صرّافو العملات في الجزائر... نشاط مربح خارج القانون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هم شباب كُثر اختاروا الاشتغال في سوق الصيرفة غير الرسمية للعملات الأجنبية، حيثتجدهم يزاولون هذا النشاط المربح في المحال التجارية وحتى في الممرات والأرصفة غير مبالين بالحظر الرسمي، على نحو صارت معه تجارة العملة سوقا قائمة بذاتها لها قوانينها وتداولاتها. من خلال الاستطلاع التالي، تسلط "إيلاف" الضوء على واقع أضحى يتعاظم بشكل مثير في الجزائر على مر السنين.
الجزائر: تعدّ ساحة بورسعيد وسط الجزائر العاصمة القلب النابض لصرّافي العملات، حيثتجد المئات يتوزعون على جنبات المكان وأزقته كل يوم. تراهم يزاوجون بين اتصالات هاتفية خاطفة، وتلويح مثير برزم ضخمة من الأوراق النقدية لمختلف العملات من دينار ودولار ويورو وجنيه إسترليني وين وغيرها، في حراك دؤوب يبدأ من ساعات النهار الأولى ويستمر إلى غاية المغيب. لدى التجوال في وسط الساحة، كانت قيمة العملات الأجنبية مرتفعة مقارنة بمطلع الصيف الجاري، حيث اقترح الصيارفة ورقة المائة دولار أميركي لقاء عشرة آلاف دينار، بينما كانت قيمة المائة يورو أعلى بواقع 12.7 ألف دينار، في حين كان أحد الزبائن مطالبا بدفع 14.5 ألف دينار للحصول على مائة جينه إسترليني.
ويبدو أنّ هذا اللون من الصيرفة غير المشروعة فرض نفسه، على نحو صار من يتخذونها مصدر رزق دائم، ولا يتحرجون إطلاقا من تواجد عناصر الأمن، مثلما لا يظهر عليهم أي مخاوف من تعرضهم إلى المساءلة أو مصادرة ما بحوزتهم من أموال، يعلق "ربيع" أحد العارفين بخبايا ما يحدث هناك:"السوق أصبحت واقعا معاشا وتكاثر فيها عدد السماسرة بعدما كانوا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، المعاملات المالية تتم بشكل دوري وعلني بعدما كانت تجرى في جو من الخلسة في زمن سابق، وتنتعش سوق العملة بشكل خاص في مواسم الإجازات واقترانها بقدوم المغتربين والسياح، ومع اقتراب مواسم الحج والعمرة". ويسرّ فريد أنّه يمارس مهنة الصيرفة منذ ما لا يقلّ عن العشر سنوات، ويشير بابتهاج إلى أنّ ما كسبه خلال الفترة الماضية، أنساه معاناته في أعوام الشقاء، على حد تعبيره، شارحا بلهجة الخبير:"ليس هناك قوانين محددة، ما يفرض نفسه هو قانون العرض والطلب، فمثلا انخفضت قيمة اليورو كثيرا خلال فصل الصيف الحالي تبعا لكثافة أعداد الوافدين ووفرة العملة الأوروبية التي جلبها هؤلاء إلى الجزائر".
ويوضح فريد الذي انضم إليه ياسين وحسان اللذان يمارسان النشاط ذاته، أنّ عدد زبائنهم غير محدود ويتوزع على فئات اجتماعية عديدة وتشمل الدائرة كبار المصدّرين والمورّدين وكذا من يُعرف بـ"تجار الشنطة" نظرا لحاجتهم المستمرة للعملات، ويفيد حسان أنّ قيمة صرف العملات قابلة للصعود والهبوط بشكل مستمر وسريع، ما يفرض على الزبائن تحيّن الفرص وعدم الإفراط في التردد، وهو انطباع يؤيده "عباس" الذي يواظب على القدوم إلى ساحة بورسعيد لأجل تصريف الأموال، ويدافع عن ذلك بالقول إنّ ما يجنيه في السوق غير الرسمية أكبر بكثير مما سيحصل عليه لو اختار الذهاب إلى البنوك. والأمر خاضع بحسب الثلاثة إلى عوامل عدة كنقص السيولة أو وفرتها، كثرة الطلب أو قلته، فضلا عن تأثيرات المضاربة، والتغيرات التي تطبع السوق المالية الدولية، رغم أنّ هذه "السوق السوداء" غير خاضعة للضوابط المصرفية الرسمية، ولم يبد أنها تأثرت بانعكاسات أزمة المال الكونية قبل سنتين.
