مشروع فلسطيني لزراعة البطيخ بعد غياب دام أكثر من عشرين عامًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أكد عدد من المختصين والمسؤولين والمهندسين أنه أصبح متاحا الآن أمام المزارعين الفلسطينيين زراعة البطيخ مجددا في الأراضي الفلسطينية بعد إنتاج أصناف يمكنها التغلب على مشاكل وأمراض التربة التي أجهضت زراعة البطيخ لأكثر من عقدين من الزمن.
رام الله: أكد المهندس سمير الجنيدي، أحد مالكي مشتل الجنيدي في محافظة نابلس، في لقاء خاص مع "إيلاف" أن فكرة إعادة زراعة البطيخ في الأراضي الفلسطينية من جديد، جاءت في أعقاب النتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها بعد التجارب العديدة التي أجريت في المشتل بالتعاون مع مركز البحوث التابع لوزارة الزراعة حيث تم تركيب بطيخ من الأصناف البلدية على عدة أصول محلية ومنها اليقطين والقرع والقرع العسلي والليف.وأوضح الجنيدي أن النتيجة التي ظهرت بعد هذه التجارب أثبتت أن تركيب البطيخ على أصول محلية وتحديدا على أصول اليقطين كانت جيدة جدا وذات إنتاجية أعلى.
ولفت إلى أنه وعلى ضوء هذه النتائج تم عمل مناقشات بحضور ومشاركة المزارعين والمهندسين والمرشدين في الدوائر الزراعية وقام المشتل بتغطية كافة المصاريف المتعلقة بالتجربة ومرفقاتها لتعميمها وإنجاحها.وبين أنه وعلى غرار النتائج التي تم التوصل لها تم عرض الموضوع بالكامل على وزير الزراعة الدكتور إسماعيل دعيق الذي قرر بدوره أن يتم اعتماد هذه التجربة من ناحية تجارية، وأوجد تمويلا لمائة وخمسين ألف شتلة بطيخ بحيث تغطي مساحة مئات الدونمات تقريبا.وأشار إلى أن الوزارة وتشجيعا للمزارعين قدمت تغطية لأسعار الشتل بنسبة 80% في حين يدفع المزارعون نسبة 20% من ثمنها، وتستهدف زراعتها مناطق طوباس وجنين وطولكرم وقلقيلية والنصارية في محافظة نابلس.
آليات العمل
وبخصوص آلية العمل لإنتاج هذا الصنف من البطيخ، قال الجنيدي: "تم بناء الوحدات اللازمة لعملية التركيب في (الحاضنة) التي تمثل أساس العمل وأهم مرحلة في عملية التركيب والتشتيل حيث يتم خلالها "تركيب بطيخ من نوع كريسيون وملالي والأصل يقطين محلي" وبذلك تم إيجاد أصول محلية بغرض التوفير قدر الإمكان على المزارعين والتقليل من الاستيراد".وأشار إلى أن عملية التركيب تستغرق خمسة وخمسين يوما حتى يتم تجهيز الشتلة لتكون صالحة للزراعة في الأرض الدائمة.وبحسب الجنيدي، تتسع الحاضنة لخمسة وعشرين ألف شتلة وهي تحتاج لستة أيام عمل حتى تتم عملية الالتحام ما بين البطيخ واليقطين بشكل صحيح ومن ثم تنقل إلى داخل المشتل لتتم عملية التقصية للأشتال حيث تصبح جاهزة للزراعة لاحقا، ويعمل داخل هذه الحاضنة ثمانية عشر فنيا مختصا.
أسباب غياب زراعة البطيخ
وذكر الجنيدي أن زراعة البطيخ تعود الآن مجددا بعد غياب استمر نحو عقدين من الزمن لأسباب عدة أهمها: إصابة التربة بأمراض عديدة هاجمت نبات البطيخ، وخشية المزارعين من خسائر فادحة لعدم قدرتهم على التغلب على هذه المشكلة.وأكد أن إعادة زراعة البطيخ الآن جاءت بعد القدرة على التغلب على المشكلة التي لطالما عانى منها المزارعون باستخدام نبات اليقطين حيث يتمتع بمناعة كبيرة لا تستطيع أمراض التربة الموجودة التأثير فيها.
ونفى وجود أية إشكاليات تتعلق بغياب زراعته لأسباب سياسية نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن الأمر متعلق فقط بالمشاكل الموجودة بالتربة.وأوضح أنه يتم الآن القيام بهذه الإجراءات بالاعتماد على جهود المهندسين والمزارعين القدماء ووزارة الزراعة، لافتا إلى أن وزارة الزراعة عقدت ورش عمل في المناطق المستهدفة حيث حظيت بحضور واسع واهتمام بحضور وإشراف مدير دائرة الخضار والزهور في الإدارة العامة للارشاد سعيد اللحام وكان التجاوب ممتازا.وعن المساحات المتوقع زراعتها أكد الجنيدي أن الكمية المنوي زراعتها تغطي مئات الدونمات الزراعية، ومن المقدر أن يكون انتاج الدونم من ستة إلى سبعة أطنان من البطيخ ما يعني أن كمية الانتاج المتوقعة متواضعة مقارنة بما تستهلكه السوق الفلسطينية.
