تجارة الألعاب النارية في الجزائر: حمى الربح والبذخ!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
على غرار الألوان التجارية الموسمية المنتشرة في الجزائر، يشكّل حلول مناسبة المولد النبوي كل عام، فرصة من ذهب لآلاف التجار الموسميين كي يحصدوا أرباحا طائلة من وراء بيع سائر الألعاب النارية التي تحظى برواج قياسي من طرف المجتمع المحلي رغم حظرها قانونيا وخطورتها صحيا، إذ ينفق الزبائن ببذخ تحت تأثير حمى المفرقعات، "إيلاف" تابعت الظاهرة.الجزائر: ديكور متشابه.. آلاف الأطنان من المفرقعات.. باعة متحفزون .. وإقبال مثير للمستهلكين، هي الديكور المعتاد منذ أيام عديدة في الجزائر العاصمة، ومناطق البليدة وبومرداس، وهو واقع لا يختلف عن ذاك المعايش في باقي ولايات البلاد، طاولات صغيرة متراصة على طول الأزقة والشوارع، ولا يختلف الأمر بين أحياء موصوفة بالشعبية وأخرى صارت عنوانا لمن يُعرفون محليا بـ(الأثرياء الجدد) كضاحية سيدي يحيى.
وتتوزع لائحة الألعاب النارية على المفرقعات العادية والأجسام المضيئة التي تتراوح أثمانها بين 70 و250 دينار، والأخرى الضخمة التي لا يقل سعرها عن الثلاثة آلاف دينار، مثل القنابل المدوّية والأجسام المتفجرة والعبوات شديدة المفعول المختلفة الأحجام والأشكال التي تصدر أضواء متعددة الألوان وتتخذ أشكال زجاجات حارقة، ويوضح نذير البائع بساحة الشهداء:"سعر اللعبة النارية يتحدد بخواصها كتأثيرها ومداها والوقت الذي تستغرقه في الاشتعال".
ووسط أطنان المفرقعات، تُعرض أيضا مجموعات مختلفة من الشموع التي تختلف في السعر بحسب جودتها وحجمها، وكذا الأجسام المضيئة والبخور الطيبة التي يحبذ الكثيرون التنعم بروائحها في ليلة المولد، ويقرّ الباعة الذين تحدثنا إليهم، أنّهم اشتروا سلعهم من تجار الجملة الذين تلقوها بدورهم من شبكات لموردين اختصوا بجلب هذه المواد من بلدان آسيوية وفي صدارتها الصين المصنّع الرئيسي لهذه المواد. بحي شاراس وسط العاصمة الجزائرية، التقينا بأمين، يوسف وبلال هم من (حزب) العاطلين، يستغلون ليلة المولد كما عيدي الفطر والأضحى ومناسبات أخرى لكسب بعض المال، لا يخفي الثلاثة أنّ تجارة الألعاب النارية وما يتعلق بها من أكسسورات، مكسبها مضمون ويصل إلى أضعاف المبالغ التي تم استثمارها.
بهذا الصدد، يبرز أمين (22 عاما):"رأسمال الواحد منا لم يتعدّ الـ50 ألف دينار (ما يعادل 400 يورو)، وما جنيناه إلى غاية مساء اليوم(الاثنين) تعدى المائة ألف دينار (800 يورو)"، ويردف يوسف وبلال:"تعلمون أنّ المبيعات لا تنتهي بانقضاء ليلة المولد، إذ تستمر أياما إلى حين نفاذ البضائع المعروضة"، وتؤكد مراجع محلية أنّ مكسب الطاولة الواحدة يزيد عن 18 ألف دينار (1500 يورو). وبنهج حسيبة بن بوعلي المحاذي، أبدى سليم ارتياحا للتهافت المسجل رغم غلاء الأسعار وما يعانيه مواطنوه من ضائقة معيشية، ويعلق ضاحكا:"هنا الكل يدفع لأجل الاستمتاع بالمفرقعات والشموع والنوّالات ورائحة العنبر الزكية، ويضيف عثمان أنّ أولياء الأمور لا يترددون عن تلبية طلبات أبنائهم وبناتهم مهما بدا المقابل المالي لهذه الممنوعات ضخما.
ويفسر مجيد رب أسرة الأمر من زاوية (متعة ليست متوفرة في سائر الأيام)، وهو ما يؤيده هيثم وهو أب لطفلين الذي لا يخفي أنّه أنفق ما يعادل 45 يورو لأجل خوض "معارك موسمية" ينضم إليها في الغالب شباب جزائري مراهق ويلتحق بهم في مشاهد غريبة كهول ونساء وشيب أحيانا في أجواء هستيرية دأبت على تفجير الاحتفالات بليلة المولد النبوي وإلحاق أضرار بمحال تجارية ومرافق عامة كل عام. وكالعادة تُثار الكثير من التساؤلات عن كيفية تمكن "البارونات" من إغراق الأسواق المحلية بملايين الأطنان من الألعاب النارية، رغم الحظر القانوني وتباهي إدارة الجمارك بالرقابة المشددة على مستوى عموم المرافئ والشريط الحدودي.
وهو ما يفسره مسؤول بالجمارك أنّ هذه الالعاب النارية مستوردة بسجلات تجارية "مستعارة" ويتم إخفاؤها داخل حاويات وباستخدام تصريحات كاذبة، علما أنّ العام الأخير شهد حجز 17 مليون لعبة نارية تربو قيمتها عن السبعمائة مليون دينار (ما يعادل 7 ملايين يورو)، بيد أنّ بيع أصناف المفرقعات وبكميات غير محدودة، يجعل مراقبين يتساءلون عن الحجم الحقيقي للألعاب النارية المسرّبة رغم أنف دوائر الرقابة. وفيما يعتبر فريق من الجزائريين، أنّ "الأمر لا يستدعي التهويل" على حد تعبيرهم، ويعتبرون المفرقعات مظهرا للفرح والاسترخاء النفسي (..)، يبدي قطاع آخر من الموطنين هناك، استيائهم لتبذير المليارات في الهواء على مفرقعات تفسد حلاوة وجمالية الاحتفال بمناسبة دينية عبر العبث إلى أوقات متأخرة من الليل، وما يترتب عن ذلك من أضرار جسدية ومادية.