اقتصاد

البرامج الاقتصادية الاجتماعية للأحزاب التونسية تشكو تناقضات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في ظل الأوضاع الإجتماعية الصعبة التي يعيشها الشعب التونسي بعد الثورة، يشهد إقتصاد بلاده صعوبات جمّة، جعلت الخبراء يتوقعون نسبة نمو لا تتجاوز في أحسن الحالات 1%. وأكد الخبير حسين الديماسي أن البرامج الاقتصادية الاجتماعية للأحزاب التونسية فيها الكثير من الإيجابيات، ولكن تشكو تناقضات عديدة وخطرة أحيانًا.

حسين الديماسي

محمد بن رجب من تونس: الإضطراب الذي يغلب على الوضع العام في تونس بعد الثورة بالرغم من الهدوء النسبي في الفترة الأخيرة كان له عميق الأثر على الإقتصاد التونسي، فخسر آلاف فرص العمل، مما ضاعف من الضغط على الإقتصاد، الذي يقف حاليًا أمام تحدّ كبير يتمثل أساسًا في التغلب على مشكل البطالة.

وحتى نقف على جوانب عدة مكونة للإقتصاد التونسي فقد كان لقاء حوار مع الخبير الإقتصادي العالمي حسين الديماسي الذي تحدث لـ "إيلاف" وأجاب عن أسئلتنا.

س: هل يمكن للبرنامج الذي أعدته الحكومة المؤقتة (2012-2016) من إنعاش الإقتصاد التونسي وتحقيق الأهداف المرجوة؟
ج: إذا تعاملنا مع هذا البرنامج من خلال التقديرات المالية الكبرى التي خصصها لذلك، فهو قادر فعلاً على العودة بالإقتصاد التونسي إلى تحقيق أهدافه، وخاصة تجاوز ضغط طلبات العمل، التي تصل إلى 700 ألف فرصة عمل، ولكن الإشكال الكبير هو أن يحدد وبصورة عامة ضبابية في تحديد مصادر تمويل هذا البرنامج الذي يحدد نسبة نمو تصل إلى 6% سنويا، إضافة إلى ما يقارب 120 ألف فرصة عمل سنويًا وهو عدد كبير.

النقطة الأساسية تتمثل في حجم الإستثمار الذي يحدد بنحو 125 مليار دينار، بينما في السنوات السابقة لم يتجاوز أبدًا حدود 40 مليار دينار، وفي المناخ السائد داخليًا وخارجيًا فالهدف تحقيقه صعب جدًا ومبالغ فيه، فالنسق الذي تريده الحكومة المؤقتة لم نتعود عليه، سواء في سنوات الرخاء أو في سنوات الشدة، وفي المخطط التنموي الأخير (2007-2011) عرفنا خلاله سنتين جيدتين وسنة متوسطة وسنة أخيرة صعبة، وكان حجم الإستثمار في حدود 40 مليار دينار، واليوم نحن نعاني ضغوطات داخلية قوية، منها البطالة والتنمية الجهوية وصندوق التعويض، سواء في المواد الغذائية أو في المحروقات.

وقد وصلنا إلى أرقام مرهقة للغاية لهذا الصندوق بين 3 و4 مليار دينار، بينما كان في السابق في حدود مليار دينار واحد، ولكن هناك ضغوطات خارجية كذلك، وهناك بوادر أزمة كبيرة في العالم، خاصة على مستوى الإتحاد الأوروبي، لأنه شريك أساسي لتونس، وهذا ما يجعلنا لا ننتظر شيئا مهمّا من هذا البرنامج التنموي (2012-2016).

س: إذن ما هو المنوال الأمثل لتونس الذي تراه؟
ج: النموذج الأمثل يتمثل في العمل أولاً على ايجاد طرق لعدم ارهاق كاهل الدولة خلال السنتين 2011 و2012 لأن الخطر الآن هو أن الدولة عندما ترهق تجد نفسها مضطرة للإقتراض، وبالتالي بودّي لو أن الحكومة المقبلة بعد المجلس التأسيسي تنظم حملة وطنية للإقتراض الداخلي، ولم لا المساهمات إلى جانب ما تتمكن الحكومة من استعادته من أموال منهوبة، لأنه في الأزمات لا بد من وسائل استثتائية على غرار قروض وطنية ومساهمات، لأن تونس عرفت أزمات سابقة، كما إن الأعراف من ناحيتهم مطالبون بالتدخل ومدّ يد المساعدة للدولة للخروج من هذه الأزمة، وذلك بتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل، مع تحسين نسبة التأطير التي تعبتبر ضعيفة حاليًا، حيث لا تتجاوز 3%، بينما يجب أن تبلغ 10% على الأقل بالنسبة إلى القطاع الخاص، إلى جانب تحرك مكثف لإطاراتنا الديبلوماسية للتدخل مع الدول القريبة منا على غرار أوروبا وليبيا من أجل قروض ثنائية ميسرة.

بكل هذه التدخلات للحكومة المقبلة يمكن لنا مجابهة الأزمة بأقل كلفة وبأيسر السبل في السنتين أو الثلاث المقبلة.

س: منذ شهر تقريبًا عمل البنك المركزي على التخفيض من نسبة الفائدة من أجل تسهيل عودة الثقة إلى المستثمر، وهو ما يؤثر ايجابا على الإقتصاد التونسي؟ .
ج: نعم و لا، لأن نسبة الفائدة هي أداة مهمة في تنشيط الإستثمار، بشرط أن تكون آفاق الطلب واعدة، لأن المستثمر لا يأتي للإستثمار، لأن سعر الفائدة زهيد، ولكن آفاق بيع ما ينتج كبيرة، وبالتالي ليست هناك علاقة ميكانيكية بين نسبة الفائدة والإستثمار، ولكنها في الواقع علاقة جدلية، فإذا تحسن الإستثمار فإن هناك طلبا واعدا.

