المنتج العراقي يخسر معركته مع الأجنبي وسط دعوات إلى حمايته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تحاول الحكومة العراقية تدارك الخلل الخطر في الموازنة بين البضاعة الأجنبية والعراقية، فمنعت عبر تشريع صدر في الشهر الماضي دخول الخضر والفواكه إلى البلاد، لكن هناك من يتوقع فشل القانون، بسبب عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية حاجة السوق.
وسيم باسم من بغداد: لا يجد أبو حسام في محتويات سلته الغذائية اليومية أي منتج محلي، كما لا يحتوي متجره الواقع في وسط السوق المسقف الرئيس في مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) من البضاعة العراقية إلا القليل.
وفي الوقت الذي يستهلك فيه أبو حسام الخضر والفاكهة والبقوليات المستوردة فإنه يبيع يومًيا إلى زبائنه أيضًا أجهزة كهربائية ومستلزمات منزلية جلها مستورد من الصين وتركيا والدول المجاورة.
مستودع للاستهلاك
لا يشعر أبو حسام بالفخر من جراء ذلك، شأنه في ذلك شأن معظم العراقيين، الذي وجدوا بلدهم مستودعًا كبيرًا لاستهلاك البضاعة الأجنبية، رديئة كانت أو جيدة. ولا تسود في العراق ثقافة استهلاك واضحة تحمل سمات وطنية، فلا المستهلك حريص على التضحية ببعض ترفه، ودعم المنتج الوطني، ولا التاجر يسعى إلى فتح السوق أمامه، بحسب الدكتور وائل حسين الباحث في علوم الاقتصاد.
ويتابع حسين: "لا أسواق محلية ولا تسهيلات جمركية وضريبية ولا حتى إدارية تشجّع على دعم الاستهلاك للمنتج المحلي". ويضيف: حتى الشركات الصناعية المحلية تعتمد على المواد الأولية الأجنبية، مما يقلل من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
وبحسب حسين، فإن خبراء صحيين أوضحوا له أن المنتجات الغذائية المحلية هي أكثر سلامة من مثيلاتها التي يتم استيرادها من الخارج في غالب الأحيان.
الإغراق السلعي
يقف كريم حنون، وهو مدرس، أمام محل الجزارة قائلاً: ليس سوى اللحم بضاعة عراقية، وعدا ذلك فإن البيت العراقي يحفل بالبضاعة الأجنبية.
ورغم أن دخل حنون الشهري، البالغ نحو 800 دولار، يكفيه لسد نفقاته الشهرية، إلا أنه يتوقع ارتفاعًا حادًا في الأسعار في المستقبل، يقف دون اكتفائه المالي من مرتبه.
لا ينظر حنون إلى الإغراق السلعي في الأسواق العراقية نظرة إيجابية، عكس كثيرين، يرون في الوفرة دليل تحسن اقتصادي. ويتساءل حنون عن المستقبل الذي ينتظر الصناعة والزراعة العراقية، في ظل انفتاح كبير تشهده البلاد، يلعب فيه التجار، وليس الدولة، دورًا كبيرًا في إدارة دفة الاقتصاد بغية تحقيق أرباح خيالية.
وبحسب حنون، الذي درس الاقتصاد أيضًا، فإن التجار يلعبون اليوم دورًا كبيرًا في تأخير تطبيق قانون الضريبة الجمركي، الذي تسعى الحكومة إلى تطبيقه. ولا يستغرب حنون ذلك، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التجار الكبار هم من المتنفذين في مؤسسات الدولة المختلفة.
يوضح حنون عبر مثال انهيار أخلاقيات التجارة أيضًا، فالمستوردون استوردوا حتى (المهافيف) لتنافس المحلية منها. ويتابع: بل إن المشاهدات شملت سلعًا يابانية ملوّثة بالإشعاع من اليابان.
التعويض بالاستيراد
وفي الوقت الذي تختفي فيه الخضر والفواكه والمحاصيل المحلية المختلفة من الأسواق، فإن التعويض يأتي من الاستيراد الذي نجح في توفير بضاعة (سهلة) يدفع ثمنها العراقيون بالعملة الصعبة.
ووجدت البضاعة الأجنبية موطأ قدم لها لرخص ثمنها قياسًا إلى البضاعة المحلية المرغوبة، لاسيما المنتجات الزراعية والحيوانية. حيث يبيع أبو عصام، وهو صاحب مطعم، الدجاجة الأجنبية بما يعادل الخمسة دولارات، بينما يبلغ سعر الدجاجة المحلية (دجاجة عرب) حوالى العشرة دولارات (12 ألف دينار عراقي).
