اقتصاد

الاقتصاد الموازي والبطالة... نقطة ضعف الاقتصاد التونسيّ

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تواجه تونس كغيرها من دول العالم مجموعة من التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ورغم غلبة الطابع الدعائيّ والمطمئن إلى معظم ما يتداول الإعلام في هذا الشأن،يؤكد الخبير الاقتصاديّ المعروف عبد الجليل البدوي في حوار مع (إيلاف) أنّ بطالة أصحاب الشهادات العليا والاقتصاد الموازي تعتبر من أبرز التحديات المطروحة.

تونس: في الوقت الذي تعيش فيه تونس على وقع الاحتفالات بذكرى تحول السابع من نوفمبر(تاريخ تسلم الرئيس بن علي مقاليد الحكم) يبدو بالنسبة إلى كثيرين هذا التوقيت مناسبا لطرح قضايا تتعلق بالتحديات الحقيقية التي تجابه تونس خصوصا على المستويين الاقتصاديّ والاجتماعيّ.وخلافا لما تروجه وسائل الإعلام الرسمية والحكومة من تقدم ورقي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يرى مراقبون ومختصون مستقلون أن الأوضاع في هذين المجالين ليست مطمئنة بتاتا. ويرى المتتبعون للشأن الاقتصادي في تونس أن الاقتصاد الموازي من أهم الظواهر المستفحلة والمتناقضة في طياتها لما تمثله من مشكل للبعض وحل للبعض الآخر والتي يجب الإسراع في معالجتها لتشعبها الشديد وحساسيتها وخطورتها.

الاقتصاد الموازي مشكل أم حل؟

أكدت بيانات ودراسات مختلفة أنّ نسبة الاقتصاد الموازي في تونس بلغت 42% وأنه اجتاح جميع القطاعات وإن كان البعض يعتبره قطاعا إضافيا إلى جانب قطاعات الفلاحة ،الصناعة والخدمات.وفي مقابلة مع (إيلاف) قال الخبير الاقتصاديّ المعلوف عبد الجليل البدوي: "عندما تصل نسبة التجارة الموازية إلى أكثر من 40% مثلما هو الحال في تونس تصبح عملية إخفائه أو احتوائه أمرا مستحيلا".

وبحسب البدوي ، فإن هذه الظاهرة موجودة منذ السبعينات وسببها الأهم النزوح واستفحلت في السنوات الأخيرة نتيجة للعولمة والانفتاح على الأسواق العالمية وانخفاض كلفة التبادل والإنتاج الآسيوي الزهيدة جدا.وأشار البدوي إلى وجود مزودين كبار وشركات بإمكانها توريد سلع من الصين وتركيا تحت ستار القطاع المهيكل وينتفعون من التسهيلات الموجودة ثم يصرفونها في السوق الموازية لتحقيق أرباح أكثر".

وأكد أن القطاع الهامشي مدمر جدا للاقتصاد الوطني وخاصة إلحاق ضرر كبير بخزينة الدولة بما أنه لا يخضع للجباية ـ التي تقدر حسب التقرير العام لمشروع ميزانية الدولة لسنة 2010 بـ11602 مليون دينارـ وتعتبر أهم مصدر للتمويل. وحسب دراسة للإتحاد العام التونسي للشغل ـ أكبر نقابة عمالية في البلاد ـ فإن المؤسسات المنتمية إلى هذا الاقتصاد تقدر بـ370 ألف مؤسسة غير خاضعة للجباية.

ويرى الخبير الاقتصادي أن السوق الموازية تخلق نوعا من المنافسة غير المتكافئة وغير الشرعية وهي منافسة قوية مدمرة لنسيج المؤسسات الصغيرة، على اعتبار أن النشاطات الطفيلية لا تتحمل أي عبء سواء كان عبئا جبائيا أو اجتماعيا، كما أنها نشاطات غير مصرح بها، على العكس من المؤسسات التي تنشط تحت طائلة القانون والتي تكون خاضعة للنظام الجبائي والقوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي وشروط الحماية الاجتماعية إلى جانب نشاطات البيع لمنتجات من نوعية رديئة.

