الفورة الاقتصادية في الصين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس: يجب لأي تقييم للاقتصاد الصيني أن ينطلق من حقيقة أن السلطات السياسية في بيجينغ قد تكون الرائدة عالمياً من حيث أداء اقتصاد بلدها، إلاّ أنها قد تكون اليوم متجهة للوقوع في مشاكل.وقد أثبت الصينيون على مدى الثلاثين سنة الماضية أنهم ماهرون في تحقيق نمو اقتصادي مستدام والحفاظ على ارتفاع مستوى المعيشة لديهم، حتى أن بلدهم بات اليوم على وشك تخطي بألمانيا بصفتها الدولة الأولى المصدّرة ، واليابان بصفتها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وجدير بالذكر أن القادة الصينيين ربطوا بين أداء اقتصادهم الباهر واستقرار بلدهم السياسي. وقد ناقشوا مؤخراً مسألة القيام بتغيير اجتماعي دراماتيكي. وكل ذلك يشكل نموذجاً بديلاً لكل الدول النامية الأخرى كي تصبح على غرار نموذج الغرب التقليدي الذي يتمتع بديمقراطية السوق الليبرالية . وبالتالي فإن نموذج بيجينغ هو سلطوي يتمتع بنمو يعتمد على الصادرات.إلاّ ان السؤال الذي يُطرح هو هل سيتمكن هذا النموذج من الاستمرار بسهولة عندما تنخفض شهية أسواق أميركا الشمالية وأوروبا على الواردات الصينية؟.
والتحدّيات الصعبة الأخرى التي تواجهها السلطات الصينية معروفة جداً: قلة الأراضي الزراعية ونقص مصادر المياه والاعتماد المتزايد على الطاقة المستوردة وأزمة بيئية خطيرة جداً وصلت إلى درجة اعتبارها أساساً للمشاكل الصحية ، بالإضافة إلى الكابوس الديمغرافي الذي سينتج عاجلاً عن اتباع سياسة الطفل الواحد لمدّة ثلاثين سنة.
كل هذه التحديات صعبة،.. إلاّ أن الأمر الأهم والذي يجب الالتفات إليه بسرعة هو ازدياد الأموال الطائلة التي تضخ في القطاع الإقتصادي نتيجة للاستراتيجية التي اتبعتها بيجينغ للهروب من أزمة الركود العالمي.وشهدت الصين خلال الشهور الستة الماضية ما يشبه الانتعاش إذ من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها للعام 2009، 8%.ونجم هذا الانتعاش السريع في الاقتصاد الصيني عن الازدياد الضخم في نسبة الاقتراض المصرفي. ففي النصف الأول من السنة الجارية بلغت نسبة القروض الجديدة 1،1 تريليون دولار أميركي، أي حوالي ضعف قروض العام الماضي.
وعلى هذا النحو فإن البنوك الصينية ستقدم هذه السنة قروضاً قد توازي نصف الناتج المحلي الإجمالي، في سابقة لا مثيل لها في الصين أو حتى في أي بلد آخر.وأغلب هذه الأموال سوف تستثمرها الشركات الحكومية في مشاريعها المتعلقة بالبنى التحتية ،عدا عن استثمارها في الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة الأكثر إنتاجية.وقال المسؤول في مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني وي جيانينغ إنه يشتبه بأن حوالي 1،2 تريليون يوان من أموال القروض قد استثمِر في البورصة بطريقة غير شرعية.
وتبرز اليوم فورة عقارية تتزايد بسرعة كبيرة جداً.ويقول محللون في مجموعة "ميتسوبيشي" التمويلية إن مراجعة حديثة لأسعار الأراضي المعروضة في المزادات تشير إلى أن ثمن المتر المربع الواحد من الأراضي غير المستخدمة يبلغ اليوم أكثر منه في الأراضي المأهولة. ويشيرون إلى أن سعر الأراضي المأهولة أيضاً يزداد بنسبة 10% شهرياً.ويضيف المحللون إن "سبب سيطرة المؤسسات الحكومية الكبرى يعود إلى قدرتها على تلقي الكثير من التمويل من البنوك وتقديمها إلى الشركات العقارية في مجموعات أخرى".
وتظهر كثير من الأبنية السكنية المكتملة ولكن الفارغة ،ومراكز التسوق غير المكتملة ،وهذا ما يلفت إليه أحد التقارير الصادرة مؤخراً والذي يشير إلى أن 10 مليارات دولار من القروض مستثمرة في أبنية غير مكتملة في مدينة غوي يانغ.ومثل هذه الأبنية تعود بالفائدة على أصحابها الذين يجنون معظم دخلهم من بيع الأراضي ويعطون 5% من أرباحهم للدولة ويحتفظون بالباقي.ويقول اندي كزي المحلل لدى "مورغان ستانلي" إن "سوق الأسهم والعقارات الصينية شهدت فورة جديدة بدعم من القروض المصرفية وخوفاً من التضخم. وأعتقد أن الأسهم والعقارات الصينية ازدادت أسعارها بنسبة 100%".وقد يكون الانتعاش، الذي يعتمد على إعادة تضخيم "فقاعة" الممتلكات، سريعاً إلاّ أنه خطر جداً.
ويحذر رئيس أحد مراكز الأبحاث في الصين من أن ذلك "قد يفاقم مشكلة تفاوت الثروات التي تحدث عدم استقرار سياسي، كما ويسبب سوء توزيع للمدخرات والموارد الطبيعية ويهدد بتدهور في الثروات إن أساء صناع القرار الحكم على الاستراتيجية الحالية ولم يكبحوا المسألة".وتسعى اللجنة المنظمة للبنوك في الصين إلى كبح الديون لكن ذلك أتى متأخراً جداً. فالبنك الزراعي الصيني قد يحتاج إلى 247،9 مليار يوان نتيجة لخسائر القروض.علاوة على ذلك ، فإن موجة من التضخم تصيب الصين أكثر من أي بلد آخر ( بنسبة 15% على مدى الشهور الثمانية عشرة الأخيرة مقارنة مع 2،4 % في البرازيل على سبيل المثال).
وهنا يكمن الدور العميق للسياسة، فالصراع سوف يبدأ على منصب رئاسة البلاد بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي هو جين تاو في العام 2012، وهو بالطبع يريد بشدّة حماية شرعيّته عبر التأكيد بأن مؤيديه يشكلون الغالبية. فالوقت غير مناسب إذاً لتسجيل أي تقرير اقتصادي سيئ عن البلاد.وعلى أي حال فمن المتوقع أن تحقق بيجينغ هدفها بإيصال نسبة النمو السنوي فيها إلى 8% ،حتى وإن كانت الفورة الناتجة تتعارض مع حاجة الصين إلى التخفيف من المشاكل التي تتكشف لها