وفق القياس عينه، يمكنك تخمين أسعار البيض العربي المحلي مقارنة بالبيض الأجنبي (بيض المصلحة) الذي يغزو أسواق العراق.
قاعدة صناعية
يقول حسين كامل صاحب معمل مشروبات غازية في محافظة بابل إن بعض الصناعيين العراقيين نجحوا عبر مجهودات فردية في تأسيس قاعدة لصناعات خفيفة وتحويلية، مثل مصانع المشروبات الغازية والعصائر، ومصانع المياه الصحية، إضافة إلى معامل الأصباغ.
ويقول كامل إن معمله نجح في إنتاج علب مشروبات غازية، تنافس المنتجات السعودية والإيرانية، التي كانت تسيطر على سوق المشروبات العراقية.
وينتشر في مدن العراق الكثير من معامل المشروبات والعصائر، إضافة إلى معامل إنتاج المياه الصحية، حيث يفضل التاجر وصاحب المال الاستثمار في هذا القطاع، بسبب النجاحات في هذا المجال.
الصناعات التحويلية
لكن مقابل ذلك، يدعو خبير الاستثمار ودود صافي إلى تشجيع الصناعات التحويلية الأخرى في العراق، عبر دعم الصناعيين العراقيين، وحماية البضاعة المحلية ومساعدتها للصمود في وجه البضاعة الأجنبية التي تتميز بالرخص. وفي العراق تتزامن ظاهرة التدفق السلعي مع "الغش الصناعي"، مما يستوجب سنّ قوانين تحمي المستهلك.
يقول عبد الجبار الخفاجي (صاحب متجر ومتخرج جامعي) في هذا الصدد إن العراق يخلو من المؤسسات أو الجهات التي تدافع عن المستهلك. ويضيف إن بعض التجار يكسبون المستهلك عبر توفير بضاعة رديئة، لكن بثمن بخس، مما يعتبر نوعًا من أنواع الغش، يتوجب على القوانين الالتفات إليه. ولا يخضع الكثير من البضاعة المستوردة إلى الفحص بغية إخضاعها الى المواصفات والتقييس العراقية.
منع الاستيراد
وحاولت الحكومة العراقية تدارك الخلل الخطر في الموازنة بين البضاعة الأجنبية والعراقية، ليصدر مجلس الوزراء العراقي قرارًا في عام 2011 بمنع استيراد كل المحاصيل والمنتجات الزراعية الأجنبية، لاسيما الخضر أو الفواكه، وتقنين استيرادها متى وجد اكتفاء ذاتي منها، لإعطاء فرصة للإنتاج المحلي للمنافسة في السوق العراقية من جديد.
لكن التاجر أحمد فاروق فيرى أن القانون لم ينجح بسبب عدم قدرة الإنتاج المحلي على تلبية حاجة السوق. ويتابع: إذا طبق القانون في ظروف مشابهة للوقت الحاضر، فإننا سنشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المحاصيل المحظورة، وسوف يصاب المواطن العراقي برعب الغلاء الفاحش.
ويقول المزارع العراقي أمين الجبوري إن الحكومة منعت استيراد المنتجات الزراعية في وقت سابق، ونجح الأمر لبرهة من الوقت في موسم توافر المحصول المحلي، لكنه فشل بعد ذلك بسبب عدم كفاية المنتج المحلي. ويطالب الجبوري بفرض رسوم على الخضر والفواكه المستوردة، ودعم إنتاج البضاعة المحلية البديلة، حتى تتمكن من منافستها نوعًا وكمًّا.
البيئة الاستثمارية
يدعو المستثمر الصناعي رؤوف القيسي إلى تحسين البيئة الاستثمارية وتقديم الحوافز بغية تمكين منتجات وطنية من المنافسة. كما تدعو المهندسة سهى الكفائي رئيسة مؤسسة جوهرة الرافدين، في بحث لها عن سبل النهوض بالصناعة الوطنية، إلى إعادة النظر بالاستيراد، وتحديد دخول البضائع المصنعة إلى العراق، التي ينتج مثيلها في القطاع الخاص، وتفعيل دور جهاز التقييس والسيطرة النوعية وتوفير الاحتياجات المختبرية. كما تدعو إلى إعفاء المواد الأولية الداخلة في الصناعة من الرسوم الجمركية.