ونظرا لأنّ المهنة مربحة بكل المقاييس (متوسط المكسب اليومي يصل بحسب مراجع محلية إلى حدود 60 ألف دينار أي ما يعادل 600 دولار)، فإنّ الكثير من تجار الأحذية والملابس في الجزائر العاصمة وضواحيها، يمارسونها بحافز مضاعف ولا سيما أنّ المكسب الآنف الذكر مرشح للزيادة طرديا، وذاك ما لمسناه على مستوى عدد من المحلات في شارع العربي بن مهيدي، وكذا السوق المغطاة "كلوزال" وغيرها، بقدر خلق ديناميكية خاصة للمعتادين على السفر إلى خارج البلاد. بهذا الصدد، يشير رضا إلى أنّه بحكم سفره المستمر إلى فرنسا، من الطبيعي أن يحتاج إلى عملة اليورو، لذا يقصد محل أحد (الصرّافين) ليتحصل على ما يطلب، ويطلق رضا زفر تأوه قائلا:"مُرغم أنا على اتباع هذا السلوك، لأنّ المصارف المملوكة للحكومة ترفض تغيير العملة المحلية إلى أخرى أجنبية إلاّ مرة واحدة في العام، وعلى أن لا تتعدّى 15 ألف دينار (ما يعادل مئتي يورو)، وهو ما لا يرضي تطلعات الكثير من مواطنيه".
من جهتها، تعد بلدية الصوارخ الحدودية مع تونس (أقصى شرق الجزائر)، محطة مفضلة للصيارفة، ويقترح الشباب الذين يقومون بهذا النشاط على زبائنهم من المسافرين عديد العملات الأجنبية من يورو ودولار ودينار تونسي لتصريفها، ولسان حالهم:"الصرف بالدينار الجزائري في هذا الموقع، يسمح بتفادي صرف عملات قوية في تونس والكل يربح في الصرف". وعلى منوال شمال البلاد، لا يبالي صيارفة شرق الجزائر بالطابع غير الشرعي لهذا النشاط المحفوف بالشبهات، في وقت يحظون بإقبال كبير من طرف الكثير من سائقي السيارات المعتادين على عبور منطقة الصوارخ الحدودية.وعلى نقيض ما يحصل في ساحة بورسعيد وتوابعها، فإنّ تبادل العملات في المنطقة المذكورة يجري في سرية تامة و بعيدا عن الأعين خاصة عندما يتعلق الأمر بمبالغ مالية كبيرة نسبيا، ويلفت أمين إلى أنّ الصيارفة يتفنون في توظيف الأرقام والكلمات لإقناع زبائنهم، حتى صار البعض منهم أثرياء في ظرف قصير جدا.
وفيما بات واضحا أنّ سوق الصيرفة بثوبها غير الرسمي، فرضت نفسها كفضاء أوحد لغالبية متعاملي العملة، في بلد لا تزال بورصته الرسمية محتبسة منذ سنوات عديدة، فإنّ المختص "أنيس نواري" يلاحظ أنّ تفاقم ظاهرة البطالة أدى بقسط وافر إلى بروز مهنة "الصراف"، بينما يتساءل الأستاذ "محمد يعقوب" عن مصادر تمويل سوق الصيرفة، ويرفض فكرة امتلاك شباب مغلوب على أمره لذاك السيل من الأموال، جازما أنّ الأمر يتعلق بلوبيات تنشط في الخفاء وتستخدم الشباب كواجهات فحسب، وهو أمر يؤكده عدد من السماسرة بشكل مبطّن، كاشفين عن كسبهم هامشا محترما بفعل اتفاقهم على نسب مئوية مغرية مع من يشغلونهم.
ويحترز خبراء بشأن ما تتكبده الخزانة العامة من خسائر جرّاء سيرورة هذه السوق (اللامعة)، حيث يشدد الخبير "عبد الحق لعميري" على أنّ الصيرفة غير المشروعة تمعن في العبث بالاقتصاد الرسمي، وسط عجز غريب من السلطات عن كبح جماحها.وإذا كان خبراء يطالبون الحكومة بالإسراع في تقنين حازم وشفاف لسوق الصيرفة وإخضاعها لسلطة الجباية، على درب غلق الباب أمام استنزاف ينذر بالوخامة ما لم يتم إيقافه، فإنّ عموم الصيارفة الشباب الذين استجوبناهم يدعون إلى استيعابهم بدل استبعادهم، وهو معنى يبرزه كريم بقوله:"لماذا لا يتم تمكيننا من فتح مكاتب لصرف العملات".