دراسة: السياحة الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية في العالم العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اعتبرت دراسة أن تغير المناخ يشكل أحد أكبر التحديات العالمية، وعدّت السياحة من بين القطاعات الاقتصادية الأكثر حساسية للتأثيرات المحتملة للتغير المناخي.
الرباط: أجرى الدكتور عبد اللطيف الخطابي، دراسة حول تأثر السياحة بالتغيرات المناخية، اعتبر فيها أن تغير المناخ يشكل أحد أكبر التحديات العالمية، لما له من انعكاسات سلبية تطال مختلف المرافقوالأبعاد الإنسانية. وعدّ السياحة من بين القطاعات الاقتصادية الأكثر حساسية للتأثيرات المحتملة للتغير المناخي، كما هو الشأن في مجال الزراعة والبيئة والمياه. ويرتبط قطاع السياحة في العالم العربي ارتباطاً وثيقاً بالمناظر الطبيعية والميزات البيئية والخصائص الثقافية للمنطقة، وهو بطبيعته شديد الحساسية للتقلب والتغير المناخي، بشكل مباشر أو غير مباشر. وترتبط السياحة في بلدان عربية عديدة ارتباطاً وثيقاً بهذه الأسس الطبيعية، ويتأثر البعض منها تأثراً شديداً، و بطرق مختلفة بتقلب المناخ وتغيره.
وأفادت دراسة أنجزها الدكتور عبد اللطيف الخطابي، بروفسور في المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين (ENFI) ومنسق مشروع "التأقلم مع تغير المناخ في المغرب" (ACCMA)، لفائدة المنتدى العربي للبيئة والتنمية ''أفد'' أن قطاع السياحة أضحى عرضة لتأثيرات التغير المناخي. وفي سياق دراسة جوانب قطاع السياحة وتحدي التغير المناخي، تناول العلاقة بين السياحة والمناخ، وأشار إلى كونها معقدةجداً، ويبقى من الصعب تحديدها، بما أن هذا القطاع هو في الوقت نفسه عرضة للتغير المناخي، ومن أبرز مصادر انبعاثات غازات الدفيئة.
وتشير هذه الازدواجية إلى تحدي التخفيف من أثر المناخ، من جهة، وإلى مشاكل التأثر والتكيف، من جهة أخرى. وتعتبر ميزة العلاقة بين السياحة والتغير المناخي جديدة في مجال المنشورات والمؤلفات، لكنها حظيت باهتمام خاص في العقدين الأخيرين.
وسلطت الدراسة الضوء على بعض القضايا المتعلقة بالسياحة والتغير المناخي في العالم العربي ووقعها المحتمل على اقتصاديات بلدانه. كما أشارت إلى بعض الإجراءات التكيفية والتخفيفية التي يتعين اتخاذها على الأمد القصير والمتوسط والطويل، وللتقليل من تأثر هذا القطاع.
ويشكل المناخ ميزة أساسية لوجهة سياحية ما، بل إنه عامل اندفاع ورضا قوي. ويعتبر مفهوم "الطقس الجيد" رهناً بالوجهة ونوع النشاط المتوخى والسائح (العمر، والصحة، الخ)، إضافة إلى عوامل أخرى. ويحدد المناخ طول موسم السياحة ونوعيته، ويلعب دوراً مهماً في اختيار وجهة السياح وإنفاقهم. وتشير الدراسة كذلك إلى المبادرات الناجحة نسبياً التي تم تطويرها، والتي تهدف إلى تجسيد هذه العلاقة، منها "مؤشر الراحة السياحية"، الذي يجمع بيانات حول معدل درجة الحرارة ودرجة الحرارة القصوى و نسبة تساقط الأمطار وأشعة الشمس والرياح والرطوبة، من أجل تعيين مؤشر للموقع، يعكس درجة الراحة المناخية التي يشعر فيها السائح في موقع معين.
ويؤكد البروفسور الخطابي في معرض دراسته أن السياحة أصبحت في العالم العربي ذات أهمية متزايدة، نظراً إلى المقومات الطبيعية والثقافية والتاريخية والسياحية لدول المنطقة. وتعتبر خمسة بلدان عربية بين الخمسين الأولى من حيث عائدات السياحة في العالم، حيث تعتبر مصر الأولى، إذ تحتل المرتبة السابعة والعشرين، تليها المغرب (المرتبة 31) والمملكة العربية السعودية (المرتبة 38) ولبنان (المرتبة 41) والإمارات العربية المتحدة (المرتبة 42). لذا تعتبر السياحة قوة داعمة للاقتصاديات المحلية و مصدراً للعملة الأجنبية، خصوصاً بالنسبة إلى الدول ذات الموارد الطاقية المحدودة، مثل المغرب وتونس ولبنان. كما يمكن أن تكون بديلاً دائماً للدول ذات الاقتصاد القائم على موارد الطاقة غير المتجددة.
وتضيف الدراسة أن تقارير عدة تميل، في ما يتعلق بتطور المناخ في المنطقة العربية، إلى تسليط الضوء على توجه نحو ارتفاع في درجة الحرارة، يرافقه انخفاض في تساقط الأمطار في معظم البلدان العربية. يلازم هذا التوجه اشتداد الأحوال الجوية القاسية، مثل الجفاف والعواصف وموجات الحرارة. ويتوقع في المغرب، على سبيل المثال، أن يتوسع الجزء القاحل في البلد نحو الشمال والشمال الشرقي وزيادات في متوسط درجة الحرارة ومدة الجفاف وعدد الأيام الحارة، إضافة إلى انخفاض معدل هطول الأمطار. ويمكن للتفاعلات البيولوجية والفيزيائية للارتفاع المتواصل في درجات حرارة المحيطات ونقص في المياه وارتفاع مستوى سطح البحر أن تنعكس على مؤشر "الراحة المناخية".
وأكدت الدراسة أن بلداناً عربية عديدة قد تشهد، بما فيها تلك التي تنتمي إلى الدول الخمسين الأكثر اجتذاباً للسياح في العالم، انخفاض أعداد السياح، وبالتالي عائدات السياحة. وتشكل المملكة العربية السعودية استثناء، إذ إن معظم السياح فيها هم من الحجاج، ودافعهم الواجب الديني، لا الترفيه. كما ستتأثر النظم الأيكولوجية للشعاب المرجانية بشكل ملحوظ بالتغير المناخي، في بعض مناطق مصر والأردن، وقد يكون لذلك آثار سلبية على هذه الوجهات السياحية.
وساقت الدراسة النتائج المباشرة وغير المباشرة المحتملة للتغير المناخي، والمتمثلة في ازدياد متوسط درجات حرارة البحر و الهواء، وارتفاع مستوى سطح البحر، وازدياد وتيرة موجات الحرارة والجفاف ودرجات الحرارة القصوى وشدتها، وانخفاض نسبة هطول الأمطار. في حين تتضح الآثار غير المباشرة جلياً في تآكل السواحل، وغمر المناطق الساحلية، وتزايد الضغط على النظم الأيكولوجية، وتملح المياه الجوفية، والجفاف، وتآكل التربة، والانهيارات الأرضية. لتخلص إلى كون اختلاف تأثر قطاع السياحة بمفاعيل التغير المناخي المباشر وغير المباشر من منطقة إلى أخرى، كما يختلف حسب الممارسات السياحية.
وعلى مستوى العالم العربي، ذكرت الدراسة أن الآثار المباشرة للتغير المناخي ستكون على قطاع السياحة مهمة، وذلك لكون المنطقة ستكون عرضة لزيادة في تواتر الأحداث المناخية القاسية (مثل حالات الجفاف وموجات الحر). وترتبط السياحة في بلدان عربية عديدة ارتباطاً وثيقاً بهذه الأسس الطبيعية، و يتأثر البعض منها تأثراً شديداً، وبطرق مختلفة، بتقلب المناخ وتغيره، كما ستزيد تفاعلات بحرية وبرية من ظروف حرارية خطرة. وفي المناطق الساحلية من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. حيث يتوقع في الصيف أن تزداد درجة حرارة سطح البحر المتوسط، لتجعل المنطقة أكثر ملائمة لحدوث إعصار استوائي.
وتناولت الدراسة إشكالية الموارد المائية، ذلك أن شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ويعتبران من المناطق الأكثر جفافاً، حيث إن الموارد المائية هي الأدنى بين مناطق العالم، مما يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غالبية بلدان هذه المنطقة. ويبلغ معدل نصيب الفرد من المياه نحو 7000 متر مكعب سنوياً على المستوى العالمي، في حين إنه يقل عن ألف متر مكعب للفرد في المنطقة. هذا إضافة عن إمكانية التأثر الكبير لكل من العرض والطلب على المياه بفعل التطور المناخي.
ويعتبر قطاع السياحة من القطاعات الأكثر استهلاكاً للماء، كما تؤكد الدراسة، سواء لأغراض الشرب والصرف الصحي أو لدعم خدمات أخرى، مثل أحواض السباحة وملاعب الغولف والمساحات الخضراء. ويتفاوت هذا الاستهلاك وفقاً لنوع الأنشطة السياحية ومستوى الراحة المطلوب، ويمكن لمس طريقة تأثر هذا القطاع بندرة المياه على مستويات مختلفة. ويتوقع أن يؤدي ضغط التنمية السياحية على الموارد المائية إلى تضاربات في الاستخدام، لاسيما عند تحويل المياه من الزراعة التي تضمن الأمن الغذائي للسكان المحليين إلى نشاطات صناعية سياحية.
كما سوف يؤدي الحد من تدفقات المياه ومخزون المياه في البحيرات إلى تدهور نوعية المياه، عن طريق التلوث وإغناء المياه بالمغذيات، وسيؤدي هذا الوضع إلى تناقص قيمة الاستجمام وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. وسيكون للفيروسات أو المكروبات الجديدة إمكانية النمو في بيئة متغيرة جديدة، مع تغير درجات الحرارة، مما قد يؤثر على دفق السياحة و الأهمية الاقتصادية للقطاع. وبذلك تشير الإسقاطات المستندة إلى ملاحظات في شمال شرق المغرب منذ بداية القرن العشرين إلى ازدياد ندرة المياه، نتيجة الضغط المناخي والبشري، ويبدو أن التنمية المستدامة الطويلة الأمد تشكل تحدياً، لاسيما في ما يتعلق بوفرة المياه وانجراف الشواطئ التي تشكل أساساً لمعظم السياحة المروج لها حالياً في المنطقة، لاسيما بالنسبة إلى بلدان شمال أفريقيا.
وخلصت الدراسة إلى وجوب التأقلم مع التغير المناخي، من خلال تحسين إعدادات هذا القطاع الاقتصادي لمواجهة التحديات والإكراهات. وتبرز الحاجة إلى معالجة نقاط أساسية عديدة، تشمل معرفة عميقة لمتطلبات السياحة وحاجاتها، للتكيف مع المناخ و البيئة وأحوال الطقس ومدى حساسية مختلف المنتجات والخدمات السياحية وتأثرها بالتغير المناخي. وهناك حاجة ملحة إلى وضع سيناريوهات للمخاطر والتهديدات المحتملة في ما يتعلق بالتغير المناخي في مناطق مختلفة من العالم العربي، وتتضمن هذه النقطة تطبيق سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على المنطقة العربية وتقويم مدى التأثر وخيارات التكيف.