الليثيوم ثروة أفغانستان المستقبلية المحتملة.. والمعلّقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ما إن أعلن عن أن أفغانستان تحوي ثروات معدنية هائلة في أراضيها، حتى بدأت بعض نظريات المؤامرة تنطلق، ويرى البعض أن واشنطن هدفت من إثارة ضجة حول هذه الثروة من الليثيوم لتخفيض سعر الأخير في سوق المعادن، بحيث تحبط آمال بوليفيا، المتعلقة بدعم الدول اللاتينية المعادية لنفوذها في المنطقة.
صلاح أحمدمن لندن: تجلس أفغانستان على ثروات معدنية أهمها الليثيوم (وتشمل أيضاً الذهب والحديد والنحاس والكوبالت) تقدر قيمتها بحوالي تريليون دولار. ومنذ ذلك الحين تناولت وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت الخبر بالنقل والتعليق والتحليل، ولم يسلم كما هو متوقع من نظريات المؤامرة يمنة ويسرة.
رغم أن مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأحد الماضي أشارت إلى أن أفغانستان تمتلك ثروات معدنية هائلة، فقد كان واضحاً أن مصدر الإثارة الرئيس هو الثروة الأفغانية المحتملة من الليثيوم. فهو الأهم على الإطلاق للتكنولوجيا الحديثة، إذ أنه أساسي لصنع بطاريات الأجهزة الحديثة، كالهواتف الخلوية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة (اللاب توب) وغيرها.
ويكتسب هذا الاستخدام أهمية خاصة بالنظر إلى أنه قد يغيّر مستقبل الحافلات العاملة حالياً بالبترول، فيُستغنى عنه نهائياً لإنتاج حافلات تعمل كهربائياً بالبطاريات. وبعبارة أخرى، فإن الليثيوم هو أحد أهم مصادر الطاقة البديلة.
ما هو الليثيوم؟
تبعاً للموسوعة الحرة "ويكيبيديا"، فإن الليثيوم هو أخف المعادن، وتبلغ درجة كثافته نصف كثافة الماء تقريباً. وأطلق عليه اسم الليثيوم لأنه اكتشف في الصخور (كلمة ليثيوس اليوناينة تعني الحجر أو الصخر) على عكس الفلزات القلوية الأخرى التي اكتشفت في الأنسجة النباتية.
وكغيره من الفلزات القلوية، يتفاعل الليثيوم بسهولة مع الماء، ولا يوجد في الطبيعة منفرداً، بسبب نشاطه التفاعلي، ولكنه أقل نشاطاً من عنصر الصوديوم الشبيه به. وبسبب نشاطه التفاعلي العالي هذا فهو يوجد دائماً متحداً مع عنصر أو أكثر في مركبات كيميائية.
ويشكل الليثيوم نسبة ضئيلة في الكثير من الصخور البركانية، كما يوجد في المياه ذات تركيزات الأملاح العالية. وبفضل سعته الحرارية العالية، وهي الأعلى بين المواد الصلبة، فهو يستخدم في تطبيقات النقل الحراري، وهو ما يجعله مثالياً كمنظم للتفاعلات النووية وفي الحواجز الواقية من الإشعاع. كما إنه يدخل، في صورة كربونات الليثيوم، في تركيب بعض أدوية الأمراض العصبية والنفسية. كل هذا إضافة إلى استخداماته التكنولوجية السابق ذكرها.
المُخبّأ
بحسب وثيقة قالت "نيويورك تايمز" إنها "مذكرة داخلي بوزارة الدفاع" الأميركية، فقد اكتشف علماء الجيولوجيا الأميركيون، على إثر دراسات سابقة مهملة، أن أفغانستان تملك الليثيوم مشتتاً في سائر أراضيها. لكن مخزونه في إقليم غزني الأوسط وحده يعادل سائر ما تملكه بوليفيا، وهي تتمتع بحوالي نصف مخزونه في العالم اليوم تبعاً لتقديرات الخبراء.
وجاء في المذكرة الأميركية أنه إذا كان النفط يربط أولاً وأخيراً بالمملكة العربية السعودية، باعتبارها أكبر منتجيه ومصدريه، فالأمر نفسه سينطبق على أفغانستان في ما يتعلق بالليثيوم. يذكر أن الاكتشاف الأميركي هذا استند إلى مسح نفذه الاتحاد السوفياتي سابقاً إبان احتلاله أفغانستان في الثمانينيات، وأزيح جانباً مع خروج القوات الروسية في 1989. وبناء عليه فقد بدأ فريق الجيولوجيين الأميركيين في 2006 سلسلة من المسوحات الجوية غطت مساحة 70 % من الأراضي الأفغانية.
