خبراء: مترو الجزائر مشروع سياسي بأثر اقتصادي محدود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يثق خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر، بقدرة مترو العاصمة المُفتتح قبل 72 ساعة على منح إضافة للاقتصاد المحلي المُنهك باحتباس الإنتاج وأعباء الواردات، ويذهب هؤلاء في تصريحات خاصة بـ"إيلاف"، إلى أنّ المشروع الموسوم بكونه "سياسي"، لن تكون له آثار اقتصادية ذات بال وسيقتصر على تنشيط البعد الخدماتي فحسب.
الجزائر: بعيدا عما أثاره دخول مترو الأنفاق بالجزائر نطاق الخدمة بعد ثلاث عقود من الانتظار من تهليل رسمي، يشير الخبير الاقتصادي د/ بشير مصيطفى إلى أنّ ما جرى تدشينه يمثل جزءً بسيطا من المترو، حيث أنّ المنجز لم يتعدّ 9.5 كيلومترات، وهي مسافة لا تشكل شيئا بالنسبة للمدينة الأولى في البلاد، ولا تضاهي ما تشهده عواصم عالمية كبرى كباريس، طوكيو وغيرهما.
ويتقاطع الخبير أنيس نواري مع د/مصيطفى في كون الأثر الاقتصادي للمترو سيطال منظومة الخدمات فحسب، تبعا لتركّز المصارف، الإدارات، المشافي وغيرها من المرافق في محيط العاصمة الجزائرية واستيعاب الأخيرة لما يربو عن الخمسة ملايين نسمة، بينما تتواجد عموم الهياكل الانتاجية خارج العاصمة، وتتوزع بين مناطق الرغاية، سكيكدة، باتنة وغيرها، وصولا إلى رئة الاقتصاد الجزائري ممثّلة في آبار النفط بمحافظتي حاسي مسعود وحاسي الرمل ونقاط أخرى على مستوى الشريط الجنوبي.
ويؤكد نواري ومصيطفى على أنّ استكمال الشطر المتبقي من المترو الأول من نوعه مغاربيا والثاني إفريقيا، سيوفر قيمة اقتصادية مهمة على صعيد الخدمات، ويلاحظ الخبيران أنّه بسبب ما يلف العاصمة وضواحيها من زحام شديد، فإنّ الحجم الساعي الفعلي للعمل يتراوح بين 50 إلى 60 بالمائة حاليا، بسبب التأخرات وحكاية الاجازات المرضية، وهو ما يعني خسارة 40 إلى 45 بالمائة من الانتاجية، وطبعا فإنّ اختصار تنقل الساعتين في عشر دقائق، سيولّد قيمة مُضافة لا سيما في البناء، الأشغال العامة، وغيرها من الميادين ذات الطابع الخدمي. ويربط مصيطفى محدودية إيجابية المترو، بكون الكثير من مواطنيه يقطنون خارج نطاق التسع كيلومترات، متسائلا عما إذا كان ما سيتم كسبه جرّاء استرجاع الحجم الفعلي للخدمات، سيغطي كلفة الانجاز والتأخرات التي امتدت لما يزيد عن 29 عاما، وما انتابها من تراكمات.
ويقحم نواري أيضا مسألة تسيير المترو، في إحالة منه على ما يحوم حول جدوى المشروع الذي تمّ إسناد الإشراف عليه إلى مجموعة فرنسية، فيما يقدّر مصيطفى أنّ أسئلة المترو تنسحب أيضا على الطريق السيار (شرق - غرب) الذي أنفق عليه 20 مليار دولار، فهل سيغطي عطاؤه ما أنفق عليه؟
ويتفق نواري مع د/مصيطفى في كون مترو الجزائر ينطوي على صبغة سياسية أكثر منها اقتصادية أو اجتماعية، ويستغرب أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، كيف لبلد يشكو عجزا فادحا في موازنته، يُفرط باستمرار في استيراد الأدوية والحبوب، ويشكو مرضى السرطان من ندرة غير مفهومة، ومع ذلك يتم بناء مترو بهذا المستوى (..)، وعليه يشدّد مصيطفى أنّه يتعين مراجعة السياسة المنتهجة في الجزائر، عبر تقييم المشاريع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بدل الاكتفاء بعقلية التدشينات.
