اقتصاد

بورصة العيد تتداول المليارات في الجزائر... والأولوية للأطفال

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لأنّ الاحتفال بعيد الفطر له قيمة اجتماعية عالية لدى الجزائريين، فإنّهم لا يترددون عن رصد مخصصات ضخمة لتوفير لوازم المناسبة، ما زاد من قيمة ما تتداوله بورصة العيد على الرغم من المغالاة واصطدام المستهلكين بثالوث "رمضان - العيد - الدخول المدرسي". "إيلاف" استطلعت الموقف مع خبراء وأصحاب محال ومستهلكين.

الجزائر: في جولة قادت "إيلاف" إلى عدد من الأسواق والمتاجر في مناطق بوزريعة، وباب الوادي، وساحة الشهداء، والقبة في الجزائر العاصمة وضواحيها، كان المشهد متشابهًا في الأسبوع الأخير من رمضان، حيث تحوّلت الأسواق المذكورة وغيرها إلى "خلايا نحل" حقيقية، استقطبت أعدادًا هائلة من المتسوقين الباحثين عن شراء حلل العيد ولوازم الحلويات ولعب الأطفال.

ولا تتوقف الحركة إلاّ جزئيًّا مع اقتراب موعد الإفطار، إذ سرعان ما يُعلن بعد ساعة وبضع دقائق، انطلاق الشوط الثاني لعملية التسوق الدؤوبة، التي تستمر في حالة من الاستنفار إلى غاية الثلث الأخير من الليل، على إيقاع صيحات التجار ومحاولاتهم إغراء الزبائن بألوان وأصناف من السلع الفضفاضة.

وفي استقراء لأسعار السلع المعروضة عشية العيد، لم ينزل ثمن السروال تحت عارضة 1600 دينار (ما يعادل 19 دولارًا)، بينما حُدّد ثمن الحذاء بحدود ألفي دينار (24 دولارًا)، والقميص بما بين ثمانمائة وألف دينار (10 إلى 12 دولارًا)، علمًا أنّ ما تقدّم ذكره يتعلق بالأسعار الدنيا. وترتفع تكلفة أي بضاعة وتوابعها كلما كانت نوعيتها بمنظار الباعة جيدة أو مستوردة.

ملابس الأطفال في مقدمة المشتريات
ويشير فتحي، صاحب متجر في ضاحية بوزريعة، إلى أنّ الإقبال ممتاز للغاية، ولا سيما على اقتناء ملابس الأطفال، وهو ما مكّنه من جني مكسب محترم على حد قوله بواقع عشرة آلاف دينار كل يوم (ما يعادل 120 دولارًا)، بينما يؤكّد رضا أن "الكثير من الأشخاص يجدون هنا ما يناسبهم، لأنّنا نقترح ملابس لائقة بأسعار معقولة، تراعي قدرات العوائل ذات الدخل الضعيف".

من جانبه، لا يخفي عمار حسرته احتكامًا لشبح الكساد، الذي يكاد يطال ملابس الكبار، لكون هؤلاء يمنحون الأولوية للصغار، ورغم أنّ الفساتين نزلت قيمتها في سوق ساحة الشهداء إلى مستوى خمسمائة دينار (8 دولارات)، إلاّ أنّها ظلت متكدسة شأنها في ذلك سراويل وقمصان وأحذية الشباب، التي لم تحظ برواج كبير، رغم أسعارها المغرية، على حد تعبير عمار.

على طرف نقيض، تسقط السيدة زليخة (مزاعم) الباعة، وتضيف بتشنج ظاهر أنّ الأسعار مرتفعة جدًا، خصوصًا تلك المرتبطة بالملابس ذات العلامات التجارية الشهيرة، ومع ذلك ترضخ زليخة للأمر الواقع، بداعي افتقادها لأي خيار، طالما أنّها حريصة على فرحة بناتها بالعيد، وكذا عودتهنّ إلى المدارس بعد أيام قلائل.

ويلفت سعيد وعلي والجيلالي إلى أنّ أسعار ملابس الأطفال أكثر ارتفاعًا من ملابس الكبار، وهو ما يشكّل وجع رأس بالنسبة إليهم على غرار الآلاف من مواطنيهم ذوي الدخل المحدود، خصوصًا للعوائل الجزائرية التي يصل عدد أطفالها إلى خمسة، ومع ذلك تجد بعض المستهلكين، على الرغم من شكاوهم حول ارتفاع الأسعار، يشترون الملابس باندفاع لإرضاء أطفالهم، حتى وإن تطلب الأمر إفراغ كل ما تحتويه جيوبهم، وما يترتب عن ذلك من إثقال الكواهل بعد مصاريف شهر الصيام.

مزاجية الأسعار
بدوره، يقول إسماعيل، وهو رب عائلة، إنّ تزامن العيد مع الدخول المدرسي، جعله يتوخى سياسة "شدّ الحزام" حتى يفي بمتطلبات أطفاله، معلّقاً "يجب توفير ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف دينار (بين 70 و80 دولاراً) لاقتناء ملابس لطفل واحد في التعليم المتوسط وتزويده بالأغراض والأدوات الضرورية، وهو ما يعني صرفي لما لا يقلّ عن عشرين ألف دينار (بحدود 240 دولاراً)، لتلبية حاجات أبنائي الثلاثة".

