اقتصاد

جدل حول جدوى تحديد هوامش الربح لتجارة الإسمنت في الجزائر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كامل الشيرازي من الجزائر: أثار إعلان السلطات الجزائرية مؤخرا عن تحديد هوامش الربح لتجارة الاسمنت، جدلا واسعا في الأوساط المحلية، حيث اعتبره متعاملون وتجار تحدثوا لـ"إيلاف" مجازفة وخطوة غير مدروسة ستزيد من متاعبهم، بعدما تعثرت عدة مشاريع وسقطت عشرات ورش الإنشاءات العامة في فخ الاحتباس خلال الأشهر الأربعة الماضية، بسبب بقاء معضلة الاسمنت عالقة وما صاحبها من مضاربات.وعبّرت كوكبة من التجار عن تذمرهم للإجراء المُعلن عنه قبل أيام، وما تضمنه من ضبط هوامش الربح القصوى للتوزيع بالجملة و التجزئة المطبقة على الاسمنت البورتلاندي المركب الموضب بـ80 دينارا للقنطار و40 دينارا بالنسبة إلى كيس الإسمنت من فئة 50 كيلوغراما (الدولار الواحد يعادل 85 دينارا)، كما حُدّد هامش الربح الأقصى للقنطار الواحد من الإسمنت الموضب الذي يسوق بالتجزئة بـ120 دينارا و60 دينارا لكيس الاسمنت من فئة 50 كيلوغراما.


وتساءل أحمد زميري وهو تاجر للإسمنت في ضاحية دالي إبراهيم، كيف أنّ سلطات بلاده اهتدت إلى هذا الحل الذي وصفه بـ(الغريب)، وقال أحمد (53 سنة) إنّه كان الأجدى بدوائر القرار أن تضع حدا لظاهرة ندرة الاسمنت، وتكون أكثر صرامة مع المضاربين، ولا تكتفي بخطوة يُفهم منها أنّ التجار هم المذنبون، وأيّد التاجر هامشي زفار، رأي زميله، وأبدى انزعاجا من كون الوزارة الأولى لم تبال -بحسبه- بـ(تحايلات) من يُصطلح عليهم محليا بـ"أرباب السوق السوداء"، ما أسفر عن بلوغ حجم التلاعبات بالإسمنت الأسود وكذا الإسمنت الأبيض، إلى مستويات قياسية صار السعر معها يزيد بأربعة أضعاف قيمته الحقيقية في غياب الرقابة، وهو ارتفاع فاحش ولّد خسائر محسوسة لدى أصحاب المقاولات.
وفيما يتوقع متعاملون أن يتسبب تحديد هوامش الربح في تنامي آفة الرشوة، يشير المقاول "سليم كسّال" الذي يشرف على مشاريع في ضاحية الجزائر الغربية، حيث اشتكى من كون كثير من المقاولين عجزوا عن توفير الاسمنت، وانعكس ذلك أيضا على تسليم مشاريعهم في آجالها القانونية، وما ترتب عن ذلك من عقوبات جراء إخلالهم بتعاقداتهم، رغم أنّ المسؤولية تقع على عاتق المضاربين ولهثهم وراء تحقيق أرباح سريعة بكل الوسائل، بينما نشطت حمى ممارسات مشبوهة تسببت بحسب مصادر في اختفاء مصير 4.7 ملايين طن جرى إنتاجها وحوّلت على نحو غير مفهوم عبر مسارب مجهولة. ويرى مراقبون أنّ الإجراء الحكومي خاطئ من المنظور الاقتصادي، ولن يزيد سوى في استفحال أزمة الاسمنت وليس حلها منهجيا كما يتطلب الأمر، وينتقد خبراء "تجاهل" السلطات لأم المشكلات وهي ندرة الاسمنت، حيث إنّ الإنتاج الجزائري من الاسمنت لا يتعدّ 16.6 مليون طن، وهو ما يدفع إلى الإفراط في الاستيراد، بدل التفكير في تقوية آلة الإنتاج المحلية، ودونما أيضا تقنين تجارة مادة الاسمنت وإخضاع تداولها لدفتر شروط صارم ومحدد.


