الاتجاهات والأولويات في قمة العشرين اللندنية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يتوجه خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - إلى العاصمة البريطانية للمساهمة في قمة العشرين التي ستبدأ في الثاني من نيسان (أبريل) المقبل ومعه فريق ممن قادوا اقتصادنا بنجاح وتعاملوا مع الأزمة ببراعة, فالمملكة تعد مثالاً يحتذى به وخاصةً في نظام المراقبة البنكي الذي سيكون أحد المحاور الرئيسة في هذه القمة. استباقاً لعقد هذه القمة حذرت المملكة المتحدة من عواقب فشل قمة العشرين, فبريطانيا هي الأكثر قلقاً من هذه الأزمة ليس بسبب أنها هي الراعي لقمة العشرين وتريد النجاح لهذه القمة ولكن بسبب أنها هي الأكثر تأثراً من هذه الأزمة مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى, فكل التوقعات تضع بريطانيا في آخر الدول التي ستسترد عافيتها من هذه الأزمة حتى وإن كانت الولايات المتحدة قد سبقتها في تسجيل انكماش في اقتصادها. هذا بسبب أن أكثر من ثلثي الاقتصاد البريطاني يعتمد على قطاع الخدمات وخاصة الخدمات المالية ولا تزال بنوكها تواجه مصاعب كبيرة ولا تزال الحكومة تجبر على التدخل وشراء نسبة من هذه البنوك. لهذا فإن بريطانيا تتطلع إلى المزيد من الدعم المالي للمؤسسات المالية من الدول الأخرى في حين أن ألمانيا وفرنسا لا تريان الضرورة في توفير الدعم المالي الكبير فمؤسساتها المالية أحسن حالا من مثيلاتها في بريطانيا وأمريكا.
دول مثل: اليابان, الصين, السعودية, ماليزيا, البرازيل, الهند, وروسيا وغيرها تريد إعادة النمو إلى مستويات ما قبل الأزمة وخاصة النمو للدول متوسطة ومنخفضة الدخل التي لا تعرف كيف تواجه الأزمة أو لا تملك الموارد المالية الكافية للتعامل مع الأزمة بشكل يمكنها من تخطيها. في هذا الصدد فإن دور صندوق النقد الدولي في إعانة هذه الدول سيكون أحد محاور النقاش في هذه القمة, فهناك دول تريد أن ترفع من احتياطات صندوق النقد الدولي كي يتمكن من تقديم مساعدات أكبر وبشكل فعال. بسبب انخفاض الطلب العالمي فإن أكثر من 130 مليون إنسان في العالم فقدوا وظائفهم منذ بداية الأزمة ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 160 مليونا في نهاية هذا العام. اليابان خسرت نحو 50 في المائة من قدرتها التصديرية, وفي الأيام القليلة الماضية خفض البنك الدولي توقعه لنمو الاقتصاد الصيني من 8 في المائة إلى 6.5 في المائة وهي الدولة الوحيدة التي حققت متوسط نمو فوق 9 في المائة منذ الثمانينيات من القرن الماضي, أي أن هذا الانخفاض يعني أن الصين لن تقدر على توفير العمل الكافي لمواطنيها عند هذا المستوى, فمن المتوقع أن يفقد أكثر من 25 مليون صيني وظائفهم في هذه الأزمة. مع ارتفاع البطالة في العالم فإن بعض الدول بدأت باللجوء إلى فرض نوع من الحماية لبعض قطاعاتها المهمة في محاولة للحفاظ على العمل لمواطنيها وهذا له عواقب سلبية على معالجة الأزمة الاقتصادية. هناك كثير ممن يعتقد أن الحمائية إن وجدت في دولة ما فإنها ستكون مؤقتة ومحدودة.
بغض النظر عن الاختلاف في التوجه والاهتمام, فإن جميع الدول تتطلع لمعالجة المشكلة الأساسية المتمثلة في فقد الثقة في النظام المالي للكثير من الدول المتقدمة. لا يمكن إعادة الاستقرار للنظام المالي العالمي دون إحداث تغييرات تصحيحية في أنظمة المراقبة للأنظمة المالية في كل الدول كي لا تتكرر هذه الأزمة, فعندما يكون الإبداع والابتكار المالي والتفنن في تطوير وبيع وإعادة بيع السلع المالية سبب في انتكاسة النظام المالي العالمي فإن هناك خطأ جوهري في أنشطة البنوك التي أصبحت أكثر من متعددة وأسوأ من هذا عدم معرفة أجهزة الرقابة ببعض هذه الأنشطة البنكية. في هذا الشأن فإن دول قمة العشرين لا تزال تبحث عن أفضل طريقة لتطوير الأنظمة الرقابية والمعايير المحاسبية للبنوك والمؤسسات الائتمانية. قد يضطلع البنك الدولي بمهمة المراقبة وقد يخلق نظام يتم من خلاله تبادل المعلومات الرقابية بين الدول حيث يتم من خلالها إعادة الإقراض بطريقة مسؤولة وعادلة وخالية من الطمع والفساد الأخلاقي.
توجهات قمة العشرين واضحة ومعروفة إلا أن الأولويات في التعاطي معها قد تشكل عائقاً يحد من نجاحها في تحقيق خطوات حقيقية وملموسة في التعامل مع الأزمة بشكل يعيد النمو للاقتصاد العالمي. من المشجع جداً أن عددا من الدول أصبحت اليوم تؤمن أن حل الأزمة الراهنة لن يتم إلا بتوجيه ومشاركة دول العالم مجتمعة ولن يتم حلها بالتعامل الفردي للدول الذي قد يزيد من سوئها. دور المملكة في هذه القمة رئيس ومهم جداً, فالمملكة كانت من أول الدول التي تعاملت بمسؤولية كبيرة اتجاه الاقتصاد العالمي, فعلى مرور الـ 15 سنة الماضية كانت وما زالت المملكة تعمل على استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية بمستويات تساعد على الحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي. لقمة العشرين في سياسة المملكة الاقتصادية والبنكية مثال تستطيع أن تتمعن فيه أو تأخذ به, فأحد أهدافها هو نشر مستوى أكبر من المسؤولية بين دول العالم في تطبيقها ومراقبتها لأنظمتها البنكية.