اقتصاد

ارتفاع أسعار الحمضيات في الجزائر يربك المواطنين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لطالما شكّلت حمضيات الجزائر التي تشتهر بها مصدرَ جاذبية في الداخل كما الخارج، بيد أنّ ما عرفته خلال الأعوام الأخيرة من اضطرابات مناخية وتحجيم المساحات المخصصة لاستزراع الحمضيات، أثرّ بشكل كبير على المردودية العامة، وأضفى جواً من الارتباك مع صعود حاد في أسعارها.

كامل الشيرازي من الجزائر: سجلت إنتاج الحمضيات في الجزائر في السنة الحالية تراجعاً ملموساً، هبط بها إلى ما دون سقف الخمسة ملايين قنطار، وهو المعدل السنوي الذي ظلّ سائداً في الأعوام الماضية.

ويعزو متخصصون في تصريحات خاصة بـ"إيلاف" هذا التراجع إلى جملة من العوامل المتداخلة، زادت من حدتها الظروف المناخية التي سادت البلاد خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان (برد-حرارة-رياح)، أثّرت على إنتاج الحمضيات، سيما "البواكير"، على غرار نوعية البرتقال المحلي المسمى "نافيل"، والمعروف بضعف مقاومته بين الحمضيات الموسمية والمتأخرة، فيما اعتبرت الأشجار الحمضية الأقل تضرراً من هذه الاضطرابات الجوية، بفعل الدور الذي لعبته حواجز الرياح التي تلعب بشكل ما مهمة "المنظم الحراري"، استناداً إلى دراسة أنجزها المعهد التقني الجزائري لغراسة الأشجار المثمرة والكروم.

ويرى عمر بوتقرابت، أحد الخبراء في زراعة الحمضيات، أنّ انخفاض المردودية خلال موسم 2009-2010، له صلة مباشرة بالارتفاع الحالي في أسعار الحمضيات، لا سيما البرتقال، كما يشير بوتقرابت إلى التراجع الكبير في توسع المساحات المخصصة لإنتاج الحمضيات خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث أضحت بحدود 32 ألف هكتار فحسب، وهو ما يعزوه بوتقرابت أيضاً إلى تأثيرات توقف البرنامج المحلي للتنمية الزراعية، بما حجّم استثمارات منتجي الحمضيات، وما رافقها من كارثية أوضاع حدائق الحمضيات القديمة غير المنتجة، فضلاً عن غياب ونقص الريّ، والاعتناء الضعيف بأشجار الحمضيات الناجم من نظام بيع الغلال قبل الجني.

من جهته، يعتبر يزيد لوراري، أستاذ العلوم الزراعية، أنّ الدعم الحكومي المقدر بسبعين ديناراً لكل هكتار (الدولار يعادل 72 ديناراً جزائرياً)، والمرصود لاقتلاع الأشجار المسنّة واستبدالها بأشجار جديدة، قيمة جد قليلة وغير مشجعة لمالكي الأشجار، الذين لا يستطيعون - بحسبه - الاستثمار أكثر في غراسة أشجار جديدة منتجة.

ويشير لوراري إلى أنّ النظام الحالي في الجزائر لإنتاج وتطوير الحمضيات يستدعي المراجعة، بالنظر إلى المردودية السنوية الضعيفة جداً، التي تبلغ 14 طناً للهكتار، وهي النسبة الأضعف في حوض المتوسط، لافتاً إلى أنّ عدم الاهتمام الملحوظ أدى إلى خطر زوال بعض أنواع البرتقال واليوسفي، ومنها الساتسونا، التي توجد في طور الإندثار محلياً.

أما بالنسبة إلى يحيى زان، الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين، فإن ارتفاع أسعار الحمضيات هو وليد سنوات عديدة، ويرجع برأيه إلى إهمال الوزارة الوصية، وعدم وجود سياسة علمية، رغم وجود معاهد تقنية وعدد غير قليل من الكوادر المتميزة.

ويلفت زان، بحسرة، إلى أنّه جرى القضاء على سهل المتيجة الشهير في الجزائر "بتواطؤ من الجميع"، بينما تفاقمت مشكلة الملوحة في سهل المحمدية، التابع لمحافظة وهران، (500 كلم غرب)، وهو ما قضى نهائياً على النوعية الراقية للحمضيات، في وقت لم تقم السلطات بأي شيء للحيلولة دون استمرار النزيف.

ويجزم أنّه ليست هناك سياسة وقائية ضدّ أمراض الحمضيات وشيخوخة أشجار الحمضيات، حيث لم يتم تشبيب الأشجار، رغم مجهودات الدولة منذ العام 2000، إلاّ أنّها جرت بعشوائية ودون استيراتجية واضحة وشاملة. وتبعاً لما تقدّم، يمرّ البرتقال الجزائري في أصعب مراحله، في حين يثير منتجون مشكلة الوفرة وتكاليف الأسمدة، فضلاً عن كون الاستفادة من تمويلات البنوك أضحت مع الوقت صعبة، سيما بالنسبة إلى المنتجين الصغار للحمضيات.

لكن محمود منديل، المدير العام للمعهد التقني الجزائري لغراسة الأشجار المثمرة والكروم، يشدد على أنه لكل داء دواء، وينبغي في هذا الصدد الرفع من المردودية السنوية للحمضيات، والانتقال إلى أفضل الطرق الزراعية، خصوصاً بعدما أظهرت سياسة "الكل الكيميائي والبيولوجي" محدوديتها على صعيد حماية هذا القطاع.

وتحفل الجزائر بأنواع من البرتقال، كالكلمنتين واليوسفي، المنتجة على المستوى المحلي برقم أعمال ضخم، إضافة إلى اللا نافيل، ومورو، وسانغين، والمالطية، وفالانسيا، وسانغينيلو وموسكاتو، وتوروكو، وهي أنواع لطالما انتشرت بذورها في حدائق عديد من بلدان جنوب المتوسط.

على الرغم من ذلك، شهدت أسعار الحمضيات خلال السنوات العشر الأخيرة مستويات مذهلة، وأصبحت تتراوح بين 120 و150 ديناراً للكيلوغرام (ما يعادل الدولارين)، في وقت يعاني فيه الإنتاج أسوأ أحواله.

ويوضح رب عائلة كان في صدد التبضّع في السوق القديم المعروف "بالسويقة" في البليدة أن "الأسعار تبقى مرتفعة، وليست في متناول الجميع"، فيما تشير إحدى السيدات إلى أن "عرض البرتقال يتم بشكل جذاب، إلاّ أنّ الأسعار تبقى بشكل عام أعلى من متوسط أجور الناس، والغريب أنّ هذا يحدث في إحدى أهم الدول المنتجة للبرتقال".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف