تجارة "الخلسة" في الجزائر تدرّ أرباحًا بالمليارات خارج الجباية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ساد لون تجاري متمرد على القوانين والضرائب، يعرف بـ "البيع بالخلسة" ويمارسه الآلاف في الجزائر بشكل غير مشروع، ضاربين عرض الحائط بـ"الفيتو" الرسمي والمطاردات المستمرة لرجال الأمن. "إيلاف" بحثت هذه الظاهرة مع باعة ومراقبين للشأن المحلي.
كامل الشيرازي من الجزائر: في مشهد يومي بارز من أعماق باب الوادي الشهير وسط الجزائر العاصمة، مرورًا بأرصفة ساحة الشهداء وصولاً إلى أزقة شارع رضا حوحو والرواقات المؤدية إلى سوقي علي ملاح والعقيبة، ينتشر باعة الخلسة بحقائبهم الضخمة وأكياسهم المتنقلة وألواحهم التي يستخدمونها كطاولات متنقلة يعرضون من خلالها أصنافًا من البضائع، تتوزع بين المنتجات الغذائية، والألبسة والأحذية وسائر الأغراض.
ومع حلول شهر الصيام في كل عام، تتحول العديد من الأحياء الشعبية ومدن الضواحي إلى فضاء كبير لباعة الخلسة الذين يستعرضون كل المنتجات بأسعار مغرية، من السمك إلى الرقائق وحتى المواد القابلة للتلف، التي تباع على الأرض، على الرغم من أنّ ذلك من شأنه إلحاق الضرر بالمستهلكين، الذين يندفعون في حركة شراء دائمة غير آبهين بالعواقب.
ولا يجد فريق من باعة الخلسة حرجًا من الالتصاق بجدران بعض المحال التجارية، وهو وضع يشهده سوق "الساعات الثلاث" في باب الوادي، حيث ينتشر باعة الخلسة يومياً سواء داخله أو خارجه، وتكاد هذه السوق تختنق بسبب كثرة التجار المتجولين الذين يحتلون كل الفضاءات، وإن صغرت، لعرض مختلف أنواع البضائع المحلية منها والمستوردة.
ولا يخفي إلياس (34 سنة) الذي يبيع أزياء نسائية في حي القصبة السفلي، أنّ بضاعته "تطير في الهواء" وهو تعبير استخدمه لإظهار رواج بضاعته، ويقول إلياس "أنا أبيع في هذه الزاوية منذ خمس سنوات، وأحقق عائدات محترمة دورياً". الانطباع نفسه وجدناه عند سعيد (41 عاماً)، الذي أكد أنه يبيع كل ما يهمّ المستهلكين، ويتكيف مع الظروف والمواسم، بدأ ببيع ثياب الأطفال، تبعاً لاقتراب مناسبة عيد الفطر، ويقترح ما يريده المواطنون بأثمان جد معقولة.
بدوره، يفيد رياض، وهو بائع متجول تخصص منذ سنوات عدة في بيع المواد الغذائية على طاولة صنعها بيديه "أنا استرزق وأصرف على عائلتي الصغيرة المكونة من أربعة أشخاص"، معترفاً أنّ التجارة التي يمارسها غير قانونية، لكنه يردف "ماذا عساني أن أفعل، ليس لدي أي مصدر آخر للرزق".
من ناحيتهم، يذهب قطاع من المستهلكين إلى كونهم وجدوا ضالتهم في تجارة الخلسة تبعاً لـ"تنوع سلعها وانخفاض أسعارها"، فيقول فتحي "أتردد على هذه الأماكن لكوني أجد على الدوام ما أبحث عنه ولا أعطي أهمية لما يقال عن نوعية المواد المعروضة".
ويعلّق حسان (44 عائلة) وهو رب عائلة "أنا من زبائن باعة الخلسة، آتي إلى هنا كل أسبوع لاقتناء ما أبحث عنه وبأسعار منخفضة كثيراً عما هو معتمد في المتاجر الرسمية، لست وحدي من يفعل هذا، فئة غير محدودة من الموظفين محدودي الدخل يأتون إلى هنا، وهم يمنون النفس بفرص نادرة، حتى وإن كانت بعض البضائع المسوّقة من نوعية مشبوهة".
