الخبازون في الجزائر بين سعر الأملاح ومشكلة الأرباح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر: عاد الخبز المتداول في الجزائر مجدداً، ليقفز على السطح، بعدما أثير كثير من اللغط حول سعر ونوعية الأملاح، وكذا مسألة محدودية الأرباح التي أثارت أزمة كبيرة في شتاء 2008، وتزامن هذا الجدل المحتدم مع ما أثارته مراجع محلية حول تجاوزات خطيرة تطال الخبز المسوّق هناك، في صورة ظاهرة "التطفيف في الوزن" والتلاعب الذي يتّم تحت مظلة الملح المنقوص من مادة اليود، فيما يتابع الرأي العام المحلي بقلق بالغ تطورات ما تشهده سوق الخبز في الجزائر.
يقول خبازون في أحياء باب الوادي، العقيبة وبرج الكيفان ضواحي الجزائر العاصمة، إنّهم يعانون وضعاً سيئاً، بسبب غلاء سعر الملح المعالج، وتجاوزه عتبة الـ40 ديناراً للكيلوغرام الواحد، ما جعل كثير من الخبازين يتحدثون إلى "إيلاف"، ويكشفون أنّ زملاء لهم في المهنة يفضلون استخدام الأملاح غير المعالجة في طهي الخبز المحلي، وهو من نوع "الباجيت الفرنسي"، رغم أن تكلفة الملح غير المعالج في الرغيف الواحد ليست بعيدة جداً من ملح اليود، بواقع 0.16 دج بالنسبة إلى الأول، و0.33 دج للثاني.
ويبرّر خبازون كمسعود، الطيب، سعيد، وطاهر، هذا (الخيار) بمسألة "هامش الربح الضئيل"، الذي يفرض على كثيرين الاتجاه إلى الأملاح غير المعالجة الرخيصة الثمن، خصوصاً مثلما يقولون في ظلّ غياب دعم الدولة للخبازين، الأمر الذي حتّم على 20 % من الخبازين التوقف، بسبب وضعهم الكارثي، إضافة إلى الديون التي أثقلت كواهلهم. في غضون ذلك، أبدى مستهلكون استياءهم الشديد من تنامي مشكلة التطفيف في الوزن، التي صارت "حيلة" يلجأ إليها فريق من الخبازين، لتحصيل أرباح أكثر من العادة.
ويشير علي، رضوان، سمير وعمر، الذين التقيانهم في مخبزة وسط العاصمة، إلى أنّ وزن الخبزة الواحدة صار في حدود مائتي غرام، بعدما كان يقدّر بنحو 250 غراماً، وهو ما أدى بحسب الزبائن إلى بروز "الخبز المغشوش" بقوة في الأسواق، والمثير أنّ هذه النوعية الخاصة من الخبز تباع عادياً بسعر مشابه لسعر الخبز العادي، في المحال العامة، وكذا الطاولات التي تُنصب على نحو غير مشروع في الأحياء الشعبية.
ولا يستطيع أي مستهلك اكتشاف الغش الممارس في الخبز، وسط الفوضى العارمة محلياً، والافتقاد إلى جمعيات حماية المستهلكين، وتباطؤ الجهات الوصية في التحري حول موضوع يشهد اتساعاً، رغم توصل فرق مخبرية إلى كون خبازي الشرق الجزائري يوظفون 60 % من الملح غير المعالج، وهي نسبة ترتفع إلى مستوى 69 % في محافظات الشمال، فيما تعدّ مخابز الجنوب الجزائري الأسوأ حالاً بنسبة 75 %، علماً أنّ المشرّع المحلي يلزم الخبازين باستخدام ما بين 50.55 % إلى 84.25 % من اليود في المليغرام الواحد من الملح.
ويركّز "يوسف قلفاط"، رئيس اللجنة الجزائرية للخبازين، في مقابلة مع "إيلاف" على ضرورة فرض رقابة أكبر، مع إقرار مراجعة فورية لأسعار الأملاح، والسعي إلى تخفيضها، مع إنشاء مخازن خاصة بالأملاح على مستوى جميع المحافظات، ويرى قلفاط في خطوة كهذه الحل الأمثل لما يجري، وما ينجرّ عنه من تأثير على نوعية الخبز وصحة المستهلكين، كما دافع قلفاط عن جمهور الخبازين، قائلاً إنّ الكثير منهم لا يتعمدون توظيف الملح المنقوص من اليود.
ولمواجهة التلاعبات الخاصة بالأملاح غير المعالجة، بدأت مصالح الرقابة بعمليات حجز واسعة، ضمن حملة تقوم على محاربة الغش، من خلال غلق كل مخبزة تتورط في مخالفات، ويتم أيضاً فرض غرامات مالية، وتحريك دعاوى قضائية ضدّ أصحاب المخابز، التي يثبت ضلوعهم في تطفيف الوزن واستخدام الملح غير المعالج.
وأدت مضاربة المطاحن والتهاب أسعار القمح اللين، قبل عام ونصف عام، بألفي خباز إلى غلق مخابزهم، نتيجة ما سموه "وضعاً مزرياً"، على خلفية الإرتفاع الفاحش والكبير لسعر مادة القمح اللين، ومعاناتهم من تضخم قيمة فواتير الكهرباء والمازوت والماء، ودفعت بالكثير منهم إلى غلق محالهم، والاستغناء عن حرفتهم.