المفارقات السعودية المرتبطة بنمو الاقتصاد بعين الصحافة الغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قسم الترجمة - إيلاف: نشرت صحيفة الديلي تلغراف تقريراً عن المفارقات التي يشهدها المجتمع السعودي بالارتباط مع نمو الاقتصاد الوطني وتنوع مصادر الدخل الوطني والانفتاح الذي تشهده المملكة. وأشار التقرير إلى أن هذه المفارقات تتبدى في قصة امرأتين "اختلطتا مع أفراد الجنس الآخر". الأولى خميسة سوادي، وهي جدة عمرها 75 عاماً، حُكم عليها بأربعين جلدة بتهمة الخلوة غير الشرعية مع رجل كان ابن أخ زوجها الراحل، وزارها في منزلها لإيصال خبز.
المرأة الأخرى عائشة نتو، وهي سيدة أعمال من جدة، شوهدت منذ أيام "تختلط" علناً مع عدد كبير من الرجال، سعوديين وعرب وغربيين. بل إن العديد من النساء من حولها لم يكن حتى محجبات، بحسب التقرير.
ولاحظ التقرير أن الحكومة عينها التي رفضت التدخل لمصلحة الجدة سوادي استضافت منتدى التنافسية العالمي في فندق فور سيزنز في الرياض، حيث مُنحت الدكتورة نتو جوائز بوصفها مؤسِّسة أكثر الاستثمارات نمواً في المملكة.
واعتبر التقرير أن المنتدى حلقة في سلسلة من المبادرات التي تسعى العربية السعودية من خلالها إلى تغيير سمعتها بوصفها دولة مغلقة، محافظة ـ للرجال فقط ـ تدور سياستها الاقتصادية حول استخدام ثروتها النفطية لمصلحة الأسرة الحاكمة.
وتدير الدكتورة نتو سلسلة من محال فحص العيون والنظارات الطبية، وهي عضو غرفة التجارة في جدة، وكانت واحدة من سيدات أعمال عدة وصحافيات ومسؤولات علاقات عامة ينتشرن في بهو الفندق، حيث عُقد فيه منتدى التنافسية. ونظر كثيرون إلى الفعالية كلها على أنها سياسة مدروسة لإحداث "صدمة اجتماعية"، تتمثل في توصيل الفكرة القائلة إن إمكانات الشراكة مع القوة النفطية العظمى تُشفع بتحرر اجتماعي.
وتنقل الصحيفة عن سيدة الأعمال الكويتية مها الغنيم رئيسة مجلس إدارة بيت الاستثمار العالمي قولها إن هذا تطور "لا يُصدق حتى بالمقارنة مع خمس سنوات خلت"، مشيرة إلى طوابير "النساء فقط" أمام دائرة الهجرة والتأشيرات، بوصفها خطوة كبيرة إلى الأمام، وهو اختيار غريب حتى يتذكر المرء أن المرأة في العربية السعودية لا يُسمح لها نظرياً بالخروج من دون موافقة الزوج. وليس مصادفة أن الغنيمي تعتبر العربية السعودية أولويتها الاستثمارية العليا.
ويأتي تخفيف القيود في إطار تحول كان الغرب بطيئاً في الانتباه إليه، في حين أن النتائج بادية بوضوح، على الأقل في المدن السعودية الرئيسة.
فارتفعت الاستثمارات الخارجية في السعودية من ملياري دولار عام 2004 إلى 38 مليار دولار في عام 2008 ـ وهي أرقام تبدو إحصاءات الصين باهتة بالمقارنة معها. وصنّف البنك الدولي العربية السعودية العام الماضي بالمرتبة الثالثة عشرة على قائمته بالبلدان الأسهل لفتح مشاريع وتوظيف استثمارات فيها، وهي مرتبة فاجأت حتى محللين مقيمن في المملكة نفسها. إذ جاءت المملكة في المرتبة الخامسة والستين في عام 2005.
وتكون البلبلة مفهومة في مثل هذا الوضع. فإن إجمالي الناتج المحلي للمملكة ارتفع بنسبة 22 % عام 2008، وتراجع بنسبة 31 % عام 2009. ولكن المقارنة الأهم هي أن النفط كان يشكل 75 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 1973. وفي عام 2008 عندما عادت أسعار النفط إلى ذروتها كانت النسبة 31 % فقط. وتنامى دور القطاع الخاص، حتى إنه الآن يشكل نحو نصف الاقتصاد. وبصرف النظر عن تقلب أسعار النفط فإن قصة سوق ناشئة تُكتب الآن، إذ ترخي الدولة قبضتها على الاقتصاد، فبلغ معدل النمو، باستثناء القطاع النفطي، 5 % سنوياً منذ عام 2004.
وكما في أسواق ناشئة أخرى، فإن الدلائل واضحة ملموسة، إلى جانب الأرقام الإحصائية المجردة. خذوا نمو قطاع الإنشاء الذي بلغ متوسط نموه 5 % سنوياً على امتداد عقد، ثم انظروا إلى برج المملكة الذي يضم فندق فور سيزنز. خلاف ذلك، انظروا إلى علامة مصرف "ايج اس بي سي" بلونيها الأحمر والأبيض على مباني الرياض وجدة، كأنها نقشة شماغ عربي، لكنها تشكل رمزاً لتحرير الخدمات المالية الذي أتاح للمصارف الأجنبية أن تعمل للمرة الأولى بفتح عشرة منها خلال العقد الماضي.
ورغم الاختلافات الكبيرة بين العربية السعودية والصين، فإن المقارنة واردة. وبالنسبة إلى البلدين كان من القوى الاقتصادية المحركة انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وهي خطوى تبدو بديهية في بلدان أخرى، لكنها خطوة شجاعة في بلدان يُنظر إلى الغرباء بعين الريبة فيها.
وتنقل الديلي تلغراف عن مدير المركز الوطني للمنافسة خلدون محسن أن المملكة فتحت العديد من القطاعات للمستثمرين. وأضاف أنها تخطت الالتزامات المترتبة على عضويتها في منظمة التجارة العالمية، بفتح العقود الحكومية للشركات الأجنبية، وأتاحت إمكانية المزيد من التغييرات، بما في ذلك تقليل حاجة المستثمرين الأجانب إلى شركاء محليين، ومنح تأشيرة أعمال في المطار. إذ يُشترط على جميع الزوار حالياً أن تكون لديهم دعوة لا تكون في أحيان كثيرة إلا البداية في عملية تستمر أياماً أو أسابيع.
ويوضح التقرير أن هناك دافع سياسي بسيط لهذه التحولات. فإن العربية السعودية، بخلاف جيران مثل قطر وأبوظبي، حيث تتقاسم عائدات النفط أعداد صغيرة من سكان البلد، لديها 25 مليون فم عليها إطعامهم، كثيرون منهم فقراء، و60 % دون سن الخامسة والعشرين. ويجري تشجيع الشركات الوافدة الجديدة على تشغيل أكبر عدد ممكن من السعوديين.
ويرى البعض أن هذا كله جاء بعد فوات الأوان، إزاء ما شهدته العقود الثلاثة الماضية من تطرف ديني، ارتبط على نحو واضح باقتصاد متخلف ومشوه، على حد وصف الصحيفة. وكان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بنهجه الإصلاحي، القوة الحقيقية على امتداد 15 عاماً، ولكنه لم يتمكن من ترجمة أفكاره المتطلعة إلى الأمام ـ مثل تعيين وزيرة ـ على أرض الواقع إلا بعد وفاة الملك فهد في عام 2005.
وتقول مصرفية سابقة درست في الولايات المتحدة، وهي الآن ناشطة من أجل حقوق المرأة، إن تطرف الشباب السعودي يعني على الأرجح أن غالبيتهم سيصوّتون ضد إصلاحات الملك، لو كانت هناك ديمقراطية.
فمن الامتيازات التي أُبقيت للمحافظين، استمرار سطوة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي اعتقلت الجدة مع أرغفة الخبز. ولا ريب في أن ما حدث في فندق فور سيزنز لم يكن يمثل حقيقة الوضع، في حين تبقى لأزمة المصرفيين الذين يعانون ضائقة في دبي هي: "هل تفضل العيش في الرياض؟"، فلا أحد يراهن على العثور على شمبانيا في البارات الصغرى في وقت قريب.
مها الغنيمي بوصفها غريبة لا دور لها في السياسة السعودية، ولكنها تقدم مواساة لهؤلاء، حين تقول "هناك الآن خطة. ما يفعله الملك عبد الله رائع، وكلما طال أمده زادت صعوبة التراجع عنه".