وبخصوص سياسة غض البصر التي تنتهجها الحكومة حيال هذه الظاهرة، يؤكد الاقتصاديّ البدوي على سببين رئيسين،الأول يتمثل في أن المسيطرين والمستفيدين من هذا القطاع من المقربين جدا للسلطة والعائق الثاني لعدم اتخاذ تدابير صارمة هو عدم وجود بديل تقدمه الحكومة لاستيعاب الشغالين في السوق الموازية.

ويذهب بعض المختصين إلى أن للاقتصاد الموازي جانبا إيجابيا كالحد من البطالة المقدرة ب 14.2% بحسب البيانات الرسمية التي تشكك فيها المعارضات، والفقر ونسبة الجريمة وقد أكدت إحصائيات حديثة أنه يشغل 40% من الفئة النشيطة، كما أن منافستها للبضائع التقليدية يشجعها على تحقيق جودة أفضل وترشيد أسعارها، أما محاولة القضاء على هذه الظاهرة فهو يمس بمصالح فئات متعددة ويهدد بتوترات اجتماعية.

وفي السياق نفسه قال البدوي لـ(إيلاف): "عدم التوازن الاقتصادي والتنموي بين الجهات جعل ولايات بأسرها تعتمد على التجارة الموازية كمورد رزق ما يجعل احتواء الظاهرة صعبا لحساسية الموقف".وكانت انتفاضة احتجاجية اجتماعيّة قد اندلعت خلال شهرآب الماضي في مدينة بنقردان على الحدود مع ليبيا وسط احتجاج الأهالي على تعطّل حركة التجارة بين البلدين بسبب الإجراءات الجمركية الصارمة التي فرضتها ليبيا على تنقل البضائع والأشخاص، والتي قالت مصادر إنها جاءت بإيعاز من الحكومة التونسية. واتهم الأهالي العائلة الحاكمة بمحاولة السيطرة على التجارة الموازية من جهة، وتشجيع خطّ النقل البحري الرابط بين صفاقس وطرابلس والذي يحتكر استغلاله أقارب الرئيس بن علي من جهة أخرى.

ويقول البدوي:إنه لا يمكن لأحد إنكار أن السوق الموازية تمثل مخرجا لأزمة البطالة التي عجزت الحكومة عن إيجاد حل لها لكن في المقابل لا يجب أن يتحول الاقتصاد التونسي إلى مجرد دكان لعرض السلع الأجنبية واقتصاد سوق لا يحترم قواعد واضحة".

الحل في الهيكلة

الحدّ من هذه الظاهرة التي يصعب القضاء عليها بالنسبة إلى المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي يقوم على ضرورة التدخل للوصول بالتجارة الموازية إلى حدود 15% لا أكثر ومع الحرص بشيء من الجرأة على إيجاد أنشطة اقتصادية بديلة لتلك الجهات والمناطق التي تعيش على الاقتصاد الموازي.

وأكد البدوي أن الحل متمثل في هيكلة القطاع المهمش أو السوق الموازية كتكوين نقابات تمثل الفئة العاملة هذا القطاع وانخراطهم في المنظومة الاجتماعية والتعاضديات العمالية.ويضيف أن هيكلة هذا الاقتصاد الموازي هو الحل الأنسب لكل الأطراف فهو يضمن استمرارية الشغل لل40% من الفئة النشيطةمع تمتعهم بحقوقهم من تغطية اجتماعية،ويجعل التجارة الموازية خاضعة للجباية.

ويشير في الوقت نفسه إلى المتابعة الدقيقة لمشاريع القوانين المتعلقة بالتوريد والتجارة وتشجيع الاستثمار، لأن المستفيدين من الاقتصاد الموازي يستغلون أي خلل أو ثغرة في الإصلاحات القانونية المتتالية المتعلقة بهذا المجال.

