اقتصاد

أسعار السمك تصل إلى مستويات خيالية في الجزائر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بلغت أسعار السمك الطازج مستويات خيالية في الجزائر، حيث تتراوح حاليًا بين أربعمئة وستمئة دينار للكيلوغرام الواحد (بحدود 5 إلى 7 دولارات)، ويرشحها متابعون إلى ملامسة سقف الثمانمئة دينار (10 دولارات) في الفترة المقبلة، وهو وضع لم يسبق للجزائريين أن عايشوه.الجزائر: في وضع غريب يستمر منذ أشهر عديدة، بات السمك الطازج أو ما يُعرف محليًّا بـ"السردين" بعيد المنال من الجزائريين، ولا سيما فئة الموظفين المحدودي الدخل، تبعًا لبيعه بأسعار خرافية يتصاعد مداها يومًا بعد آخر، بعدما كان السمك يشكّل طوق نجاة للمستهلكين الذين لا يقوون على شراء اللحوم الحمراء وتوابعها. وفي جولة قادتنا إلى عدد من محلات وطاولات بيع السمك بالجزائر العاصمة وضواحيها، ، التهبت بورصة الأسماك وأحرقت كل من اقترب منها، حيث يُباع الكيلوغرام الواحد بـ450 دينارًا (ما يقارب الستة دولارات)، مع استثناءات قد تهبط به إلى حدود 350 دينارًا (بما يعادل 3.5 دولارات). بيد أنّ الأخطر في توقعات تجار التجزئة والجملة عن قابلية أسعار السمك لتتضاعف بشكل جنوني، وهو ما يعزوه هؤلاء إلى ثلاثية الندرة، والاحتكار، والمضاربة، خلافًا للفترات التي كانت فيها سفن الصيادين، تعود مُثقلة بمئات الأطنان من الأسماك.

ويربط "زبير سعيدي" رئيس وحدة بمسمكة الجزائر العاصمة، فوضى الأسعار وارتفاعها ست مرات في 33 شهرًا، بالتراجع الكبير في حصيلة صيد السمك بنوعيه الأزرق والأبيض، حيث يسجل أنّ صيد السردين انخفض بستة أطنان يوميًا أي ما يمثل 20 في المئة مقارنة بسنتي 2009 و2010، وهو معطى ألقى بظلاله على الحركية العامة للأسعار التي لم تنزل عن عارضة الثلاثمئة دينار في أحسن الظروف. ويؤيد "فاتح لبادي" الذي ينشط في ميدان الصيد منذ ربع قرن، ما قاله سعيدي، إذ يلفت إلى أنّ ما يجري اصطياده جد قليل، ويرجع ذلك إلى ما ترتب عن تلويث البقع النفطية لسواحل البلاد، فضلاً عن الظروف الجوية واستمرار فريق من الصيادين في الصيد بوساطة "الديناميت"، على الرغم من كون ذلك محظورًا وله تبعات وخيمة على الثروة السمكية.

بدوره، يقول "ربيع زكري" الذي وجدناه سبيع حمولته بمسمكة بوهارون:"ندرة السمك لها صلة وطيدة بالتلوث والمناخ والصيد بالمتفجرات، ولا سيما العامل الأخير الذي أفرز كل هذا الهزال"، وهو ما تؤكده "ربيعة زروقي" مسؤولة الصيد البحري بقولها أنّ السمك لم يعد متوفرًا بعرض السواحل، مثلما كان عليه الحال خلال السنوات الماضية. إلى ذلك، يتصور أحمد الصياد المخضرم أنّ صيد السمك في الجزائر يبقى ضئيلاً بسبب استعمال طرق تقليدية منذ نصف قرن، ملّحًا على أنّ الصيد كل يوم بالطريقة ذاتها وفي الفضاء نفسه، سيؤدي إلى غياب الأسماك، فيما يقرّ توفيق المختص في الصيد، أنّ هناك ثروة سمكية معتبرة تقدر بستمئة ألف طن، والضروري البحث عن المخزون القابل للصيد حيثما انتقلت.

بيد أنّ مقران الذي يمتلك خبرة 35 سنة في ميدان الصيد، يرفض اختزال أزمة أسعار السمك في الندرة، وبمرارة شديدة يصر على وجود احتكار من طرف مجموعات لم يسمها، تعمل بحسبه على إبقاء الأسعار عالية، وهو ما ينذر في حال استمرار وضع كهذا بجعل استهلاك السمك مقصورًا على الأغنياء دون سواهم.

من جهته، يركّز كل من الصادق، حميد، وحسين وهم تجار تجزئة، على وجود مضاربة، فبعض باعة الجملة يحددون أسعار السمك كما يحلو لهم، في ممارسة هي أقرب إلى الابتزاز، على الرغم من أنّ إمكانية تحقيق مداخيل جيدة متاحة، ولا يخفي الثلاثة أنّ شبح الكساد والخسارة يلاحق بضاعتهم التي يعرضونها في أحياء شعبية بأسعار غير معقولة صادمة للزبائن العاديين. في هذا الصدد، لا تخفي خديجة أنّها كانت تواظب على شراء السردين كل أسبوع، لكنها في ظل الوضع الجديد صارت لا تقوى على فعل ذلك، تمامًا مثل بشير وسليم وحسان الذين يستهجنون وجود أزمة سمك في بلد له إمكانيات بحرية ضخمة مثل الجزائر.

الحلّ في المسمكات؟

تراهن الجزائر على تشجيع نشوء مسمكات لقطع الطريق على المحتكرين، في هذا السياق سيتم افتتاح مسمكة ميناء زموري (ضاحية الجزائر الشرقية) في انتظار استحداث مسمكات أخرى. ويشير "شريف قادري" وهو مسؤول محلي للصيد البحري، أنّه سيتم تفعيل المسمكات على مستوى الموانئ الكبرى، على أن يجري تعميمها في كل موانئ الصيد، وستعنى هذه المسمكات ببيع الأسماك بالجملة، في حين يركّز "عبد النور برور" على أنّ الرهان الأساس يكمن في تشجيع الانتاج السمكي وتزويد الصيادين بالأدوات اللوجستية اللازمة.

ويبقى إنتاج السمك في الجزائر ضئيلا جدا، ويقدره "حسين بلوط" رئيس اتحادية الصيادين بـ93 ألف طن سنويًا، بينما ترفعه السلطات إلى 187 ألف طن وتبدي تفاؤلاً برفعه إلى 220 ألف طن، وعلى الرغم من هذا التضخيم، إلا أنّ الكميات التي تتباهى بها وزارة الصيد الجزائرية تبقى ضعيفة إذا ما قورنت ببلد جار كالمغرب الذي يقدر إنتاجه بمليون طن سنويا. وأعلنت وزارة الصيد الجزائرية عن مخطط لجعل الإنتاج بنحو 274 ألف طن، مع الإشارة إلى أنّ الطاقة الإجمالية للجزائر من الثروة السمكية تصل إلى حدود ستة ملايين طن من الأسماك على طول شريط ساحلي يمتد على طول 1284 كيلومترًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف