تطلّعات للارتقاء بمنظومة الصيرفة الإسلاميّة في الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كامل الشيرازي من الجزائر:على الرّغم من الراهن المحتشم لتجربة الصيرفة الإسلاميّة في الجزائر ومحدوديّتها، حيث لا تزال مقتصرة على مصرفي "البركة" و"السلام"، إلاّ أنّ ثمة إجماع سائد محليًّا يلحّ على حتميّة الارتقاء بمنظومة الصيرفة الإسلاميّة خصوصًا في ظلّ أزمة المال الكونيّة المحتدمة، ويشير الخبراء أحمد بن بيتور، وأرسلان شيخاوي، وأنيس بن مختار في تصريحات خاصة بـ"إيلاف"، إلى أنّ أميركا اضطرّت في أوج مأزقها للعودة إلى ما تنصّ عليه المفاهيم الإسلاميّة في المعاملات التجاريّة، حيث أقدمت واشنطن على البحث عن حلول للأزمة داخلمصارف الشريعة الإسلاميّة، وما ترتب عن ذلك من قبول النظام المصرفي الأميركي تداول الصكوك الإسلاميّة بشرط تسميتها باسم الصكوك المحاكية للصكوك التقليدية. ويعود أوّل عهد للجزائر بالصيرفة الإسلاميّة إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع تأسيس مصرف "البركة" الإسلامي سنة 1991، قبل أن يلتحق بهمصرف "السلام" العام قبل الماضي، وظلّ المصرفان المذكوران يوفّران منتجات إسلاميّة لاقت رواجًا بين الزبائن لا سيّما تلك الخاصّة بقروض شراء السيارات، إلاّ أنّ هذا التحوّل لم يواكبه سنّ قوانين خاصّة بالصيرفة الإسلاميّة، علمًا بأنّ المشرّع الجزائري من خلال قانون النقد والقرض، لم يتضمّن بشكل صريح أيّ إشارة إلى نشوء مصارف إسلاميّة، وربط أي عرض لمنتجات إسلاميّة إلى مجموعة قواعد احترازيّة، على غرار فرض الضريبة الجبائية في صفقات البيع الخاضعة للشريعة الإسلامية سواء المرابحة أو بالتمليك بعد الإيجار. ويشير الخبير أنيس بن مختار إلى كون تجربة الصيرفة الإسلامية على الرّغم من كلّ اللا وضوح، تظلّ مغرية، مستدلاًّ بنجاحمصرف "البركة" نموذجًا في قروض الاستهلاك، بأرباح تتعدّى الخمسة عشر مليون دولار سنويًّا. وبحسب بن مختار، يمكن للصيرفة الإسلاميّة أن تقطع أشواطًا عملاقة لو تستفيد من دعم أكبر، ويتمّ تمكين آلاف المهتمّين بها من اتّخاذها كتخصّص أكاديمي. ويقيس أرسلان شيخاوي مستوى فعالية الصيرفة الإسلاميّة مقارنة بنظيرتها التقليديّة، بمستويات أرباح المصارف والمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة التي تحقّق عائدًا أفضل من المصارف التقليديّة في الكثير من الدول العربيّة، ويعتبر أنّ الزيادة في عدد المصارف والمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة تعكس الرغبة في التمويل الإسلامي.
وبشأن اختلاف الفتاوىبين مجلس تشريعي وآخر حول شرعيّة المنتجات التي تطرحها المؤسّسات الماليّة، يرى رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد بن بيتور وهو خبير اقتصادي في تصريحات خاصّة بـ"إيلاف" أنّ الكثير ممّن شرّعوا في الربا لهم تحكم في الفقه الديني وليس لهم تحكم في الفقه الاقتصادي والمالي، بينما هناك آخرون لهم تحكم في الفقه الاقتصادي والمالي وليس لهم تحكم في الفقه الديني، ومن المفروض أنّ من يشرّع في الريع، بحسب بن بيتور، أن يكون له تحكم في الفقه الاقتصاد والمالي الآني، وليس ذاك الذي كان موجودًا قبل مئة أو ألف سنة، وأيّ مشرّع في الربا، لا بدّ من أن يبتعد عن العنعنة، وتفسير تسلسل النزول. فالآية الأولى تكلّمت عن المقارنة بين الربا والصدقة، وجاء فيها أنّ الصدقة تربو عند الله والربا لا يربو عنده، وتاليًا هناك تكوين بيداغوجي للناس، وكون الآية مكيّة والنبي كان ينتمي إلى فئة المستضعفين، لم يفرض الله تحريمًا مباشرًا، لِما قد يشكّله ذلك من مخاطر. بعد ذلكأتت آية تحدّثت عن ناس حُرّم عليهم الربا من قبل، على نحو أبرز أنّ الرباتمّ تحريمه في ديانات سبقت الإسلام، خصوصًا بعدما بات الربا يتماشى مع الرق، ليتمّ بعد ذلكتحريم الربا أضعافًا مضاعفة، ويسجّل بن بيتور أنّه لمّا نتكلم على تحريم الربا، نجده في السّوق الدوليّة، لكن في النظم المصرفية المختصّة بتمويل الاستثمارات، غير مطروح، كون المنتوج فيه فائدة للمسلمين وفي خدمة الإسلام.
ويتصوّر بن بيتور بضرورة التفريق بين نظام مصرفي تابع لمصرف مركزي محكوم بقوانين معيّنة، ورأس المال العالمي الذي لا يخضع لرقابة ولا يرتكز على شروط معيّنة، ويتحدّث عن العلاقة بين القرض والادّخار والقرض والأموال المطروحة وما إلى ذلك، إضافة إلى القواعد التي يرسيها أيمصرف مركزي وتمنع منح الأموال لشخص واحد، وتجنح إلى ما يسمّى بتوزيع المخاطرة. ويشير بن بيتور إلى أنّه عندما نأتي إلى النظام الرأسمالي العالمي، هناك الاستعمال المكثف للإعلام الآلي والاتصالات، لأنّ تكنولوجيا المال تقوم على نقل حروف وأرقام، وهنا يقع الربا، لأنّه حينما يتمّ منح قرض بنسبة معيّنة، ثم تُدخل عليه آليات جديدة للتأمين، يتمّ مُضاعفتها أضعاف مضاعفة، وهو ما يطبّق عليه قواعد الربا، وتاليًا فإنّ تحريم الربا سينفع على مستوى الاقتصاد العالمي، خصوصًا على مستوى رؤوس الأموال الخاضعة إلى رقابة الدول.
من جانبه، يؤكّد حسين محمد الميزة نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في مجموعة مصرف "السلام" لـ"إيلاف"، أنّمصرف "السلام - الجزائر"، يريد الإسهام في الجهود الرامية إلى خلق سوق للصيرفة الإسلامية في الجزائر، حيث سيقوم بتوفير أحدث التقنيات والخدمات المصرفيّة المتوافقة مع الشريعة الإسلاميّة، من خلال "سوق المعاملات المصرفيّة اللا ربوية في الجزائر". ويرى الميزة أنّ المصرف مرشّح للقيام بدور ريادي في قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية في الجزائر من خلال توفير منتجات وحلول مصرفيّة متوافقة مع الشريعة الإسلاميّة وأحكامها في المجالات العقارية والصناعية والزراعية، وهذه الخطوة تنّم عن رؤية مصرف "السلام" الطموحة بتوسيع عملياته ودخول أسواق جديدة تتمتع بفرص نمو كبيرة على غرار ما توفره الجزائر.