استمرار توترات الربيع العربي سيربك سوق الطاقة العالمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أكد خبراء اتساع تأثيرات الربيع العربي على سوق الطاقة العالمية في ظلّ استمرار التوترات في أكثر من دولة عربية وعدم حسم الأمور بشكل نهائي، ويعتبر هؤلاء في تصريحات خاصة لـ"إيلاف"، أن عجز أسواق الطاقة عن إعطاء إشارات إيجابية ومطمئنة للمستثمرين، سيفرز انعكاسات سلبية ويحتّم نقل الإستثمارات.
الجزائر: يقرّ بيار غادونيكس رئيس المجلس العالمي للطاقة بكون أحداث الربيع العربي أصبحت تتجلى كمعطى جديد بالنسبة إلى السوق العالمية للطاقة تبعًا لتأثيراتها على أسعار النفط، والأمر يتعلق مثلما قال بـ"مشاكل أخلاق وعدل وإنصاف"، وهي مشاكل تتخطى عالم الأعمال.
وإذ تكهنّ بحدوث تأثيرات طويلة المدى تمتد إلى 30 سنة مقبلة، فإنّ غادونيكس ألّح على هامش أعمال المجلس العالمي للطاقة في بوهران الجزائرية على أهمية وضع الدول المنتجة تلك التوترات والتحولات بعين الحسبان، في أي نقاش حول مستقبلها.
فيما يلّح الخبير الجزائري في مجال الطاقة والبترول شمس الدين شيتور على حاجة بلاده العاجلة إلى اعتماد نموذج طاقوي "مرن شامل ومتعدد القطاعات" لمجابهة التحديات المطروحة في هذا المجال الحيوي.
من جانبه، يجزم الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الحق لعميري بعدم مساعدة الهزّات التي تشهدها المنطقة العربية حالياً على استقرار السوق العالمية للطاقة وحركة الأسعار المعرّضة لهبوط ملموس في الأشهر المقبلة، رغم وصول سعر البرميل حاليًا إلى 110 دولارات، ناهيك عن بقاء دول منتجة بعيدة عن أي زوابع، كالجزائر والسعودية وقطر، مع ذلك تأثر كثير من الخطط والمشاريع بما حصل في شتاء 2011، خصوصًا في مصر وليبيا، مع نفور العديد من المستثمرين عن الاستثمار هناك.
ويقدّر لعميري أنّ الدول الموسومة بـ"النفطية" ستتأثر بشكل أكبر، تبعًا لنظامها الذي يعتمد على المعاملات الفورية، وليس على أساس عقود طويلة المدى، كما يحصل في دول تشتهر بالغاز.
لا يستبعد لعميري احتمال نشوب مواجهات مفتوحة بين الدول المنتجة ونظيراتها المستهلكة، وهو سيناريو مرشح للحدوث في ظلّ التوتر الحاصل في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع احتقان الوضع في سوريا، وتهديدات الغرب لإيران، وسط سعي كل طرف إلى تعزيز وضعه الطاقوي إقليميًا ودوليًا.
بدوره، يشير الباحث جلال عقاب يحيى إلى أنّ الربيع العربي يصنع مخاضاً كبيراً أقرب للزلزال، ما يجعل النفط، باعتباره من أهم ثروات الوطن العربي، مؤثرًا قويًا في العديد من البلدان العربية.
ويلفت يحيى إلى أنّ مجرد وجود أحداث، سيولّد عدم استقرار في إنتاج وتسويق النفط، كما هو الوضع في الحالة الليبية، وهذا يعني احتقاناً في الكميات المنتجة والمصدّرة، الأمر الذي يعني ارتفاعاً للأسعار وفقاً لقوانين العرض والطلب، خاصة وأننا على أبواب شتاء سيزداد فيه الطلب على البترول.
من جهة ثانية، يقحم محدثنا عامل ديمقراطية الأوضاع العربية، ووجود برلمانات منتخبة، وأنظمة ديمقراطية تعبّر عن مصالح الشعوب.. ستعمل على تحرير هذه الثروة الحيوية من سيطرة ما سمّاها بـ(مافيات حاكمة) كانت تتصرف بها وفق نمطيتها وأسلوب احتكارها، كما يدرج يحيى محاولات الدول الكبرى الدخول على خط ثورات الربيع العربي في محاولات لاحتوائها، أو التدخل في شؤونها تحت عناوين كثيرة للنفاذ من هذه الفتحات، والأبواب إلى عقد صفقات مناسبة لها في مجال النفط: بحثاً وتنقيباً وتسويقاً، وحصصاً.
يتكهن الباحث السوري المقيم في الجزائر، بقيام معادلة جديدة تحاول فيها الدول الغربية أن تكون في موقع الشريك، أو المستهلك المفضل في فصل غير بعيد عن صراع محتدم بين القوى الكبرى حول ما يعرف بقوس النفط والغاز من آسيا الوسطى وروسيا والصين وصولاً إلى إيران والوطن العربي، وتفسير التدخلات والصراعات القوية بينها، بما فيه الموقف الروسي والصيني على ضوء ووقع المصالح البترولية والغازية، ومحاولة كل جهة، أو كتلة دولية كبيرة التحكم فيهما.
ويتوقع يحيى اقتراب الربيع العربي من دول الخليج العربي الغنية بالنفط، ما سيكون له تداعيات كبيرة على هذه الثروة باتجاهين: اتجاه اضطرار الأنظمة المعنية إلى توسيع علاقاتها مع الدول الغربية وتقديم المزيد من التسهيلات، والإغراءات في ميداني النفط والغاز ضماناً لعدم التدخل في شؤونها الداخلية، أو دعم الانتفاضات التي يمكن أن تقوم هنا وهناك.
عن تأثير الربيع العربي على الاستثمارات النفطية، يذهب بيار غادونيكس إلى أنّ مشروعات الطاقة الأحفورية والنووية والمتجددة لا يمكن أن تتأثر لأنّها قائمة على مخططات بعيدة المدى، والأمر سيطال المشروعات النفطية بشكل خاص، ما جعل نور الدين بوطرفة الرئيس المدير العام لمجمع سونلغاز المملوك للحكومة، يبرز ضرورة تبني سياسات عمومية تستجيب لانشغالات طويلة الأمد، مع الأخذ في الحسبان العوامل الآنية.
يتقاطع غادونيكس وبوطرفة في حتمية الانتقال إلى سياسات طاقوية طويلة الأمد، كفيلة وحدها بإعطاء اشارات إيجابية ومطمئنة تحفّز المستثمرين الذين يريدون الخوض في أسواق تحقّق النمو، وتضمن التموين، وتسهّل الحصول على الطاقة، وذاك يقتضي بمنظور بوطرفة، التوفيق بين المصالح المتضاربة للمستهلكين والمنتجين.
اعتبارًا لما تقدّم، يشدّد مراقبون على استشراف مرحلة "ما بعد الربيع العربي" لمناقشة وتحليل واستشراف الوضع في الدول المعنية بالربيع العربي، ولكن للمرحلة المقبلة، في هذا الصدد، يحثّ الباحث والمتخصص في الشؤون الاقتصادية بشير مصيطفى على التعاطي مع الأبعاد الاقتصادية للحراك الثوري في البلدان العربية، من زاوية أثر الوضع الاقتصادي للشعوب العربية في تكوين سوسيولوجيا الثورة، وآفاق أداء النظم السياسية الجديدة في ظل تراجع معدلات التنمية مع اقتراح حلول مبتكرة لوضعية الظلم الاقتصادي السائد عربيًا ولتوزيع عادل للثروة وفرص النمو بين السكان.