ومثال ذلك فإن نسبة الفائدة في اليابان تكاد تكون صفرًا منذ سنوات، ورغم ذلك فإن الإستثمار ضعيف، لأنّ آفاق الطلب غير واعدة بالمرة، فالطاقة الشرائية الداخلية ضعيفة، كما إنّ التصدير في اليابان يجد صعوبات كبيرة بفعل ارتفاع قيمة الين الياباني، التي لا تشجع على التصدير.

س: بين محافظ البنك المركزي قبل أسبوع بأن هناك بوادر لعودة جدية للإستثمار الأجنبي في تونس، فكيف يبدو لك الوضع في تونس؟.
ج: نعم هذا صحيح، وهذا يتحقق بشروط، الشرط الأول هو أنّ الأزمة في أوروبا لا تستفحل بالرغم من تشاؤمي صراحة في هذا المجال، لأن في أوروبا الآن يعالجون الأزمة بالمقلوب، فتظهر أحيانا الإنتعاشة، ولكن ما هي إلا تسكين، لأن الألم لايزال موجودًا، بل المرض يحتدّ، ويمكن حصول أزمة خطرة جدًا.

أما بالنسبة إلينا، فلا بد من العمل على عودة الأمن والطمأنينة إلى المواطنين في تونس، فهو أولوية الأولويات للحكومة المقبلة، لأن هذا هو الأساس الذي يشجع المستثمرين على العودة إلى الإستثمار من جديد في تونس الثورة.

س: تكالبت الأحزاب التونسية على إعداد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية لاستمالة الناخب التونسي في انتخابات المجلس التأسيسي. فكيف تقوّمون الوضع؟.
ج: البرامج الاقتصادية - الاجتماعية للأحزاب التونسية فيها الكثير من الإيجابيات، ولكن تشكو تناقضات عديدة وخطرة أحيانا، فقد عملت هذه البرامج على أن تكون تونس الدولة سخية في نفقاتها وفقيرة على مستوى الموارد، كما إن هناك أحزابًا أخرى عملت على أن تكون برامجها التنموية تعتمد أساسًا على التقنيات الحديثة، إلى جانب النشاطات الإقتصادية ذات القيمة المضافة العالية والأماني بتحقيق أعداد مهولة من فرص العمل.

ويبدو أن جل برامج الأحزاب تعمل بإطناب على مشاريع البنية التحتية من أجل تخفيف حدّة البطالة، بينما في الواقع مثل هذه المشاريع لا توفر عددا كبيرا من فرص العمل، من جهة ثانية فإن البرامج الإجتماعية التي تعمل على خلق آلاف فرص العمل في الوظيفة العمومية في أوقات قياسية وهو ما يثقل كاهل الدولة من جهة ويضاعف من نسبة التضخم المالي الذي له تأثير سيء على الإقتصاد.

س: القطاع السياحي يسجل تراجعا كبيرا. فكيف السبيل لإعادة النشاط إليه؟
ج: الاحداث الاخيرة التي جدت بتونس كانت لها انعكاسات سلبية على مجمل الانشطة الاقتصادية، بيد أنّ القطاع السياحي كان الأكثر تضررًا، لأنه كان يشكو العديد من المشاكل الهيكلية. في هذا السياق فإنّ عددا كبيرا من أصحاب الفنادق يشيدون نزلاً فخمة من أصناف 4 و5 نجوم، ويتم بعد تسييرها كأنها فنادق من صنف 3 نجوم فقط، وهذا له تأثيره السلبي العميق على السائح، وكنتيجة لذلك فقد تم التفويت في هذه الفنادق كأنها من صنف نجمتين (2)، وهذه هي المشكلة الحقيقية للسياحة التونسية التي تتخبط فيها منذ سنوات.

س: وهل يمكن لتونس أن تستفيد من إعادة إعمار ليبيا وكيف؟
ج: هذا مهم جدا لمستقبل تونس في القريب العاجل، فإذا استقرت الأوضاع في ليبيا، فيمكن أن نسترجع ما خسرناه في الأشهر الماضية بسرعة، لأن لنا علاقات طيبة وتقاليد مع الإخوة في ليبيا، وبالتالي فليبيا هي طرف استراتيجي لتونس، ولكن اذا استقر الوضع في ليبيا، وتم تنصيب حكومة منتخبة، وعليها اجماع، فيمكن بإعادة اعمار البلد الشقيق أن تكون تونس حاضرة هناك عبر العديد من مؤسسات المقاولات، التي لها تقاليد في ليبيا، وستقوم بالتالي بعملية اعادة الإعمار وما وراءها من توفير فرص العمل، وذلك على مدى سنوات طويلة، وهو ما يخفف الضغط على كاهل الحكومة التونسية، لأن ليبيا ضعيفة وتفتقر البنية الأساسية والتجهيزات الجماعية كالمستشفيات والجامعات والبنية الأساسية كالمباني والطرقات والعمارات وغيرها.

كما إن النظام الجديد في ليبيا سيعمل على إعادة النشاط لقطاعات كانت مهمشة، وهي قادرة على إعانة الإقتصاد الليبي وتنويعه والقيام بدور أساسي كالسياحة والزراعة والصيد البحري، وليبيا لها طاقات جبارة في هذه المجالات، وبالتالي فنحن لنا تجربة كبيرة في هذه القطاعات، ونحن قادرون على المساهمة والإستفادة. وبالتالي فالأمنية الكبيرة هي عودة الأمن والإستقرار إلى ليبيا وتخفيف الضغط على سوق العمل الداخلية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف