اليورو حفز التبادل التجاري وأضعف التضخم منذ إعتماده
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس:أدى اليورو منذ اعتماده قبل عشر سنوات الى تحفيز التبادل التجاري بين الدول التي تبنته وساهم في احتواء التضخم، لكن انعكاسه على النمو لم يكن بمستوى التوقعات نظرا لقلة التنسيق بين السياسات الاقتصادية لمختلف الدول، برأي خبراء اقتصاد التقتهم وكالة فرانس برس.ما هي فوائد العملة المشتركة بالنسبة لاقتصادات دول منطقة اليورو؟ ذلك السؤال المطروح يبدو للوهلة الاولى مثيرا للسخرية في ظل ازمة الديون الحالية.ويقول رئيس قسم الاقتصاد في مصرف كومرتسبانك الالماني يورغ كريمر ساخرا ردا على هذه النقطة "فوائد؟ أجل، لا بد ان تكون هناك فوائد" وتضيف انياس بيناسي-كيري مديرة مركز الدراسات الاستقصائية والمعلومات الدولية في فرنسا "انها لا تظهر بشكل جلي اليوم".
والواقع ان الاحداث التي نشهدها حاليا تندرج ضمن حصيلة اليورو، لا سيما وانها سلطت الضوء على الثغرات في الاتحاد النقدي وابرزها الحوكمة والاندماج الاقتصادي.فاعتماد العملة الاوروبية لم يكن بحد ذاته خطوة سيئة.وقالت انياس بيناسي-كيري استنادا الى دراسات اجريت مؤخرا ان اليورو "حفز حركة التبادل بين الدول التي اعتمدته، ليس بشكل هائل ولكن بمستوى 6%".كما ان الانتقال الى العملة الموحدة كان له تاثير على التضخم.
واشار الخبير الاقتصادي في جامعة بوكوني في ميلانو فرانشيسكو جيافاتزي الى انه في مرحلة اولى "استفادت الشركات في القطاعات التي لا تتمتع بقدرة تنافسية كبيرة من الانتقال الى اليورو لرفع اسعارها"، لكن انياس بيناسي-كيري لفتت بهذا الصدد الى ان اسعار مواد الاستهلاك اليومي مثل القهوة والخبز هي التي سجلت ارتفاعا وليس المواد الاخرى، ما اعطى الناس "الانطباع الخاطئ بان اليورو ادى الى ارتفاع الاسعار".والواقع بحسب الخبيرة الاقتصادية الفرنسية انه "من معيار استقرار الاسعار، فان الحصيلة ايجابية للغاية" حيث بقي متوسط التضخم بمستوى 2%.وقال زميلها الالماني ان "دول جنوب اوروبا استفادت بتسجيلها تضخما ضعيفا بالمقارنة مع توجهها التاريخي، وهذا تقدم كبير".كما ان زوال مخاطر تقلب اسعار العملات عزز اندماج السوق الاوروبية.
وبموازاة ذلك، سجلت معدلات الفائدة انخفاضا كبيرا بفضل تثبيتها لجميع دول منطقة اليورو بمستوى الفوائد الممنوحة للدول الاكثر ملاءة من بينها مثل المانيا، بما في ذلك بالنسبة للدول التي كانت تقترض بنسب عالية، وهو ما كان ضمن اهداف اقرار اليورو.وقال يورغ كريمر ان معدلات الفوائد الفعلية بعد تصحيحها على ضوء نسبة التضخم "تراجعت بشكل اكبر".اما في الدول التي احتفظت بنسب تضخم اعلى بقليل من المعدل نتيجة حيوية اقتصادية مثل اسبانيا، فقد ادت هذه الظاهرة الى نسب فوائد فعلية سلبية شجعت على الاقتراض وادت الى "فورة عقارية".
واوضحت انياس بيناسي-كيري "كنا نتوقع هذا التباين" مضيفة "بما ان السياسة النقدية هي نفسها للجميع، فان معدلات الفائدة الاسمية تكون متساوية غير ان معدلات الفائدة الفعلية تتفاوت". ومن فوائد اليورو الاخرى بنظر فرانشيسكو جيافاتزي انه جعل من المستحيل على الحكومات التي كانت تنتهج تخفيض سعر عملتها الاستمرار في هذا النهج. وقال ان "ايطاليا تخلت اخيرا عن فكرة ان في وسعها التعويض بشكل مصطنع عن قصورها في مجال القدرة التنافسية من خلال تخفيضات متعاقبة في سعر عملتها".وبذلك اضطرت الدول والشركات نفسها بحسب الاستاذ الجامعي الايطالي الى التعامل مع "انتاجيتها الحقيقية" ما جعل اي اخطاء في السياسة الاقتصادية "اكثر جلاء واعلى كلفة" لان الدول "لم تعد تملك امكانية تخفيض سعر عملتها".وكان يجدر بذلك بحسب الخبراء الاقتصاديين ان يحض الحكومات على اجراء اصلاحات بنيوية لتحرير اسواق المنتجات والعمل، غير ان ذلك لم يحصل على الدوام.
