مخاوف من وصول أسعار الحديد في السعودية لمستويات قياسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
استمرت أزمة ارتفاع أسعار الحديد في السوق السعودية، وبرزت سوق سوداء لبيع حديد التسليح، بعد اختفاء المخزون وغياب بعض أقطار الحديد بشكل تام، وزادت الأسعار مابين 300 ريال و500 ريال للطن، بزيادة 25% عن الأسعار التي تعلنها وزارة التجارة أسبوعياً عبر مؤشرها لأسعار الحديد.
الرياض: تشهد الأسواق السعودية حالياً نقصاً في المعروض من حديد التسليح، تزامناً مع ارتفاع الأسعار، في أزمة تثير مخاوف المستهلكين من تكرار ما حدث عام 2008، في ظل غياب الشفافية في ما يتعلق بحجم العرض والطلب والكميات المتوافرة لدى موزعي الحديد.
وقبيل هذه الزيادة في أسعار الحديد، عمدت بعض الشركات إلى اتخاذ خطوات عدة احترازية لحماية نفسها قانونياً، وتهيئة السوق نفسياً عبر الترويج لارتفاع الأسعار في السوق العالمية، ونشر معلومات عن قيام مجموعات من التجار والموزعين بشراء كميات من الحديد بشتى أنواعه، بهدف تجفيف السوق، وهو ما رد عليه بعض الاقتصاديين بأن السوق السعودية تخضع لتلاعب المنتجين والموردين دون أدنى ضوابط أو رقابة، على اعتبار أن أي حديث عن ارتفاعات في البورصة العالمية لن يتحقق على أرض الواقع إلا بعد أشهر عدة.
تقارب الأسعار بعد الزيادة الأخيرة دفع البعض للحديث وبقوة عن وجود تنسيق مسبق بين كبار التجار ومصانع الحديد وكبرى شركات المقاولات، أعقبه قرار رفع الأسعار بنسب تراوحت بين 20 إلى 25%، حيث تجاوزت الأسعار 2600 - 2800 ريال للطن للمقاسات كافة. وفي ظل الحديث عن مثل هذا التنسيق، توقعت مصادر اقتصادية ارتفاع أسعار الحديد لمستويات قد تتجاوز 50 %، مشيرة إلى أن طموحات شركات الحديد في تحسين مراكزها المالية على حساب المواطنين وصغار المقاولين، يدفعها لمثل هذا التصرف، بعد تكبدها خسائر كبيرة، جراء الأزمة المالية العالمية، خاصة مع تردد معلومات في الأسواق عن قيام بعض كبار التجار بتغيير وجهتهم الاستثمارية من الأسهم إلى شراء كميات كبيرة من الحديد، وتخزينها لبيعها بأسعار مرتفعة خلال الفترة المقبلة.
وزارة التجارة والصناعة السعودية تحركت سريعاً، وأعلنت حزمة من القرارات لكبح جماح رفع أسعار الحديد، وقال وكيل وزارة التجارة المساعد لشؤون المستهلك صالح الخليل، إن وزير التجارة عبدالله بن أحمد زينل علي رضا أصدر قراراً يلزم جميع الموردين بتسعيرة حديد التسليح المحدثة على موقع التجارة الالكتروني، مشدداً على أن كل من يتجاوز هذه التسعيرة سيتعرض لعقوبة مشددة، تتراوح ما بين غرامة مالية تصل إلى 50 ألف ريال، وإغلاق المحل في حال تكرار المخالفة، إلى أن تصل إلى شطب السجل، إلى جانب التشهير بأصحاب المخالفات من الموردين للحديد والتجار.
الضلع الرئيس في صناعة الحديد، وهي الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، دخلت على خط الأزمة، لتبرئة ساحتها، وجددت التزامها بتطبيق أسعار منتجات الحديد الطويلة، التي أعلنت عنها بداية مارس/آذار الجاري، وتعهدت في بيان لها بالمتابعة للتأكد من التزام جميع موزعيها المعتمدين للأسعار الرسمية في كل نقاط البيع في مختلف المدن السعودية.
وأشارت "سابك" إلى أن أسعارها لحديد التسليح هي الأفضل على مستوى السوق السعودية وأسواق دول الخليج، رغم الزيادة التي طرأت على الأسعار، نتيجة الارتفاع العالمي في تكاليف عناصر التصنيع الرئيسة، بما في ذلك خامات الحديد، وكتل الصلب، والخردة، مؤكدة أن هذه العناصر تشكل نسبة تتراوح بين 70% إلى 90% من التكاليف الإجمالية في مصانع حديد التسليح، وفقاً لطرق وتقنيات كل مصنع، فيما تشكل العناصر الأخرى، كالكهرباء والغاز، النسبة الباقية.