ويؤكد البدوي أنّ الاقتصاد الحقيقي المنظم يخضع للحكومة أو الحكم الرشيد ومن شروطه الشفافية والمحاسبة، ويتطلب قدرا من الشجاعة والمسؤولية في متابعة عدد قليل من الفاعلين الكبار- ولو كانوا من المقربين للسلطة- الذين يتحكمون في السوق الموازية ناهيك عن التهريب.ودون ذلك لا أمل في حل المشكلة التي تبرز خطورتها أكثر في مسألة العدالة الجبائيّة حيث تشتكي بعض المؤسسات مما تعتبره عدم مساواة في دفع الضرائب التي لا يدفعها للدولة المستفيدون من الاقتصاد الموازي. وعبر البدوي عن "أسفه" لمشاهدة آلاف المتخرجين من الجامعات يعملون في هذا القطاع كباعة متجولين.

بطالة أصحاب الشهادات

من جهة أخرى تعتبر بطالة أصحاب الشهادات تحديا حقيقيا يفرض نفسه أمام الحكومة التونسية ويسبب لها باستمرار أرقا وحرجا مستمرّين.وأثارت إحصائيات كشفت عن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا جدلا في تونس التي أقرت على التوالي سنة 2009 سنة وطنية للشباب و 2010 سنة دولية للفئةالعمريّة نفسها.

وحسب مصادر إعلامية محلية فإنّّ معدلات البطالة تزايدت بين صفوف خريجي الجامعات في تونس، ليرتفع عددهم إلى 131 ألفا و500 عاطل عام 2009، مقابل 113 ألفا و800 عاطل في 2008، أي بزيادة 17 ألفا و700 عاطل خلال عام واحد.وكشفت إحصائيات حديثة لوزارة التشغيل التونسية أن الإناث يمثلن نسبة 57% من مجموع عدد العاطلين، ويتخرج من الجامعات التونسية سنويا حوالى 60 ألف شخص. ويرى الخبير في التنمية المحلية عبد الجليل البدوي أن مثل هذه النسبة متوقعة وتعود إلى سياسة الخصخصة التي انتهجتها الحكومة.وأكد أن في السنوات الماضية كانت المؤسسات الحكومية تستوعب ما يقارب 80% من المتخرجين كل سنة وفي الوقت الحالي أصبحت الدولة تعاني زيادة في المؤسسات العمومية نتيجة لتفريطها للخواص في العديد من القطاعات الحيوية.

وأضاف أن الحكومة ترتكز في مخططاتها على الاستثمار الأجنبي الذي تغلغل في الاقتصاد التونسي وسيطر عليه وتُهيأ له عديد التسهيلات أهمها اليد العاملة البخسة على حساب المواطن وقدرته الشرائية ولكن هذا الاستثمار لا يمثل موطن شغل لحاملي الشهادات.وأشار إلى أن تدني مستوى المتخرجين من الجامعات التونسية معضلة تحول دون اندماجهم في سوق الشغل وأكد ضرورة إصلاح المنظومة التربوية وتجنب عملية إسقاط برامج تعليم لدول متقدمة على السياق التونسي.واستنادا إلى البدوي فإن عدد المتخرجين العاطلين حاليا وحسب الوضع الراهن لايمكن إستيعابهم إلا في حدود العام 2020 دون احتساب أفواج المتخرجين الجدد المقدرين ب60 ألف سنويا. وكان تقرير حديث للبنك الدولي قد حذر من أن البطالة "تظل مشكلة مهمة" لخريجي مؤسسات التعليم العالي في تونس الذين "يمثلون 60% من الوافدين الجدد إلى سوق العمل".

ويرى عبد الجليل البدوي أن مرتبة تونس المتقدمةضمن تصنيف التنمية البشرية المتعلق بالانجازات الإنمائية طويلة الأجل، لا يعكس مطلقا الحالة الاجتماعية والاقتصادية وهو نتيجة ارتفاع نسبة التمدرس الذي لا يمكن لأحد إنكاره. وقد صنف تقرير التنمية البشرية 2010 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تونس فى المرتبة السابعة من بين 135 بلدا في مجال الانجازات الإنمائية طويلة الأجل في حين احتلت المرتبة 81 من بين 169 بلدا في مجال التنمية البشرية خلال سنة 2010.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
tunisian
tunisian -

الحمد لالله ليس لدينا بترول لكن لدينا عقول و افكار