ولا يتردد رشيد البائع في محل للألبسة الجاهزة وسط العاصمة، في الإقرار بـ"مزاجية" الأسعار، حيث يسرّ بكون التجار يحددونها وفق منطقهم الخاص، حتى وإن كانت هذه الأسعار في الغالب خيالية بالنسبة إلى أصحاب الدخل الضعيف وحتى المتوسط، ترتفع بحلول العيد لتنزل إلى القاع مباشرة بعد المناسبة، في سلوك يختزل عقلية المضاربة والمغالاة التي يتعطاها هؤلاء التجار، في غياب تام لفرق الرقابة التي تتباهى السلطات بوجودها ميدانيًا.

على المنوال نفسه، يعترف سمير صاحب محل لبيع الأحذية، بأنّ الأخيرة على الرغم من وفرتها وتنوعها، فإنّ أسعارها في غير متناول فئة واسعة من الزبائن الذين يجدون ضالتهم في أسعار منخفضة، ولو كانت السلع المقتناة بجودة أقل ونوعية رديئة، ويبقى المهم - حسب أحد الزبائن - هو إدخال الفرحة على قلوب صغاره.

وأمام السخونة التي تطبع بورصة العيد، ارتضى كثير من الفقراء (950 ألف عائلة معوزة، ما يمثل 22% من المجتمع المحلي)، شراء الملابس المستعملة أو ما يُعرف بـ"البالة"، في حين اختار قطاع آخر من البسطاء والعوائل المتوسطة الدخل، الاحتماء بالسوق الموازية لتلبية طلباتهم، خصوصًا مع تفنّن باعة الخلسة في عرض ألبسة صينية، وأخرى فرنسية وإيطالية بأسعار منخفضة، وهو واقع لاحظته "إيلاف" في زقاق "باب عزون" وممرات "زوج عيون"، حيث بيعت فساتين نسوية هناك بمئتي دينار للفستان (أقل من 3 دولارات)، كما جرى بيع بذلات طفولية متكاملة بألف دينار فحسب.

الدخول المدرسي فرض التكيف والاقتراض
بحكم التزامن الحاصل بين العيد والدخول المدرسي الجديد، اضطرت عموم العوائل التي يُقبل أبناؤها على الالتحاق بصفوف التعليم، إلى التكيف على مضض، وهو لسان حال مولود، شعبان وفريد الذين يشيرون إلى أنّ ألبسة العيد ستكون هي نفسها ألبسة الدخول المدرسي.

وحجر الزاوية ليس في الملابس، بل في المواد الدراسية من محافظ وكتب وسائر الأدوات التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت أسعار الكراريس بمختلف أحجامها بنسبة 15 إلى 25 % مقارنة بالموسم الدراسي الأخير، فيما تتراوح أسعار المآزر ببين مئتي إلى سبعمائة دينار، وقفزت أسعار المحافظ بدورها إلى ما بين 350 و1800 دينار، وهي عوامل زادت من متاعب الأولياء، في رحلة بحث مضنية عما يناسب ميزانياتهم ويؤقلمها مع حجم المصاريف المتعلقة بالتمدرس.

عليه، فضل قسم من أرباب العوائل إلى الاستدانة والاقتراض، بعدما لم تقو ميزانياتهم الضعيفة على الاستجابة إلى متطلبات أطفالهم، بهذا الشأن، تؤكد حورية، وهي أم لأربعة أطفال مدرسيين، بمرارة ظاهرة "على الرغم من تضحيتنا هذه السنة بالإجازة الصيفية، فإنّ ما تبقى من مصاريف رمضان لا يكاد يغطي ثمن ألبسة العيد. أما مصاريف الدخول المدرسي فهمّها أكبر ولا يمكن تجاوزه إلا بالاقتراض".

وتبعًا لمستوى الإقبال المكثف على الشراء، يجزم الخبير أنيس بن مختار أنّ ما تتداوله بورصة العيد، ليس بالقليل، وينطلق بن مختار من عملية حسابية تقريبية لما ينفقه المجتمع المحلي وقوامه 36 مليونًا (الشباب يمثلون ثلاثة أرباع التركيبة الاجتماعية بمعدل عمري يقلّ عن 25 سنة لدى نصف السكان)، فإذا جرى الاستناد إلى دفع الفرد الواحد لعشرة آلاف دينار (120 دولارًا) كمتوسط إنفاق على مختلف المستلزمات (يتضاعف إلى ثلاث مرات لدى فئات معيّنة)، فإنّ ذلك معناه تداول مليارات الدولارات، ولا سيما مع تقاطع العيد مع الدخول المدرسي وإفراز الأخير لمصاريف إضافية.

كما يدرج بن مختار ما يتم صرفه على إنجاز تشكيلات من الحلوى في ظلّ ارتفاع أسعار المواد الأولية كالقمح بنوعيه واللوز (700 دينار أي حوالى 9 دولارات) والفول السوداني (180 دينارًا بما يعادل دولارين ونصف)، ناهيك عن الزبدة والسكر وغيرهما، وكذا الأكسسورات مثل لعب الأطفال، فضلاً عن اقتناء كميات من الخضر والفواكه واللحوم لاستقبال الضيوف والأقارب، وهو ما يقتضي ميزانيات هائلة لمجموع العوائل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
nero
nero -

الأسواق الجزائرية تتحول إلى خلايا نحل عشية العيد خلايا نحل او غرفه عمليات طوارئ

nero
nero -

الأسواق الجزائرية تتحول إلى خلايا نحل عشية العيد خلايا نحل او غرفه عمليات طوارئ