أزمة منطقة اليورو أسبابها سياسية وليست مالية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في الوقت الذي يستعد فيه زعماء الاتحاد الأوروبي لاجتماع آخر خلال الأسبوع المقبل لمناقشة تغييرات أساسية في الأنظمة الاقتصادية، يسود قلق متزايد من أن النهج الجديد الذي يستند على تدخل أكبر من قبل البنك المركزي الأوروبي قد لا يكون كافياً لتحقيق الاستقرار في الأسواق والحفاظ على اليورو.
إعداد لميس حطيط: أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الزعماء السياسيين سيحاولون إقناع الناخبين في بلادهم بأنهم قادرون على فرض المزيد من الانضباط والتدخل في وضع الميزانيات الوطنية، ما يمكّن البنك المركزي الأوروبي من حيازة القوة السياسية للتحرك في دعم مبيعات سندات إسبانيا وإيطاليا.
الهدف من هذه الاستراتيجية هو أن البنك يمكن أن يغرق السوق بالأموال، ويدفع إلى خفض أسعار الفائدة إلى مستويات مقبولة، وشراء الوقت لأوروبا لحلّ مشاكل ديونها وإصلاح اقتصاداتها المتباطئة.
لكن مع اتجاه أوروبا نحو الركود، وتزايد الشكوك بأن الانضباط سوف يحلّ الاختلالات الهيكلية العميقة في منطقة اليورو، انتقلت مخاوف الأسواق من الشكوك حول الملاءة المالية للدول بشكل فردي، لتشمل منطقة اليورو ككل. وتشمل هذه الشكوك الآن ألمانيا، التي لا يمكنها ضمان مصداقية الديون الإيطالية والإسبانية، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 3.3 تريليون دولار.
نقلت الصحيفة عن كينيث روغوف، بروفيسور في الاقتصاد بجامعة هارفارد، قوله إن "المشكلة الأكبر لليورو ليست في المال، بل بسبب عدم وجود هيكلية ناجحة"، مشيراً إلى أن "الأزمة هي مشكلة دستورية ومؤسسية عميقة في أوروبا، وليست مشكلة في التمويل".
وقال سايمون جونسون، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إنه "مع ارتفاع معدلات الفائدة الألمانية، تبدي الأسواق الأوروبية الآن قلقًا بشأن استدامة منطقة اليورو ككل، فالسوق أعطت مؤشراً إلى أن الخطر النسبي هو في العملة، وليس في المخاطر السيادية". وتوقع جونسون انهيار منطقة اليورو، في حين يعتقد محللون آخرون أن أوروبا لديها المزيد من الوقت، خاصة إذا تدخل البنك المركزي الأوروبي لدعم إيطاليا بقوة أكبر.
من جهته، قال روغوف: "الأوروبيون يملكون ما يكفي من المال لشراء الوقت قبل انهيار الاتحاد، لكنهم بحاجة إلى اتخاذ خطوة كبيرة نحو الوحدة الاقتصادية والسياسية، مع من يريد أن يكون جزءًا من ذلك". وأضاف: "ألمانيا على حق في أن تطلب تغييرات منهجية في هذا الإطار، فزعماء أوروبا كانوا يأملون في أن يكون لديهم 30 أو 40 عاماً لجعل الدمج أكثر اكتمالاً، لكنهم اليوم لا يملكون سوى 30 إلى 40 أسبوعاً، وربما أقل".
وأضاف: "إننا ندخل الآن في فترة حرجة من 10 أيام، لاستكمال واختتام الاستجابة للأزمات في الاتحاد الأوروبي"، كما قال أولي رين مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية.
وأشارت الصحيفة إلى أن فرنسا وألمانيا في سعي إلى فرض تحولات جوهرية في الصلاحيات بين الدول الـ 17 في الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل تعديل المعاهدات للسماح برقابة وطنية أكثر مركزية للسياسات المالية والميزانية. وسيجري تقويم عقوبات على البلدان التي تنتهك قواعد الانضباط الاقتصادي، والتي سيتم تشديد إجراءاتها وتوضيحها.
وفي حال تمت الموافقة على هذه الاقتراحات من حيث المبدأ في اجتماع القمة المقرر عقده في 8 - 9 ديسمبر، سيؤدي ذلك إلى إحداث عملية إعادة هيكلة رئيسة للاتحاد الأوروبي، وإضفاء الطابع المؤسسي على أوروبا، مع مزيد من التكامل الاقتصادي والحكومي بين دول منطقة اليورو.الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعتزم التحدث إلى بلاده يوم الخميس لشرح أفكار لتغيير المعاهدة، ومن المتوقع أن تفعل أنجيلا ميركل الأمر نفسه في ألمانيا يوم الجمعة.
مثل هذه التغييرات، التي تنطوي على مزيد من التنازل عن بعض السيادة الوطنية والسلطات، تحتاج تصديقًا من قبل الدول المعنية، وربما من قبل جميع الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي، ما يعني إجراء الاستفتاءات في عدد قليل من البلدان.
وعلى الرغم من أن تغيير المعاهدة عملية طويلة تستغرق الكثير من الوقت، إلا أن الأمل هو أن هذا الجهد سوف يخلق زخماً كافياً للتقارب الاقتصادي والانضباط، الذي من شأنه أن يوفر الغطاء السياسي لقادة ألمانيا، من أجل السماح للبنك المركزي الاوروبي بالتدخل للدفاع عن إيطاليا وإسبانيا ومحاولة تحقيق الاستقرار في السوق.
لكن الخبراء يقولون إنه قد يكون فات الأوان لمثل هذه الخطة، فالقواعد الجديدة قد تساعد في منع حدوث أزمات في المستقبل، لكنها لن تعالج الأزمات الحالية. كما إن القواعد التأديبية الجديدة لن تفعل شيئاً يذكر لمعالجة الخلل الهيكلي في منطقة اليورو، حيث إن البلدان على مستويات اقتصادية مختلفة جدًا، ما يؤدي إلى الاختلالات المستمرة في الائتمان.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن الإصلاحات الهيكلية داخل الدول، مهما كانت قيّمة على المدى الطويل، تستغرق وقتاً طويلاً لتحقيق نتائج ملموسة، والتقشف وحده لا ينتج نمواً اقتصادياً، يمثل العلاج الرئيس للديون الكثيرة. وقال روغوف: "المرحلة الأخيرة هي التغيير الدستوري، لكن ما قبل هذه المرحلة، لا بد أن يكون هناك ما يكفي من الزخم من أجل التغيير الدستوري وتوفير الغطاء السياسي للبنك المركزي للتدخل". وأضاف: "هذا فقط شراء للمزيد من الوقت، فإنهم لا يستطيعون تمويل كل شيء، وألمانيا لا يمكن أن تعلن أنها ستدفع الديوم الأوروبية كلها".