دوامة القرض العقاري وإنهاء معضلة السكن في الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تشرع الحكومة الجزائرية اعتباراً من أواخر الشهر المقبل في منح قروض عقارية مخفّضة الفائدة، لتمكين الملايين من مواطنيها من تجسيد أحلامهم بامتلاك سكنات أو شراء قطع أراضٍ، ووسط احتدام تساؤلات الشارع المحلي عن جدوى وفعالية الإجراء في امتصاص مشكلة الإسكان.
الجزائر:يرى خبراء أنّ خطوة منح قروض عقارية مخفضة الفائدة على ما تنطوي عليه من إغراءات، ستكون محدودة الفعالية ولن تنجح في إنهاء معضلة السكن في الجزائر، بعدما عرفت الأخيرة مشكلات كبيرة على صعيد الإسكان في العشرية المنصرمة زادت من الأزمة تعقيدًا."إيلاف" بحثت المسألة مع خبراء ومسؤولينحكوميين: من وجهة النظر الرسمية، يفيد وزير المال الجزائري "كريم جودي" إنّ القروض العقارية سيكون لها كبير أثر على مواطنيه لا سيما الموظفين محدودي الدخل ممن يعانون الأمريّن في سبيل الظفر بشقة، ويضيف جودي أنّ هذه القروض التي نصّ عليها قانون الموازنة للعام 2010، موجّهة لدعم القدرة الشرائيّة لعموم الجزائريين وإعانتهم على الحصول على شقق أو بناء منازل، وتقترح السلطات بهذا الصدد معدلات فوائد مخفضة بالنسبة لمختلف الفئات الباحثة عن اقتناء أو بناء أو توسيع سكن، حيث سيتكفل المستفيد من قرض بسداد نسبة فائدة تقدر بـ1 بالمائة سنويا، مع إمكانية تخفيض الخزينة لنسب فوائد القروض الممنوحة من طرف البنوك لاقتناء سكنات جماعية بالنسبة للمستفيدين الذين لا تتجاوز مداخيلهم المستويات الدنيا المنصوص عليها كشروط للإقراض.
من جانبه، يبدي جمال بسعة رئيس جمعية المؤسسات المالية في الجزائر، تفاؤلا بالأشواط التي ستقطعها العملية، ويدافع بسعة - يشغل أيضا منصب الرئيس المدير العام للصندوق الجزائري للتوفير والإحتياط- عن وجهة نظره، بما سيترتب عن تدخل الخزانة العامة في تسيير منح القروض العقارية بفائدة مخفضة، وهو طرح يتبناه "بدر الدين بن فلسي"، المدير العام بالنيابة لمصرف البركة الخاص، إذ يثمّن فتح مجال القروض العقاريّة، ويدافع عليها بحكم تعبيدها الطريق أمام موظّفي القطاع العام وذوي الدخل المحدود للظفر بسكنات، وتلفت "سليمة كبير" مديرة العلاقات العامّة بمصرف الإسكان للتجارة والتمويل، إلى أنّ اتسام منح قروض العقار بالمرونة، سيزيل كل الأعطال الناجمة عن اشتداد أزمة السكن محليًّا، وسيكفل أيضا تحجيم المشكلة بقدر كبير.
بالمقابل، يشير الأستاذ الهادي كلكالي إلى أنّ القروض العقارية وحدها لا يمكن لها القضاء على أزمة السكن في الجزائر، ويعزو ذلك إلى مجموعة من الإعتبارات، يتصدرها - بحسبه - تدني الأجر القاعدي في القاعدة إلى مستوى يقل عن 150 يورو شهريا، علما أنّ آخر تقرير للتنمية البشرية أبقى الجزائر ضمن دائرة البلدان التي يتمحور فيها متوسّط دخل الفرد الأدنى بحدود 1500 و 2000 دولار سنويًّا، أي بمعدل 9 دولارات يوميًّا، هذا على الرغم من تصنيف الجزائر إلى جانب الدول النفطية كالبحرين والكويت والإمارات التي يصل معدّل دخل الفرد فيها إلى حدود التّسعة آلاف دولار.
وعلى ضوء ما تقدّم، يجزم كلكالي أنّ مسألة استفادة موظفي القطاع العام وهم يشكلون الغالبية، يُعتبر ضربا من المستحيل خصوصا مع الغلاء المتزايد لأسعار العقارات في الجزائر، وما يفرزه عامل المضاربة من فوضى ولاتنظيم، ويذهب كلكالي إلى أنّ المستفيدين المفترضين من هذه القروض، يُمثلون أقلية في المجتمع المحلي على غرار فئة الإطارات السامية في الدولة وما تُحظى به من إمتيازات وتسهيلات.ويلاحظ كلكالي غياب آليات تنظيمية من شأنها تسهيل الإقراض العقاري لعامة الجزائريين، وينتقد الشروط والإجراءات الإدارية المعقدة، ناهيك عن الفترة الزمنية الطويلة التي تستغرقها العملية، وهذا من شأنه أن يربك الخطوة.
ويتقاطع الخبير الاقتصادي "أنيس نواري" مع الهادي كلكالي، في كون المشكلة مردودة إلى عجز السلطات عن ضبط و تنظيم السوق العقاري المحلي، لذلك هي مُلزمة بتقديم تسهيلات إضافية، كضرورة مراجعتها الأجر القاعدي، وحتمية تسريع الحصول على القروض العقارية، إلى جانب أهمية مكافحة تبييض الأموال لأنه يعتبر من أهم الأسباب التي كانت وراء ارتفاع أسعار العقارات في الجزائر.ويؤيد نواري وكلكالي وضع برنامج خاص للقروض العقارية لذوي الدخل المحدود تشرف على تسييره هيئة خاصة تقتدي ببرنامج القروض المصغرة التي منحتها الدولة منذ فترة للحرفيين والعاطلين، خصوصا مع النجاح الكبير الذي حُظيت به هذه التجربة في الوسط المحلي.
ويركّز الخبير الاقتصادي أنيس بن مختار على أنّ معضلة الإسكان في الجزائر عميقة ومستعصية، ولا يمكن للقرض العقاري لوحده أن يحلّها، ويستدل بن مختار بما بذلته الدولة الجزائرية من جهود في قطاع السكن، ذهبت محض هباء بمفعول التلاعبات الإدارية، وانطباع توزيع السكنات بأبعاد سياسية، ويقترح بن مختار تبني سياسات واضحة المعالم كحل واقعي للحد من أزمة السكن، من خلال الاقتداء بتجارب دول نامية كالشيلي، ماليزيا، وتايلاند.