Hot Money هى الأموال التى تدخل البورصة لشراء الأسهم حينما تكون أسعارها منخفضة ثم تقوم ببيعها حينما ترتفع أسعار هذه الأسهم . ونحن وإن كنا نتفق مع الرأى القائل بأن هذه الأموال تؤدى إلى زيادة المضاربات فى البورصة ، إلا أننا لا نوافق على فرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية التى تحققها هذه الأموال حتى ولو كانت هذه الضرائب تتصاعد كلما قلت الفترة الزمنية التى تبقى خلالها هذه الأموال فى البورصة . والسبب فى ذلك أن فرض الضرائب على المكاسب الرأسمالية للأموال الساخنة سوف يؤدى حتما إلى مزيد من انخفاض أسعار الأسهم فى البورصة وهى قد انخفضت فى الشهور الأخيرة بنسبة حوالى 60% . ونود أن نشير هنا إلى أنه يمكن فرض مثل هذه الضرائب بعد انتهاء الأزمة المالية واستعادة البورصة المصرية لعافيتها .
السؤال الثالث : هل تعنى الأزمة المالية الحالية وحلول مواجهتها نهاية النظام الرأسمالى الحر والعودة إلى النظام الإشتراكى ؟
الإجابة : هذا أمر غير وارد على الإطلاق لأن جميع الدول التى طبقت النظام الإشتراكى قد فشلت فى تحقيق التنمية المنشودة وبقيت اقتصادياتها متخلفة عشرات السنين، ولا يمكن بعد ذلك العودة إلى نظم ثبت فشلها . أما ما يدعيه البعض من أن العودة إلى النظام الإشتراكى قد بدأت فعلا حيث لجأت كثير من الدول فى سبيل مواجهة الأزمة إلى " تأميم" بعض البنوك وشركات التأمين ، فالواقع أن هذا القول مغلوط تماماً لأن شراء الحكومات لبعض البنوك وشركات التأمين هو حل مؤقت ومرحلى للخروج من الأزمة المالية ثم تنسحب الحكومات بعد ذلك من هذه البنوك والشركات . وليس أدل على ذلك من أن خطة الإنقاذ التى أقرها الكونجرس الأمريكى بضخ 700 مليار دولار قد اشترط الكونجرس أن يتم التصرف فى هذه المشاركات خلال فترة لا تزيد عن عامين ، وبعبارة أخرى فإن العيب ليس فى " إقتصاد السوق " فى حد ذاته ، ولكن فى ضعف وتراخى الرقابة على المؤسسات المالية .
ملحق
ملخص فكاهى للأزمة
نشر موقع " جوجل " على الإنترنت ملخصا فكاهيا للأزمة ، غير بعيد عن الواقع ويصور القصة كالآتى :
كان " سعيد " وعائلته يعيشون فى شقة يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهريا . ويحلم سعيد أن يمتلك بيتاً. فاتصل بمكتب عقارى ، أوضح له أنه لا يمكنه الحصول على قرض من أى بنك بسبب انخفاض راتبه ، وخاصة لأنه لا يملك شيئاً ليرهنه ، ولكنهم سيساعدونه فى الحصول على قرض ، بأسعار فائدة منخفضة فى الفترة الأولى حتى يقف على قدميه .
اشترى سعيد بيتاً فى شارع "البؤساء " يسدد ثمنه على دفعات شهرية تساوى ما كان يدفعه إيجارا للشقة . ومع استمرار أسعار العقارات فى الإرتفاع ، ازدادت فرحته لارتفاع قيمة بيته . فاستطاع الحصول على قرض جديد قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت لينفق المبلغ الجديد على الأجازة التى كان يحلم بها فى جزر "واق الواق" . أما الباقى فاستخدمه كدفعه أولى لشراء سيارة جديدة .