ودعت وزارة التجارة الجزائرية، إلى احترام هوامش الربح القصوى المطبقة على الاسمنت البورتلاندي التي حددها المرسوم التنفيذي الذي دخل حيز التطبيق في شهر يوليو-تموز الماضي، ودعت الوزارة في بيان لها تجار الاسمنت بالجملة و التجزئة و المستوردين والمتدخلين في بيع هذا المنتوج الاستراتيجي للسهر على احترام الهوامش المحددة.وتهدّد مشكلة "ندرة الاسمنت" المستمرة للشهر الثالث على التوالي في الجزائر، بتوقيف العشرات من المشاريع العقارية وورش الإنشاءات العامة هناك، وفي صدارتها تجسيد مشروع مليون وحدة سكنية في غضون الخمس سنوات القادمة، ورغم تأكيدات الوزارة الأولى بقيادة الوزير الأول "أحمد أويحيى"، أنّ الأمر جرى حسمه، إلاّ أنّ ندرة وغلاء المادة المذكورة تظل العنوان الأبرز لواقع قطاع البناء محليا، بفعل بلوغ أسعار الاسمنت بنوعية هناك مستويات قياسية واستشراء ظواهر المضاربة والاحتكار، ما أدى إلى ندرة مقلقة أجبرت كثيرا من عمال مشاريع البناء على القبول ببطالة إجبارية، وحتى الكثير من المشاريع التنموية التي تعدّ عماد مخطط دعم النمو الذي سينتهي العام القادم، وجدت نفسها مشلولة نصفيا.


وصار سعر الكيس العادي من الاسمنت بحدود 500 دينار جزائري، بعدما كان لا يتجاوز 220 دينارا، وهو ارتفاع فاحش ولّد خسائر محسوسة لدى أصحاب المقاولات ما أدى إلى تجميد 65 ورشة كاملة، وما زاد الطين بلة، التوزيع غير العادل لحصص مادة الاسمنت من طرف بعض المصانع، وهو ما يخالف رأسا القوانين، من جانبه، يدفع وزير التجارة الجزائري "الهاشمي جعبوب"، بأنّ الاضطراب الذي تشهده سوق مادة الاسمنت يعود بالأساس إلى توقف أربع وحدات لإنتاج الاسمنت موقتا و بشكل متزامن، وركّز أيضا على نفي ما يؤكده المتعاملون من "ندرة للاسمنت" حيث يذهب المسؤول ذاته إلى التشديد على وفرة الاسمنت حاليا بكل أنواعه عبر كامل التراب الجزائري وبالكميات المطلوبة، مرجعا الاضطراب الذي شهدته سوق الاسمنت في الآونة الأخيرة إلى موجة الارتفاع الحاد لأسعار عدد من المواد الأولية الاستهلاكية في السوق الدولية وليس إلى المضاربة.


وقالت مراجع جزائرية مسؤولة، قبل فترة، إنّ السلطات قررت استيراد ما يربو عن المليون طن من الإسمنت، لسدّ عجز المصانع الـ12 الموجودة في الجزائر، عن تلبية حاجيات البلاد من هذه المادة الأساسية في مشاريع البناء، وأتى الكشف غريبًا من حيث تباهي أكثر من مسؤول بأنّ الإنتاج المحلي من الاسمنت كاف.وظلت الحكومة الجزائرية تتحدث مرارًا عن تطلعها إلى رفع الإنتاج المحلي من الاسمنت بزيادة قدرها 6 ملايين طن في آفاق العام 2012، وقال وزيرها للسكن إنّ بلاده رصدت لأجل ذلك مخصصات بقيمة 780 مليون دولار لحمل المصانع الـ 12 على إنعاش استثماراتها في هذا الاتجاه، كما تعوّل الجزائر على دخول العملاق الفرنسي "لافارج" إلى السوق الجزائرية، غداة إبرامه اتفاقا مع المجموعة المصرية "أوراسكوم" من أجل تسيير اثنين من مصانعها في الجزائر، ناهيك عن امتلاك "لافارج" لـ 35 في المئة من رأسمال مصنع "مفتاح" المملوك للحكومة لقاء دفعه 44 مليون يورو، وتخطيط مسؤولي المجمع الفرنسي لإنتاج 15 مليون طن من الاسمنت بحلول سنة 2015، في وقت تعاقدت مجموعة "سوناطراك" الجزائرية مع المجمع السويسري "هولسيم" لإنجاز مصنع للاسمنت في ولاية غليزان الغربية في صفقة زادت قيمتها عن 180 مليون دولار، ما سيتيح بحسب خبراء لإنتاج الجزائر من 30 إلى 40 مليون طن من الاسمنت، لا سيما إذا ما تجسدت مشاريع المجمع الخاص "سفيتال" لإنجاز وحدات إسمنتية حديثة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف