وداعًا أميركا مرحبًا الصين.. مقولة تحتاج إلى إعادة تفكير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: بالنسبة إلى العدد المتزايد من الأميركيين الذين يرون الصين متجهة لهيمنة عالميّة حتمية بعد تنحية الولايات المتحدة جانبًا، فإن العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً تساعد على وضع التوقعات الطويلة المدى في نصابها.
قبل وقت ليس بالطويل كانت اليابان تعتبر الدولة الاولى (الاقتصادية) القادمة. ودرس المسؤولون التنفيذيون الأميركيون مبادئ الادارة الاربعة عشر التي طورتها شركة تويوتا والتي أصبحت أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم وتقوم الان باستدعاء ملايين العربات المعيبة.
وبين منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات كانت كتب مثل "تبادل الاماكن- كيف نعطي مستقبلنا لليابان وكيف نستعيده (تأليف كلايد بريستوويتز") من القراءات اللازمة في واشنطن. وانهمك المناظرون ذوو الاطلاع الواسع في شرح الكفاءة المدهشة لعالم الشركات في اليابان.
وفي العام 1987 أشار رونالد ياتس الكاتب في شيكاجو تريبيون الى أن الاسواق الأميركية أتخمت بوفرة من كتب "اليابان المذهلة" التي تؤكد على الفكرة نفسها... التكنولوجيا اليابانية متفوّقة والادارة اليابانية أفضل والمنتجات اليابانية لا تنافس والشعب الياباني يعمل بجدية أكبر واليابانيون أذكى واليابان هي رقم واحد.
ولنتجاوز عقدي الركود الاقتصادي لشركات اليابان الذي سرعان ما أعقب الضجيج ولنمضِ سريعًا الى الحاضر. فالكتاب الذي يعكس على أفضل صورة بواعث القلق الأميركية اليوم يحمل عنوان "متى تحكم الصين العالم.. نهاية العالم الغربي ومولد النظام العالمي الجديد" للمؤلف البريطاني مارتن جاك. ونبوءته جزء من مكتبة متنامية من المقالات والتحليلات والكتب عن أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين.
واذا كان التاريخ يقدم دليلاً مرشدًا، فهناك فرصة كبيرة لأن يثبت أن فكر مدرسة "وداعًا أميركا.. مرحبًا الصين" خاطئ بدرجة محرجة مثلما كان التقييم في الثمانينات لنقاط القوة النسبية لليابان والولايات المتحدة. فالتوقعات الطويلة الاجل تميل لأن تكون في الاغلب خاطئة أكثر من كونها صحيحة وموضوع انحدار الولايات المتحدة هو موضوع يتكرر بصورة موسمية.
وفي فبراير/شباط طرح استطلاع لصحيفة واشنطن بوست وشبكة تلفزيون ايه.بي. سي سؤالاً عما اذا كان القرن الحادي والعشرون سيصبح أميركيا بدرجة أكبر أم صينيا بدرجة أكبر. ومن حيث التأثير العام على الشؤون العالمية قال 43 في المئة انه سيكون صينيًا في حين رأى 38 في المئة أنه سيكون أميركيًا. وفي استطلاع لمعهد بيو قبل ذلك بشهور قليلة اعتبر 44 في المئة الصين القوة الاقتصادية الرائدة في العالم مقابل 27 في المئة فقط اختاروا الولايات المتحدة.
وكان ذلك تغييرًا ملحوظًا في الرأي من أوائل 2008 حين أجاب 41 في المئة على أسئلة استطلاع لمعهد بيو بأنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية الاولى في العالم في حين اختار 30 في المئة الصين. وربما يشير هذا التحول الى المزاج العكر للأميركيين الذين يخرجون ببطء من ركود مؤلم أكثر مما يشير الى حقائق.
فهل الصين هي القوة الاقتصادية الرائدة في العالم.. ان اقتصادها أقل من ثلث اقتصاد الولايات المتحدة. وناتجها المحلي الاجمالي بالنسبة لكل فرد هو جزء من 14 جزءًا بالمقارنة مع الولايات المتحدة كما أنه تقريبًا نصف المعدل في قازاخستان حسب البنك الدولي. وتنتج الولايات المتحدة حوالى ربع الانتاج الاقتصادي للعالم، على الرغم من أن عدد سكانها يقل عن ربع عدد سكان الصين البالغ 1.3 مليار نسمة.
ولذلك فهناك طريق طويل جدًا للحاق بالولايات المتحدة أمام دولة تعاني من مجموعة متنوعة من مشاكل العالم الثالث بداية من عدم وجود طرق معبدة في كثير من المناطق الريفية حتى تلوث المياه بصورة حادة تجعل 700 مليون شخص مضطرين لشرب المياه الملوثة كل يوم حسب ما يقوله البنك الدولي.
وقدم المتحمسون للصين الكثير من الاحصاءات أوائل العام عن أنها تجاوزت المانيا كأكبر دولة مصدرة في العالم في 2009 . والى جانب كثير من الارقام التي أشير اليها لاظهار مسيرة الصين الطويلة دون كلل لتصبح قوة عظمى فإن هذه الاحصاءات تعطي صورة غير كاملة.
فجزء كبير من هذه الصادرات -تقول بعض الحسابات انه ثلاثة أرباع- هو منتجات مجمعة لحساب شركات دولية من مكونات مستوردة وليس ثمرة ابتكار صيني مبدع. وعلى نمط مصانع العمل الشاق لتجميع المكونات على الجانب المكسيكي من الحدود مع الولايات المتحدة فان مثل هذه المصانع توفر الوظائف لكنها لا تفعل الكثير للرفاهية الاقتصادية للمواطن العادي.
والنمو الاقتصادي السريع في الفترة السابقة (الذي تجاوز ثمانية في المئة عامًا بعد عام) والذي أثار اعجاب كثير من المحللين الأميركيين سيصطدم بصورة حتمية بعائق هائل لا يلوح حل له في الافق. ومنذ وقت طويل يحذر نيكولاس ايبرشتات الباحث في علوم السكان بجامعة هارفارد من أن الصين تواجه تصاعدا في عدد المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا وهي مسألة النظام الشيوعي ليس مستعدًّا لها. وتفيد تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن أنه بحلول العام 2050 سيكون لدى الصين أكثر من 438 مليون شخص تزيد أعمارهم على 60 عامًا و100 مليون شخص يتجاوزن 80 عامًا.
إنها ظاهرة غير عادية بأن يصيب الهرم دولة قبل أن تحقق الثراء وهو وضع له عواقبه التي تتجاوز سياسة التقاعد. وقال تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية العام الماضي ان الزحف السريع للشيخوخة على سكان الصين -وهي نتيجة لسياسة الطفل الواحد الحكومية- "يهدد بفرض عبء متزايد على الشبان وابطاء النمو في الاقتصاد وفي تحسن مستوى المعيشة وبأن يصبح قوة مزعزعة للاستقرار الاجتماعي".
وأضاف أنه من دون حل لهذه المشكلة "يصعب تصوّر مستقبل مزدهر على المدى الطويل للصين". ولذلك فهذه نصيحة للأميركيين الذين يشعرون بالقلق من وضع بلدهم بالنسبة إلى الصين... أريحوا أعصابكم.