لكن هذا الرأي لا يتقاسمه مستهلكون آخرون وكذا متابعون، على خلفية تحفظهم بشأن نظافة وجودة المواد المسوّقة، وهو ما جعل أنيس يشدد على أنّه يفضل الشراء من المحال، حتى وإن كلفه الأمر دفع الكثير من المال، ويبدي سليم انزعاجاً من كون بعض مواطنيه يخاطرون بحياتهم لقاء الاقتصاد في المصاريف، غير واعين بالمخاطر الناجمة من قلة النظافة وصحة المواد التي يشترونها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمصبرات والأجبان والحلويات التي تبقى معروضة طول النهار تحت أشعة الشمس.
وبلهجة فيها كثير من التبرّم والاستياء، يشير التاجر "بشير" الذي ينشط في السوق المغطاة، إلى أنّه يعتبر نفسه رفقة المئات من التجار "الشرعيين" بمثابة ضحايا لـ"باعة الخلسة" طالما أنّ هؤلاء من خلال إقدامهم على بيع المنتجات نفسها الموجودة في المحال التجارية وبأسعار رخيصة، يقطعون أرزاق أصحاب المحال، خصوصاً مع (احتلالهم) بشكل غير مشروع لمساحات شاسعة من الأرصفة والأماكن الإستراتجية، ولا سيما خلال شهر الصوم، الذي يرتفع فيه الاستهلاك بشكل كبير، متجاهلين الضرر الذي يتسببون به بالنسبة إلى التجار الشرعيين والاقتصاد المحلي.
وفي مشهد عايشته "إيلاف" في قلب ساحة الشهداء، شنّ رجال الشرطة حملة تطهير للمنطقة من باعة الخلسة، وقاموا بطردهم كليًا، بيد أنّ هؤلاء عادوا وبقوة، كأنّ شيئًا لم يكن، وراح ياسين وزميله كريم يرددان بضيق "لماذا يطاردوننا، نحن نتلمس سبل الرزق ونريد دينارًا حلالاً". وأضاف منير "على السلطات العمومية مساعدتنا على العمل وفق القانون"، بيد أنّ أحد أعوان الشرطة ردّ على الفور "إنهم يقترحون منتجات سيئة النوعية، وفي أحيان كثيرة تكون منتهية الصلاحية، كما إنهم ينشطون خارج القانون، وهم لا يدفعون أي ضرائب أو إيجار".
وينتقد حكيم وهو صاحب محل ألبسة، باعة الخلسة، مشددًا على أنّ الأمر يتعلق بآفة تعرف انتشارًا وجد ضارة بتوازنات التجارة الشرعية، وأضاف يقول "إننا نتفهم وضعية هؤلاء الشباب الذين لم يجدوا عملاً يمارسونه، لكن الدولة مُلزمة بإيجاد حل لهم بغية تسوية وضعيتهم وتمكينهم من ممارسة أنشطة بكل شرعية".
ويؤيد صالح صاحب محل للمواد الغذائية رأي حكيم، لافتاً إلى أنّ باعة الخلسة يفرضون منافسة غير شريفة لا يتقبلها المنطق، ويتوقع زميله أبو بكر أن تتنفس الحركة التجارية بعض الشيء، إذا ما تمّ استبعاد باعة غير شرعيين يعرقلون بحسبه عرقلة الاقتصاد.
وتنوي وزارة التجارة الجزائرية على لسان مسؤولها الأول "مصطفى بن بادة" شن حرب على باعة الخلسة، ويعزو بن بادة ذلك إلى كون ظاهرة الأسواق غير القانونية التي تتداول المليارات خارج سلطة الجباية تؤثر على اقتصاد البلد، وتسيء للمحيط بصفة عامة، وتضر بالتجار الذين يمارسون نشاطهم بصورة قانونية.