مسح ديون المجموعات الصناعية في الجزائر: نعمة أم نقمة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تعتزم الجزائر مسح ديون الآلاف من مجموعاتها الصناعية، إلاّ أنّ هذا الاتجاه أفرز انقساما يبرز على لسان من تحدثوا لـ"إيلاف"، بين من يرونه نعمة ستسهم في انبعاث المنظومة الصناعية المحلية وتقوية الآلة المنتجة، وبين فريق معارض ينتقد لجوء الحكومة إلى حلول سبق وأن أثبتت قصورها في الماضي ولم تنجح بحسبهم سوى في استنزاف الخزانة العامة.
الجزائر: ثارت موجة متجددة من الجدل إزاء خطة التطهير المالي الجديدة للمؤسسات العاجزة، كون الإجراء في مؤداه سيزيد من إنهاك خزينة الدولة، رغم تأكيد الأوصياء على أنّ ذلك حتمية لتحقيق قفزة نوعية ومنح جرعات لمنظومة الانتاج وقطاع التصنيع.
ويعزو "محمد بن مرادي" الوزير الجزائري للصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، اهتمام مصالحه بما يسميها "خطة تطهير الشركات المختصة بمجال التصنيع"، إلى حتمية تقوية النسيج الصناعي المحلي، لضمان نمو مستدام خاصة بعدما تبيّن أنّ 80 % من الآلة الصناعية الإنتاجية تستغل حاليا نصف قدراتها فقط.
ويركّز المسؤول الأول عن قطاع الصناعة في الجزائر، على أنّ إنفاق 386 مليار دينار (ما يعادل 5.5 مليار دولار) لأجل تجسيد البرنامج المحلي الخاص بتطهير المؤسسات، سيكفل تأهيل 1500 مؤسسة بنهاية العام الجاري، بينها عدد معتبر من المؤسسات المصغّرة والمتوسطة الموصوفة بكونها القوة الضاربة لأي فعل تنموي مستقبلي.
كما يلفت بن مرادي أنّ المخصصات المذكورة تندرج ضمن غلاف تربو قيمتها عن 450 مليار دينار (بحدود 6.1 مليار دولار) لن توّجه فقط لمسح الديون وإنعاش المؤسسات بل لدفع برنامج الاستثمار العمومي عبر إنجاز منشآت صناعية عديدة في غضون الخمسة شهرا المقبلة، فضلا عن تزويد القطاع الخاص بآليات دعم مختلفة، وهي خطوة ستستفيد منها نحو 20 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة في مرحلة أولى.
وردا على منتقدين لإعطاء الجهاز التنفيذي الأولوية للمؤسسات المملوكة للحكومة على حساب نظيراتها الخاصة، ينفي بن مرادي صدقية الأمر، موقنا أنّ بعث الصناعة المحلية لا يستبعد الخواص، وعليه جرى اتخاذ تدابير انفتحت على الصناعيين بشقيهما العام والخاص.
بدوره، يدافع "محمد باشا" المدير العام للذكاء الاقتصادي والدراسات الاستشرافية بوزارة الصناعة، عن جدوى الإجراء ويقول أنّه يتناغم مع مخطط العمل الجاري إعداده لتنفيذ الاستراتيجية الصناعية، ويشرح باشا أنّ العملية خضعت لدراسة عميقة ومطوّلة ستشفع بمخطط عمل تطبيقي ملموس من شأنه إحداث قفزة نوعية والتوصل الى تحقيق النتائج المرجوة.
ويؤيد الخبير المالي "مصطفى زيكارة" اعتماد عملية ''تطهير مالي'' جديدة، لضمان متنفس للشركات المملوكة للحكومة، طالما أنّ الأخيرة تعاني من اختناق مالي شديد، بعدما فشلت خطط حكومية سابقة في استمالة مالكين جدد لأصول المؤسسات المذكورة أو جذب استثمارات أجنبية من شأنها تنشيط الإنتاج الصناعي في الجزائر.
بيد أنّ توجه وزارة الصناعة لم يحظ بكامل الترحيب والمباركة، إذ يشدّد الخبير الاقتصادي "عبد الرحمان مبتول" على حاجة المجموعات الصناعية في بلاده إلى خطة جوهرية تحوز على مقومات الوضوح والشفافية والتخطيط البعيد المدى وكذا الشفافية المطلوبة، والتركيز على تحجيم الأخطار التي تحد من تطور النسيج المؤسساتي هناك، بدل الاستمرار في إنفاق أموال لن تؤت أكلها من أجل تقويم أوضاع مؤسسات فاشلة لم تغري أحد لشرائها إثر عرض الحكومة لخطة خصخصة واسعة النطاق قبل سبع سنوات.
ويستدل مبتول بإنفاق السلطات قبل سنوات لما يربو عن الستمائة مليون دولار على خطط إعادة تأهيل وهيكلة المؤسسات، إلا أنّ النتائج المحققة لم تكن مرضية البتة، وأبقت وضع القطاع الاقتصادي العمومي على ما كان عليه، وترتب عن ذلك احتباس المسار العام للتنمية في البلاد.
من جهته، يشاطر الخبير "عبد الحق لعميري" وجهة نظر مبتول، متحججا بافتقاد المخطط المراد تنفيذه للوضوح والتخطيط البعيد المدى وكذا الشفافية المطلوبة، ما يجعل العملية بمنظوره أقرب إلى المغامرة والتفنن في استنساخ أخطاء الماضي ليس إلا، فما الذي أنتجه مسح ديون المزارعين من إيجابيات على قطاع الزراعة في الجزائر؟
ويعتقد لعميري أنّ الخطوة أتت متسرعة بعض الشيء، خصوصا وأنّها لم تشفع بنظرة متكاملة تعين على تفادي أخطاء الماضي، حينما أقدم رئيس الوزراء "أحمد أويحيى" في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي على تسريح ستمائة ألف عامل بداعي إنقاذ المؤسسات الصناعية المفلسة.
ويستطرد مبتول:"بدل الذهاب مباشرة إلى تصفية ديون المجموعات الصناعية كأنّ شيئا لم يكن، الأحرى إصلاح نموذج التسيير الموسوم بكونه الحلقة الأضعف في الهيكل الاقتصادي الجزائري العام، وتوخي استيراتجية تسيير مغايرة من شأنها إزالة الأسباب والعوامل التي أدت إلى عجز هذه المؤسسات".
ويرى بعض المحللين، تطهير المؤسسات عبثيا، فبعد فترة قصيرة من عرض قطاع هام من المؤسسات المفلسة لخصخصة لم تنضج ثمارها، جرى تغيير المسار، ما يعني بنظر مبتول نقص الدقة في الأهداف، في ظلّ عدم إجابة أهل الحل والعقد على السؤال الكبير:''ماذا نريد بالضبط؟"، بينما كان الأجدر - بحسب مبتول - إخضاع المسألة لضوابط عملياتية تساير التوجه الاقتصادي الشامل للجزائر وتساوقه مع متغيرات النظام الاقتصادي العالمي.
ويتناقض تطهير المؤسسات مع ما جزم به "عبد العزيز بلخادم" وزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حينما صرّح بلهجة الواثق إنّ الدولة لن تستمر طويلا في إنعاش المؤسسات المفلسة، إن لم تنجح الأخيرة في تجاوز احتباساتها، ودفاعه عن ضرورة "التخلص" من 120 شركة عمومية لكونها "خاسرة"، ولم تفلح خطط إعادة تأهيلها وتحديثها، في إرجاع الروح إليها.