أوضحت سابك أن أسعار خامات الحديد ارتفعت عالمياً مع بداية شهر مارس الحالي بنسبة 60%، ما يشكل نحو أربعمائة ريال تكلفة إضافية في سعر الطن الواحد من حديد التسليح، وصاحب ذلك ارتفاع مماثل في أسعار كتل الصلب المستوردة بنسبة 40% منذ بداية العام الجاري، مصحوباً بارتفاع أسعار الخردة.
وبررت سابك استقرار أسعار الحديد في أسواق بقية دول الخليج بضعف الطلب على حديد التسليح في هذه الأسواق، خلافاً للسوق السعودية، ما أجّل تأثّر هذه الدول بالتكاليف الإضافية المضطردة الناجمة عن الأوضاع العالمية، وقالت إنها رفعت إنتاجها بنسبة 10% هذا العام مقارنة بالعام السابق، وزادت مبيعاتها 16% عن الخطة المعتمدة، وإنها ملتزمة ببيع كميات المنتجات الطويلة كافة في السوق المحلية، ووقف عمليات التصدير كلياً منذ أواخر الربع الأول من عام 2008م، إلى جانب مضيها قدماً في مشروع التوسعة، الذي يستهدف رفع الطاقة السنوية من المنتجات الطويلة، لتبلغ أربعة ملايين طن في منتصف عام 2012م مقابل 3.2 ملايين طن حالياً.
وتأتي هذه الأزمة في ظل توقعات بارتفاع الطلب على الحديد في السوق السعودية خلال العام الجاري بنسبة 8%، ليبلغ الاستهلاك حوالى 6.4 ملايين طن، فيما تبلغ الطاقات الإنتاجية الإجمالية للمصانع المحلية حوالي 7.3 ملايين طن لدى تشغيلها بكامل طاقاتها، مع الأخذ في الاعتبار أن نسبة الإنتاج المعتمد على استيراد كتل الصلب لدرفلتها إلى منتجات طويلة تشكل حوالي 30% من إجمالي الطاقات، وهي المادة التي يتعذر استيرادها حالياً، نظراً إلى ارتفاع تكلفتها مقارنة مع أسعار المنتجات النهائية داخل السعودية، وهو ما سيؤثّر بالتالي في كميات الحديد المنتج والمتوافر مستقبلاً.
الارتفاع الحالي في أسعار الحديد أثار مخاوف أخرى من أن يلحق هذا الأمر الضرر بأسعار العقار ومواد البناء، كما حدث خلال أزمة 2008، وهو ما يؤكده سيد عبد الكريم، المحاسب في إحدى شركات المقاولات، قائلاً إن ارتفاع أسعار حديد التسليح لأرقام قياسية عام 2008 ألحق الضرر بأنشطة كثيرة في قطاع المقاولات، حيث ارتفعت أسعار كثير من مواد البناء بنسبة تفوق 50%، ووصلت نسبة الزيادة في نشاط الأعمال الكهربائية نحو 200%، وتأثّر نشاط العديد من شركات المقاولات والتطوير العقاري، فيما توقفت بعض الشركات عن العمل تماماً، انتظاراً لاستقرار السوق، ما كبّدها خسائر جسيمة.
وكانت السوق السعودية قد شهدت في النصف الأول من 2008 موجة ارتفاعات في أسعار مواد البناء، وبشكل خاص حديد التسليح، ما أدى إلى توقف العديد من المشاريع العقارية، وقفزت أسعار الحديد إلى مستوى 6 آلاف ريال لطن في منتصف عام 2008، قبل أن تعاود الانخفاض تدريجياً، بعد قيام الحكومة السعودية بمنع تصدير الخردة وخفض الجمارك وتكثيف إجراءات التفتيش ومراقبة سوق الحديد.