وكانت المعلومات التي جمعت بفضل تلك المسوحات مشجعة إلى حد أن أولئك الجيولوجيين عادوا إلى البلاد في 2007، مستخدمين قاذفة قنابل بريطانية عتيقة عبأوها بمختلف الأجهزة الإلكترونية المتطورة. وحصلوا بفضل هذه على صور ثلاثية الأبعاد لمخزونات المعادن، فيما وصف بأنه "أكبر مسح علمي من نوعه في تاريخ أفغانستان". وقال أولئك العلماء إن ما وجدوه "مذهل بكل المقاييس".
وكان العلماء الأميركيون يشيرون بذلك إلى ما تتناقله الألسن هذه الأيام من مخزون الليثيوم والمعادن الأخرى، البالغة قيمتها أكثر من تريليون دولار. وعلى سبيل المثال، فقد ذكروا أن قيمة المخزون من النحاس وحده في وادي عينك إلى الجنوب الغربي من العاصمة كابول قد تتجاوز 88 مليار دولار، أي ضعف إجمالي الناتج المحلي السنوي للبلاد بكاملها في العام 2007.
مصاعب
لكن كل هذا يبقى حبراً على الورق. فالبلاد، التي تعاني ضغوط الحرب الهائلة الواقعة عليها منذ قرابة تسعة أعوام، لا تتمتع بأي صناعة للتعدين. ولهذا فهي ستحتاج عقوداً ربما من أجل إكمال البنية التحيتية اللازمة لمثل هذه الصناعة والاستفادة من حقول المعادن التي تحفل بها.
وهناك حقيقة أن البلاد خالية من الطرق والسكك الحديد ومحاطة باليابسة من كل النواحي، مما يجعل نقل الليثيوم إلى المنافذ البحرية مهمة عسيرة ومكلّفة إلى حد أنها قد تحيل المشروع برمته غير مربح وبالتالي عديم الجدوى. يذكر أيضاً أن من ضمن المناطق الغنية بالثروات المعدنية الرقعة الحدودية الطويلة مع باكستان، حيث تستعر المعارك بلا هوادة بين قوات التحالف من جهة وطالبان والقاعدة من الجهة الأخرى.
وبينما تسعى واشنطن (بالغالي والرخيص) إلى تحقيق تقدم في الحرب، فمن شأن هذا الاكتشاف الأخير أن يقف في طريق السلام بدلاً من العكس. ذلك أن طالبان لن تقف مكتوفة الأيدي، بلا شك، وهي ترى هذه الثروة الجبارة تحت ما تعتبره "استحواذ الأميركيين على خيرات البلاد".
وأثيرت أيضاً قضية الفساد المستشري الذي يجأر الغرب بالشكوى منه في أوساط الحكومة الأفغانية، ويعتبر حالياً أكبر شوائب العلاقات الأفغانية الأميركية. يشار إلى أن وزير التعدين الأفغاني طرد من منصبه العام الماضي، بعدما اتهمته واشنطن بأنه تلقى 30 مليون دولار رشوة من الصين لمنحها حقوق تطوير مناجم النحاس في البلاد.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مؤسسة التعدين الصينية "تشاينا ميتاليرجيكال غروب" وقّعت وفي نوفمير (تشرين الثاني) الماضي عقداً لاستئجار جزء من هذه المنطقة بمبلغ 3 مليارات دولار. وبهذا يصبح العقد أكبر صفقة استثمارات أجنبية خاصة تحظى بها أفغانستان على مر تاريخها. وقيل إن الرشوة التي يزعم أن الوزير حصل عليها هي التي مهدت الطريق إلى تلك الصفقة.
نظريات المؤامرة
يعج الإنترنت بنظريات المؤامرة هذه، حتى على بعض المواقع الرصينة. فقيل إن مسألة الليثيوم هذه معروفة منذ زمن بعيد، وإنها السبب الحقيقي للوجود الأميركي في أفغانستان. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن هذا يضاف أيضاً إلى الرغبة الأميركية في احتواء نفط بحر قزوين. وبهذا يصبح الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان هو السبيل الأمثل لوضع واشنطن يدها على كل من الثروتين الغاليتين.
ويذهب آخرون إلى سبب آيدلوجي يتعلق ببوليفيا، وهي حالياً أكبر مصادر الليثيوم في العالم على الإطلاق، كما ورد الذكر سابقاً، وتعمل على تطوير صناعته في سهول بوتوزي المالحة. وهي على خلاف "طبيعي" مع الولايات المتحدة، لكونها تسعى إلى الاستفادة القصوى من مخزونها لتعزيز ساعد الدول اللاتينية "المعادية للامبريالية"، إضافة إلى انتشال أهلها من براثن الفقر.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن غرض واشنطن من إثارة كل هذه الضجة حول ثروة أفغانستان من الليثيوم هو تخفيض سعره في سوق المعادن، بحيث تحبط آمال بوليفيا، خاصة المتعلقة بدعم الدول اللاتينية المعادية لنفوذها في المنطقة.