وأكد أن غياب استيراد البضائع من المستوطنات نظرا لتطبيق قانون منع الاستيراد من المستوطنات سيفتح المجال واسعا أمام المزارعين من حيث الاستفادة، معربا عن أمله في أن يتم استكمال ما تم العمل به وأن تشهد المواسم القادمة زيادة في هذا التوجه لتشمل بقية المناطق الزراعية.وذكر أن هذه المحاولة لزراعة الكمية المشار إليها هي الأولى فلسطينيا، متوقعا في الوقت ذاته أن تكون الآمال والنتائج جيدة ومبشرة، كما سيفتح هذا الموضوع باب الاستثمار في هذا القطاع.
وتطرق الجنيدي للحديث عن تركيب أشتال الخضراوات وهي الوحدة الأولى من نوعها في فلسطين وتحقق جملة من الفوائد المهمة ومنها: زراعة أصناف في مناطق لم تعد صالحة لزراعة هذه الأصناف بحيث يكون الأصل المستخدم ذا مناعة قوية للأمراض الموجودة، ورفع كفاءة الانتاج في المزارع بحيث تسمح هذه العملية بخلق تجانس في نوعية المنتوج وزيادة في كمية الانتاج بمعدل يتراوح ما بين 20-25% الأمر الذي يشكل دخلا أفضل للمزارعين، إضافة إلى التقليل من نسبة السمية في الخضراوات.وقال المهندس الجنيدي: "إن هذا المشروع يعد من أفضل المشاريع التي عملت بها مع وزارة الزراعة من حيث القيمة المستقبلية لها والعائد الاقتصادي على الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن الحاضنة التي أنشئت في المشتل هي الأولى فلسطينيا وأنشئت بخبرات محلية".
ميزات البطيخ الفلسطيني
وبخصوص الميزات التي سيتمتع بها البطيخ الفلسطيني، أكد الجنيدي أن البطيخ سيمتاز بالطعم والنكهة وإمكانية تخزينه لفترة أطول بمدة تعادل شهرين بعد انتهاء الموسم، كما أن استخدام المواد الكيماوية سيكون قليلا، إضافة إلى أن الدخل والعائد سيكون جيدا بالنسبة إلى المزارعين الأمر الذي سيعزز التوجه نحو الاستثمار في هذا القطاع.واعتبر أن إعادة زراعة البطيخ مجددا بعد غياب طال انتظاره سيعيد المحصول لبلد البطيخ وهي جنين بعد التمكن من التغلب على المشكلات التي كانت تواجه زراعته.
ضغوط إسرائيلية لمواصلة الاستيراد
وفي ما يتعلق بتوجهات وزارة الزراعة لإعادة زراعة البطيخ، قال وزير الزراعة إسماعيل دعيق في لقاء خاص مع "إيلاف": "إن هدف الوزارة في زراعة البطيخ يأتي لسد الاحتياجات المحلية وإمكانية التصدير في المستقبل، منوها بأن الأراضي الفلسطينية كانت تشهد زراعة نحو اثني عشر صنفا في الماضي من البطيخ لا سيما في محافظة جنين".وأكد أن الوزارة بالتعاون مع المشاتل والمزارعين تمكنت من تشجيع المزارعين لزراعة نحو ألف ومائتين دونم من البطيخ وألفي دونم من الشمام، معربا عن أمله في أن يتم زراعة نحو ألفين وخمسمائة دونم من البطيخ وثلاثة آلاف دونم من الشمام في العام القادم.
وأوضح دعيق أن ما يميز زراعة البطيخ الفلسطيني هو أنه يروى بمياه نظيفة ويتحمل العطش ويغني عن البطيخ الذي يزرع في المستوطنات الإسرائيلية.
وقال وزير الزراعة: "إذا ما أردنا منع استيراد البطيخ من المستوطنات يتطلب ذلك توفير البديل وهو ما قمنا بعمله في هذا المشروع، متوقعا نجاح المشروع بصورة جيدة في ظل تجاوب المزارعين".وفي ما يتعلق بقرار السلطة الفلسطينية منع استيراد بضائع المستوطنات، أكد دعيق أن هذا القرار شجع المزارعين على المضي قدما في هذا المشروع حيث ستمنع الوزارة أيضا منع استيراد البطيخ في فترة الانتاج المحلي لضمان تسويقه.
وعن إمكانية تعرض السلطة لضغوط إسرائيلية بسبب زراعة البطيخ أو منع استيراده من إسرائيل على غرار ما جرى العام الماضي، قال وزير الزراعة: "توجد ضغوط إسرائيلية منذ اليوم الأول لهذا التوجه، لافتا إلى أن العام الماضي قامت الوزارة ولأول مرة بالكشف عن مزارع البطيخ في إسرائيل وتم التأكد أنها تزرع في إسرائيل وليس داخل المستوطنات، وسنقوم بعمل الإجراء نفسه قبل استيراد أي كمية من إسرائيل".وأضاف: "أن إسرائيل ربما تصعد من ضغوطها باتجاه منع استيراد البطيخ أو التقليل من استيراده بحيث تربط هذا الأمر بمنع تصدير أصناف أو مواد أخرى باتجاه الاراضي الفلسطينية، لافتا إلى أن الميزان التجاري يميل نحو إسرائيل في التجارة الزراعية بنسبة 80%".
وعن كمية الانتاج المتوقعة أوضح دعيق أن المتوقع يبلغ نحو عشرة آلاف طن وهي كمية بسيطة إذا ما قورنت بحجم الاستهلاك السنوي الذي يقارب نحو مائة ألف طن، منوها بأن الاعتماد على الاستيراد من إسرائيل سيستمر حتى يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي.وقال: "من حقنا الدفاع عن المزارعين وحمايتهم من اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي بتقديم التسهيلات لهم وأن يقوموا ببيع البطيخ بأسعار معقولة دون إغراق السوق الفلسطيني بكميات مستوردة".وأشاد الوزير بالجهود الفلسطينية التي بذلك لإنجاح المشروع، مثمنا في الوقت ذاته دور المشاتل والمهندسين في إنجاح المشروع، ومعربا عن أمله في أن يتشجع المزارعون لزراعة كميات أكبر من البطيخ والأصناف الأخرى.
وزارة الزراعة تدعم المشروع
وعن رؤية وزارة الزراعة، أكد سعيد اللحام مدير دائرة الخضار والزهور في الإدارة العامة للارشاد في وزارة الزراعة في اتصال هاتفي مع "إيلاف"، أن الوزارة دعمت هذا المشروع وتعمل على متابعته لإنجاحه بعد غياب استمر نحو عقدين من الزمن.وقال اللحام: "كانت زراعة البطيخ في فلسطين في الثمانينات تعادل ثلاثين ألف دونم وفي التسعينات تراجعت إلى الصفر وذلك بسبب مرض "فيساريوم" الذي أصاب التربة وألحق الضرر بالمحصول الأمر الذي تسبب في الاعتماد بشكل رئيس على المصدر الإسرائيلي بحيث يتم استهلاك مائة ألف طن سنويا من البطيخ في فلسطين".
وأشار إلى أن هذه الأمور دفعت الوزارة إلى التفكير بإعادة زراعة البطيخ وتم التوصل بالتعاون مع عدة جهات إلى أن التطعيم هو الحل المناسب وتم عمل حقول مشاهدة تجريبية في عدة مواقع في أريحا والنصارية في محافظة نابلس وكانت النتائج عالية حيث قدرت انتاجية الدونم الزراعي بنحو تسعة أطنان وبكمية سماد ومياه أقل من المعتاد".ونوه بأنه وبعد البحث عن البدائل تم التوصل إلى أصول محلية وهو اليقطين بعد أن كان الأصل مستوردا ومرتفع السعر وأجريت البحوث بالتعاون مع المركز الوطني للبحوث الزراعية.
وذكر أن اليقطين يعد أفضل الأصول المستخدمة في الدول المتقدمة، لافتا إلى أن النتائج التي تم الحصول عليها تم عرضها على الوزير ووزير الوزراء حيث تم إقرار زراعة مئات الدونمات للحصول على عدة أهداف أهمها تدريب المشاتل وتبني الفكرة لاحقا، وأن يتحقق المزارعون من النتائج لضمان تطبيقها، وأن يصبح لدى المرشدين الخبرة الكافية للقيام بهذه الفكرة.ووفق ما أكده مدير دائرة الخضار في وزارة الزراعة فإن المرحلة الأولى في هذا المشروع ستشمل مساعدة المزارعين بنسبة 80% فيما يتحمل المزارعون 20% من ثمن الأشتال، سعيا إلى تحقيق النجاح المنشود ومساعدة المزارعين، متوقعا في الوقت ذاته أن تكون نسبة النجاح ما بين 60-70%.وقال: "إن عدم السماح باستيراد بضائع المستوطنات وفق ما نص عليه القانون فإن هذا الأمر سيكون من صالح المنتج الوطني وسيعزز من توجه المزارعين للاستثمار في هذا القطاع، معربا عن أمله في أن يتبنى الجميع هذه الفكرة لإنجاح المشروع الفلسطيني".
يذكر أن مشتل الجنيدي الزراعي الذي اجرى هذه التجربة كان قد تأسس عام 1986 في نابلس وامتد نشاطه واتساعه ليطال مناطق عدة، ويمتاز بوجود عدد من المهندسين ذوي الخبرة ويتعاون بشكل وثيق مع كلية الزراعة في جامعة النجاح الوطنية.ويعمل المشتل على تغطية السوق المحلية من أشتال الخضراوات بنسب عالية لمزارعي الأغوار والمناطق الزراعية الأخرى وينفذ بالتعاون مع وزارة الزراعة العديد من الأنشطة والمشاريع والتجارب التي تخدم القطاع الزراعي. ومن بين الأعمال التي يقوم بها المشتل انتاج أشتال الفواكه والزيتون والتين والرمان والعنب وإنتاج الأزهار والورود وتنسيق الحدائق والمتنزهات.