وقال يورغ كريمر ان "النقاط التي تم تعدادها هي بطبيعتها مؤاتية للنمو، غير ان السياسيين لم يحترموا روحية الاتفاقيات، فسمحوا لدول مثل ايطاليا واليونان لم تكن تستوفي المعايير بالدخول الى اليورو".اما زميلته الفرنسية فرأت انه "ان لم يكن اليورو حقق كل المكاسب التي كنا نتوقعها منه، فهذا يعود بجزئه الاكبر الى الحكومات" موضحة ان "السنوات العشر الاولى تلك سجلت فشلا في تنسيق السياسات الاقتصادية" ما يعتبر من المسببات الرئيسية للازمة الحالية.
بعد عشر سنوات على انضمامها الى منطقة اليورو تجد اليونان نفسها على شفير الافلاس وتعاني من منافسة دول البلقان وتركيا، غير ان الغالبية العظمى من اليونانيين يعتبرون العودة الى الدراخما كارثة حقيقية. ويردد القادة السياسيون ان اليونانيين عازمون على البقاء في منطقة اليورو، وهو ما تؤكده ايضا استطلاعات الرأي.
واعلن رئيس الوزراء لوكاس باباديموس مؤخرا ان "موقعنا في اوروبا غير قابل للتفاوض".واضاف باباديموس الذي كان حاكما للمصرف المركزي اليوناني لدى اعتماد اليورو، قبل ان يعين نائبا لرئيس البنك المركزي الاوروبي ان "اليونان هي وستبقى جزئا من اوروبا الموحدة ومن اليورو".
وظل اليونانيون على دعمهم للعملة الموحدة الذي وصل الى نسبة 80% في استطلاعات الراي، بالرغم من التضحيات الكبرى التي فرضتها الجهات الدائنة على هذا البلد منذ سنتين والتي تسببت لليونان بانكماش اقتصادي حاد وارتفاع كبير في معدل البطالة وصولا الى حوالى 50% من الشباب.
لكن رغم ذلك لم تعد فرضية الخروج من منطقة اليورو من المواضيع المحرمة. ونظمت مجلة "ذي ايكونوميست" البريطانية مؤخرا مؤتمرا حول هذا الموضوع في اثينا، وهي التي توقعت منذ فترة تعثر اليونان في سداد مستحقاتها.حتى الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان الذي يلقى تقديرا كبيرا في هذا البلد بعدما ساعده على الانضمام الى الاسرة الاوروبية، وصف قرار اشراك اليونان في اليورو بانه "خطأ جسيم"، منددا ب"الادارة الديماغوجية" التي انتهجتها الحكومات اليونانية المتعاقبة.وقال المؤرخ نيكولا بلودانيس "ثمة واقع خلف الدين، وهو ان القادة اليونانيين لطالما خلطوا ما بين مفهومي الاقتراض والدخل".
واوضح ان الانتماء الى منطقة اليورو سمح لهذا البلد بالاقتراض بمعدلات فوائد متدنية ما اتاح للطبقة السياسية تعزيز قاعدتها الانتخابية من خلال توظيف اعداد من الاشخاص في الادارات العامة.كما لفت سافاس روبوليس استاذ الاقتصاد في جامعة بانثيون في اثينا الى ان اليونان لم تستخدم الاموال الاوروبية التي منحت لها منذ الثمانينات من اجل "تطوير نظامها الانتاجي ورفع انتاجية قطاعها الصناعي".
وتابع روبوليس القريب من الاوساط النقابية انه "لا يمكن ان تعتمد مليون شركة في استمراريتها على الاسر اليونانية ال3,7 ملايين، بل عليها ان تعتمد على التصدير"، مبديا خشيته من ان تقع البلاد في "سوء التنمية" في حال عودتها الى الدراخما.غير ان التوجه الحالي يشير الى انتقال الشركات الى بلدان خارج منطقة اليورو مثل بلغاريا حيث الضرائب مؤاتية للشركات وكلفة الانتاج اكثر تدنيا.
في المقابل، يعتبر كوستاس لابافيتساس استاذ الاقتصاد في المعهد الشرقي والافريقي في جامعة لندن ان اليورو بحد ذاته "اشكالي" حيث اتاح ل"دول وسط" اوروبا مثل المانيا الاثراء على حساب دول "الاطراف"، وهو من الاقتصاديين النادرين بما في ذلك في اقصى اليسار، الداعين الى التخلي عن العملة الموحدة.وهو يرى ان اليونان لا خيار لديها سوى التخلف عن سداد ديونها والخروج من اليورو مع فرض رقابة على الرساميل.
ويواجه الذين يلوحون بالكارثة في مثل هذه الحالة محذرين من انهيار النظام المالي وهبوط قيمة موجودات الاسر وقيام تضخم زاحف وهروب مكثف للرساميل، مشددا على الكلفة "الفظيعة" التي سيتحملها المجتمع اليوناني نتيجة الاستمرار في سياسة التقشف.غير ان الخبير الاقتصادي يانيس فاروفاكيس من جامعة اثينا والذي يعتبر مثله يساريا، يرى على خلافه ان الخروج من اليورو سيكون اسوأ من البقاء فيه.ويحذر فاروفاكيس من ان التخلي عن اليورو سيؤدي حتما الى تدني قيمة الدراخما ما سيقود الى "انتقال مكثف للسلطة" من الاكثر فقرا الذين لن تعود مدخراتهم ذات قيمة، الى الاكثر ثراء الذين وضعوا اموالهم باليورو في مأمن.