ومن الناحية القانونية، فإن نظام المنافسة السعودي، الصادر بتاريخ 04/05/1425هـ، بهدف حماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية يتصدى لمثل هذه التصرفات، ولكنه يحتاج إلى تفعيل دور مجلس حماية المنافسة، من خلال استقلاله التام عن وزارة التجارة والصناعة، ليقوم بدور الرقابة والإشراف على الأسواق باستقلالية تامة، والتصدي إلى التكتلات المالية الضخمة التي تقوم بفرض هيمنتها على الأسواق، خاصة وأن العقوبات التي نصت عليها المادة الثانية عشرة من نظام المنافسة عقوبات لا تحقق الردع الذي استهدفه النظام، حيث إن الغرامة التي تفرض على المخالف تقدر بـ 5 ملايين ريال، وهو مبلغ لا يحقق ردعاً، إذ إن حصيلة تلك المخالفات في الغالب تتعدى أضعاف هذه الغرامة، الأمر الذي يجعل لدى المخالف الحافز على المخالفة لتحقيق الربح دون الالتفات لما يفرض عليه من غرامة حتى في حال المضاعفة، ما يتطلب إعادة النظر في تقدير هذه الغرامات، وفرض عقوبات أخرى، تحقق ردع المخالفين.
المحامي والمستشار القانوني أحمد العمري قال لـ"إيلاف" إن المسألة من وجهة نظره الشخصية تحكمها أخلاق التجار وأخلاقيات السوق، قبل أن يحكمها القانون، وإنه من الواضح، بعد انهيار سوق الأسهم والخسائر التي تعرض لها الناس نتيجة الممارسات غير الأخلاقية، أن هناك محاولات لتعويض تلك الخسائر على حساب المستهلكين والمواطنين والعملاء.
وأضاف المحامي والمستشار القانوني أن هذه الممارسات بشكل عام لا تعتبر احتكاراً، لأن الاحتكار يعني وجود شخص واحد يملك سلعة معينة بمفرده، ولكن عندما يكون هناك أشخاص عدة، يتحكمون بسلعة معينة، فالسلعة غير محتكرة، ولكنهم في هذه الحالة يمارسون سلوكاً تآمرياً، من خلال سيطرتهم على السوق. ولهذا فالمسألة من وجهة نظره تحتاج معالجة من قبل وزارة التجارة، بحيث تستطيع أولاً رصد أسماء الأشخاص الذين يغالون في أسعار الحديد، من خلال رفض بيعه أو عدم عرضه في الأسواق بكميات كافية، أو امتناعهم عن تزويد الموزعين بالكميات التي تحتاجها السوق، ما يؤدي لأن يكون العرض أقل من حجم الطلب.
ويطالب أحمد العمري أولاً بإرسال مراقبين من وزارة التجارة لاكتشاف وسبر غور السوق ورصد هؤلاء التجار، ثانياً إذا ثبت بالدليل القاطع أن هناك تجارا يقومون بهذا السلوك، ويضرون بالاقتصاد الوطني، ويخلون بحركة التنمية التي تقودها الدولة في المرحلة الحالية، تتم محاكمتهم أمام الإدعاء العام والنيابة العامة والمحاكم الشرعية، وهنا بالإمكان أن تصدر عقوبات رادعة ضد عدد منهم، خاصة من لهم تأثير أكبر في السوق.
أشار المحامي والمستشار القانوني أحمد العمري لـ"إيلاف" إلى أن هذه المغالاة في أسعار الحديد نتجت من فهم خاطئ للحرية الاقتصادية والحرية التجارية، مؤكداً أن هذه الحرية لا تعني أن تتصرف كما تشاء، ولكنها تعني أن تشتري وتبيع كما تفرض عليك قوانين العرض والطلب، وبالتالي على التجار ألا يمارسوا تصرفات تخلّ بمصلحة الاقتصاد الوطني، لافتاً إلى أن قضايا الألبان والدقيق، التي شهدتها الأسواق في وقت سابق، تعطي دليلاً للمسؤولين على أن مثل هذه الممارسات بدأت تظهر في السوق حالياً، وأن مثل هؤلاء التجار لا يفيد معهم النصح والإرشاد.
وأكّد المحامي أحمد العمري أن السعودية تتمتع بحرية اقتصادية، وليس لديها أي شيء من مفاهيم الاشتراكية أو الشيوعية، حتى نقول إن هؤلاء التجار لديهم مخاوف من تأميم ممتلكاتهم، وبالتالي فهم لا يخشون القانون، لأنهم يعرفون أنه ليس هناك قانون يردعهم، مشدداً على وجوب محاسبتهم شرعاً ونظاماً وقضاء، معتبراً أن هذا هو الطريق الوحيد والصحيح لتخليص السوق من مثل هذه الظاهرة التي يمكن أن تنتقل من الحديد إلى سلع أخرى، وعندها ستصبح السوق مليئة بمثل هذه الممارسات السيئة، وستجد الدولة نفسها أمام ظاهرة، تحتاج للاقتلاع، وعندها سيصبح الحل صعباً جداً.