بدوره، لا يخفي المستثمر الجزائري الخاص "سيد علي مخفي" قناعته بأنّ المترو بدأ كمشروع عاجز اقتصاديا، ويدافع عن وجهة نظره بكون السلطات استعانت بالخزانة العامة لدعم تذاكر النقل، وهو ما يعني ابتلاع المليارات للتغطية على الفارق بين قيمة التذكرة السارية المفعول (50 دينارا) ونظيرتها الحقيقية (84 دينارا).
وينتقد مخفي الذي يدير مجمّعًا متخصصا في الطاقات المتجددة، انحسار رقعة المترو في مسلك لا يتجاوز العشر كيلومترات، في وقت كان الأحرى بدوائر القرار استغلال الفترة المعتبرة التي استهلكها المشروع لجعله أكثر اتساعا، في وقت يتصاعد عدد السيارات بشكل مهول، بواقع 5.2 ملايين مركبة بينها 1.2 مليون سيارة في الجزائر العاصمة لوحدها، بكل ما ينجر عن ذلك من سلبيات اقتصادية.
بالمقابل، يرى "اعمر حدبي" الرئيس المدير العام بمؤسسة مترو الجزائر، أنّ تشغيل المترو سيرفع المردود العام لاقتصاد بلاده، ويبرر ذلك بكون المترو سيمكّن من تفادي الأعطال القياسية الناجمة عن اهتراء ومحدودية شبكة النقل البري واختناق عاصمة البلاد تحت وطأة الازدحام، والأمر من شأنه خلق فرص للعمالة وتحفيز قدرات الاقتصاد والمستثمرين على المنافسة.
ويُبرز حدبي قدرة مترو الجزائر على ضمان نقل حوالي 25 ألف شخص في الساعة، وذكر أنّ أحد عشر قطارا على استعداد للشروع في العمل بطاقة نقل نظرية تقدر بـ1240 مسافرا لكل منها، علما أنّ المترو يعمل طوال أيام الأسبوع من الساعة الخامسة صباحا إلى الحادية عشر ليلا، وسيشتغل المترو بأقصى طاقته خلال ساعات الذروة بحيث سيضمن نقل من 55 إلى 60 مليون مسافرا سنويا.
من جهته، يشدّد وزير النقل الجزائري "عمار تو" على أنّ مترو الجزائر مفيد اقتصاديا، حيث أتاح فرص عمالة لمواطنيه بنسبة 98.5 %، وتقلّ أعمار 86% من عمال الاستغلال عن 35 سنة، كما ينوّه المسؤول الجزائري أنّ المترو سيحقق مكاسب هامة، وسيغيّر عاصمة بلاده على أكثر من صعيد.
ويتساءل مراقبون عن ملابسات لا تزال مكتومة، حيث كان غلافه المالي بحدود 100 مليار دينار (مليار يورو)، بدون احتساب أشغال التمديدات، ليصل إلى أزيد من 139 مليار دينار (قرابة 1.4 مليار يورو)، علما أنّ المشروع المثير للجدل استفاد من أغلفة مالية نوعية برسم مخطط الانعاش (2001 - 2004)، المخطط التكميلي (2005 - 2009) وكذا المخطط الحالي لدعم النمو (2010 - 2014).
وتشير بيانات رسمية إلى أنّ أشغال مترو الجزائر توقفت في عديد المرات منذ ثمانينات القرن الماضي، وطالت لسنوات ما أدى إلى تأخر كبير، وسط غموض كبير يلف الموضوع، في حين أطلقت السلطات وعدا جديدا بتمديد الميترو ليغطي 40 كلم تصل ضاحية الدار البيضاء الشرقية بمنطقة الدرارية الغربية في مطلع العام 2020.